دليل الشهادة

منذ 2020-07-06

دليل الشهادة (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط)

دليل الشهادة

دليل الشهادة: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}.

قال المصنف رحمه الله: (فَدَلِيلُ الشَّهَادَةِ: قَـوْلُهُ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}  [آل عمران: 18].

الشرح الإجمالي:

الإسلام له أركان خمسة، وكل ركن منها له دليل، (فدليل) الركن الأول من أركان الإسلام، وهو: (الشهادة)، أي: شهادة أن لا إله إلا الله: قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ}؛ أي: حَكم َوقضى سبحانه، وأعلم وأخبر خلقة بـ {أَنَّهُ لَا إِلَهَ} يستحق العبادة، {إِلَّا هُوَ} جل وعلا، {و} شَهِدَ {وَالْمَلَائِكَةُ} كذلك بما شهد الله جل جلاله لنفسه المقدسة به أنه لا إله إلا هو؛ {وَأُولُو}؛ أي: أصحاب،  {الْعِلْمِ}  شهدوا بذلك أيضًا، وهذا من أكبر الأدلة والبراهين على تفرُّده جل وعلا بالألوهية، فيجب على المكلفين قَبول هذه الشهادة العادلة الصادقة، والله جل وعلا: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ}؛ أي: قائمًا بالعدل في جميع الأحوال، ثم أخبر مرة أخرى، وكرَّر إفراده بالألوهية بقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، فهو سبحانه وتعالى عزيز، فيمتنع من أن يكون له شريك، وهو حكيم، فلا يمكن أن يُسَوَى غيرهُ به في شيء مما يختص به [1].

 

الشرح التفصيلي:

شرع المصنف رحمه الله تعالى في بيان أدلة أركان الإسلام الخمسة، وبدأ بذكر دليل الركن الأول من أركان الإسلام، وهو: شهادة أَن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقال: (فدليل الشهادة): أي: دليل شهادة أن لا إله إلا الله؛ وأطلق لفظ الشهادة على شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأنها أعظم شهادة في الوجود على أعظم مشهود به، فلا ينصرف الإطلاق إلاَّ إليها[2]، والشهادة في اللغة: خبرٌ قاطع تقول به[3]، مأخوذة من شهد يشهد شهودًا وشهادة: إذا عَلِمَ ذلك بقلبه، فأَخَبَر بلسانه، وأعْلَمَ به غيره، قال ابن فارس: "الشين والهاء والدال، أصلٌ يدل على حضور، وعلم، وإعلام، لا يخرج شيء من فروعه عن الذي ذكرنا، يقال: شهد فلان عند القاضي: إذا بيَّن، وأعْلَمَ لمن الحق، وعلى من هو"[4]، فالشهادة لا تكون شهادة حتى يجتمع فيها هذه الثلاث مراتب:

 

المرتبة الأولى: أن يعتقد ويعلم بقلبه صحة المشهود به، وإلا كان الشاهد شاهدًا بما لا عِلْمَ له به.

 

والمرتبة الثانية: أن يتكلم بما يشهد به بلسانه، وإن لم يُعْلِم به غيره، بل يتكلم به مع نفسه، ويتلفظ به بلسانه، أو يكتبه.

 

والمرتبة الثالثة: أن يُعْلِم غيره بما يشهد به، ويُبينه له، فمن تكلم بشيء وأخبر به، فقد شَهِدَ به، فيكون معنى: الشهادة هنا: العلم بأن لا إله إلا الله، والنطق بذلك، والإعلام به[5]؛ أي: أعْلَمُ بقلبي، وأقولُ، وأُبينُ بلساني: أنه لا إله إلا الله[6]، وشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية في الآية التي استدل بها المصنف تضمَّنت هذه الثلاث مراتب، فتضمنت علمه سبحانه بذلك، وتكلمه به، وإخباره لخلقه به، كما تضمنت أيضًا مرتبة رابعة، وهي: الأمر بذلك والإلزام به، وإن كان مجرد الشهادة لا يستلزمه، لكن الشهادة في الآية تتضمنه؛ فإنه سبحانه شهد به شهادة من حَكَمَ به، وقضى وأمر وألزم عباده به، ووجه استلزام شهادته سبحانه لذلك أن شهادته سبحانه بأنه لا إله إلا هو، يستلزم الأمر باتخاذه وحده إلهًا، والنهي عن اتخاذ غيره معه إلهًا، وأيضًا فالآية دلت على أنه سبحانه هو وحده المستحق للعبادة، فإذا أخبر أنه هو وحده المستحق للعبادة، تضمَّن هذا الإخبار أَمْرَ العباد، وإلزامهم بأداء ما يستحقه الرب تعالى عليهم، وأن القيام بذلك هو خالص حقه عليهم[7]، والشهادة معناها: الاعتقاد الجازم، واختُير لفظ الشهادة دون لفظ الاعتقاد من باب التوكيد والجزم؛ لبيان أنه لا بد من الاعتقاد الجازم، حتى كأنك تُشاهد الذي تعتقده، والذي تشاهده تشهد به، وهذه هي الحكمة والله أعلم من أنه يقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولا يقال اعتقاد[8].

 

واستدل المصنف على وجوب الشهادة لله تعالى وحده بقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}  [آل عمران: 18]، ووجه الاستدلال من الآية على وجوب الشهادة لله تعالى - أن الله جل وعلا شهد لنفسه أنه لا إله إلا هو المتفرد بالإلهية، وكفى به شهيدًا، وهو أصدقُ القائلين وأعدلهم، وشهادة الله سبحانه وتعالى تتضمن الحكم والقضاء والإلزام، وشَهِدَ له بذلك الملائكة، وهم عُمَّار السماء، وشَهِدَ له بذلك أيضًا أولو العلم من الثقلين، وبعد أن شهد بذلك لنفسه، وأخبر بشهادة ملائكته له بذلك، وبشهادة أولي العلم له بذلك، أخبر مرة أخرى بمضمون ذلك، فقال:  {وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]، والتكرار لتأكيد الشهادة المتقدمة، وليتلفظ بها القارئ انفرادًا، فيكون من الشاهدين، فهذا وجه الاستدلال من هذه الآية [9].

 

وقوله سبحانه وتعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}: هذا من حيث الإعراب فيه وجهان:

أحدهما: أنه حال من لفظ الجلالة (الله)، والمعنى على هذا: شهد الله حال قيامه بالقسط أنه لا إله إلا هو.

 

والثاني: أنه حال من الضمير في قوله: {أَنَّهُ لَا إِلَهَ}؛ أي: لا إله إلا هو، حال كونه قائمًا بالقسط، وبين التقديرين فرق ظاهر، فإن التقدير الأول: يتضمن أن المعنى: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} متكلمًا بالعدل، مخبرًا به، آمرًا به، فاعلًا له، مُجازيًا به: أنه لا إله إلا هو؛ أي: شهد الله قائمًا بالعدل أنه لا إله إلا هو، وفي ذلك تحقيق لكون هذه الشهادة شهادة عدل وقسط، وهي أعدل شهادة، كما أن المشهود به أعدل شيء، وأصحه وأحقه، وإذا شهد قائمًا بالعدل المتضمن جزاء المخلصين بالجنة، وجزاء المشركين بالنار، كان هذا من تمام موجب الشهادة وتحقيقها، وكان قوله تعالى: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} تنبيهًا على جزاء الشاهد بها والجاحد لها، وأما التقدير الثاني - وهو أن يكون قوله: "قائمًا" حالًا مما بعد إلا - فالمعنى: أنه لا إله إلا هو قائمًا بالعدل، فهو وحده المستحق الإلهية، مع كونه قائمًا بالقسط، فيكون قد شهد الله سبحانه وتعالى لنفسه في هذه الآية بأمرين: شهد لنفسه بالألوهية، وشهد لنفسه بأنه سبحانه وتعالى قائمٌ بالقسط، والأظهر أن هذا التقدير أرجح، فإنه يتضمن: أن الملائكة وأولي العلم يشهدون له بأنه لا إله إلا هو، وأنه قائم بالقسط، فهو أشمل في المعنى، فيكون شهد الله، وشهد الملائكة، وشهد أولو العلم لله بأمرين بالألوهية، وأنه سبحانه وتعالى قائمٌ بالقسط، فيكون الملائكة وأولو العلم قد شهدوا بأنه قائم بالقسط، كما شهدوا بأنه لا إله إلا هو، والتقدير الأول لا يتضمن ذلك، فإنه إذا كان التقدير شهد الله - قائمًا بالقسط - أنه لا إله إلا هو، والملائكة وأولو العلم يشهدون أنه لا إله إلا هو، كان القيام بالقسط حالًا من اسم الله وحده، وأيضا فكونه قائمًا بالقسط فيما شهد به أبلغ من كونه حالًا من مجرد الشهادة، فتضمنت هذه الآية وهذه الشهادة: الدلالة على وحدانيَّته -جل وعلا- المنافية للشرك، وعدله المنافي للظلم، وعزته المنافية للعجز، وحكمته المنافية للجهل والعيب، ففيها الشهادة له بالتوحيد، والعدل، والقدرة والعلم والحكمة، ولهذا كانت أعظم شهادة [10].

 


[1] ينظر: حاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (48)؛ وتيسير الوصول شرح ثلاثة الأصول، د. عبدالمحسن القاسم (123)؛ وشرح الأصول الثلاثة، د. خالد المصلح (42).

[2] حاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (48).

[3] ينظر: الصحاح، للجوهري (1/ 421)؛ ولسان العرب (3/ 239).

[4] معجم مقاييس اللغة (517،518).

[5] ينظر: مدارج السالكين، لابن القيم (2/ 418)؛ وشرح الأربعين النووية، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (86).

[6] ينظر: تهذيب اللغة، للأزهري (6/ 47).

[7] ينظر: مدارج السالكين، لابن القيم (2/ 419)؛ وشرح العقيدة الطحاوية، للقاضي علي بن أبي العز، تحقيق: د. عبدالله التركي، وشعيب الأرنؤوط (1/ 46،44)؛ وحاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (48).

[8] ينظر: تيسير الوصول شرح ثلاثة الأصول، د. عبدالمحسن القاسم (120).

[9] ينظر: شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (132)؛ وشرح الأصول الثلاثة، د. خالد المصلح (42).

[10] ينظر: مدارج السالكين، لابن القيم (3/ 426)؛ وشرح الأصول الثلاثة، د. خالد المصلح (42).

__________________________________________

د. فهد بن بادي المرشدي

 

  • 1
  • 0
  • 4,515

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً