شرح باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور من كتاب «رياض الصالحين»
إذا أحدث الإنسان عقيدة في أسماء الله وصفاته مثلًا فهو مبتدع، أو قال قولًا لم يشرعه الله ورسوله فهو مبتدع، أو فعل لم يشرعه الله ورسوله فهو مبتدع.
قَالَ العلَّامةُ ابنُ عثيمينَ - رحمه الله -:
قال المؤلفُ - رحمه الله تعالى -: «بابُ النَّهِي عَنْ البِدَعِ ومُحدَثاتِ الأُمورِ»، والبدعُ هي الأشياء التي يبتدعها الإنسان، هذا هو معناها في اللغة العربية، ومنه قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117]، أي خالقها على غير مثالٍ سبق، يعني لم يسبق لهما نظير، بل ابتدعهما وأنشأهما أولًا.
و«البدعة» - في الشرع -: كل من تعبدَّ لله سبحانه وتعالى بغير ما شرع عقيدةً أو قولًا أو فعلًا، فمن تعبَّد لله بغير ما شرعه الله من عقيدةٍ أو قول أو فعل فهو مبتدع.
فإذا أحدث الإنسان عقيدة في أسماء الله وصفاته مثلًا فهو مبتدع، أو قال قولًا لم يشرعه الله ورسوله فهو مبتدع، أو فعل لم يشرعه الله ورسوله فهو مبتدع.
وليعلم أن الإنسان المبتدع يقع في محاذير كثيرة:
أولًا: أن ما ابتدعه فهو ضلال بنص القرآن والسنة، وذلك أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الحق، وقد قال الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس: 32]، هذا دليل القرآن. ودليل السُّنَّة قوله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ بدعةٍ ضَلالةٌ»، ومعلوم أن المؤمن لا يختار أن يتبع طريق الضالين الذين يتبرأ منهم المصلي في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } [الفاتحة: 6، 7].
ثانيًا: أن في البدعة خروجًا عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [آل عمران: 31]، فمن ابتدع بدعة يتعبد لله بها فقد خرج عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعها، فيكون خارجًا عن شرعة الله فيما ابتدعه.
ثالثًا: أن البدعة التي ابتدعها تنافي تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله؛ لأن من حقق شهادة أن محمدًا رسول الله فإنه لا يخرج عن التعبد بما جاء به، بل يلتزم شريعته ولا يتجاوزها ولا يقصر عنها، فمن قصر في الشريعة أو زاد فيها قصر في اتباعه، إما بنقص أو زيادة، وحينئذ لا يحقق شهادة أن محمدًا رسول الله.
رابعًا: أن مضمون البدعة الطعن في الإسلام، فإن الذي يبتدع تتضمن بدعته أن الإسلام لم يكمل، أنه كمل الإسلام بهذه البدعة، وقد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا } [المائدة: 3]، فيقال لهذا المبتدع: أنت الآن أتيت بشريعة غير التي كمل عليها الإسلام، وهذا يتضمن الطعن في الإسلام وإن لم يكن الطعن فيه باللسان، لكن الطعن فيه هنا بالفعل، أين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أين الصحابة عن هذه العبادة التي ابتدعها؟ أهم في جهلٍ منها؟ أم في تقصير عنها؟ إذًا فهذا يكون طعنًا في الشريعة الإسلامية.
خامسًا: أنه يتضمن الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن هذه البدعة التي زعمت أنها عبادة إما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم بها، وحينئذ يكون جاهلًا، وإما أن يكون قد علم بها ولكنه كتمها، وحينئذ يكون كاتمًا للرسالة أو بعضها، وهذا خطير جدًّا.
سادسًا: أن البدعة تتضمن تفريق الأمة الإسلامية؛ لأن الأمة الإسلامية إذا فُتح الباب لها في البدع صار هذا يبتدع شيئًا، وهذا يبتدع شيئًا، وهذا يبتدع شيئًا، كما هو الواقع الآن، فتكون الأمة الإسلامية كلُّ حزبٍ منها بما لديه فَرِحٌ كما قال تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 32]، كل حزب يقول الحقُّ معي، والضلال مع الآخر، وقد قال الله تعالى لنبيه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُون} [الأنعام: 159، 160].
فإذا صار الناس يبتدعون تفرقوا، وصار كل واحد يقول الحق معي، وفلان ضال مقصر، ويرميه بالكذب والبهتان وسوء القصد وما أشبه ذلك.
ونضرب لهذا مثلًا بأولئك الذين ابتدعوا عيد ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام، وصاروا يحتفلون بما يدَّعون أنه اليوم الذي ولد فيه، وهو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، أتدرون ماذا يقولون لمن لا يفعل هذه البدعة؟ يقولون هؤلاء يبغضون الرسول ويكرهونه، لهذا لم يفرحوا بمولده، ولم يقيموا له احتفالًا، وما أشبه ذلك، فتجدهم يرمون أهل الحق بما هم أحق به منهم.
والحقيقة أن المبتدع بدعته تتضمن أنه يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان يدَّعي أنه يحبُّه؛ لأنه إذا ابتدع هذه البدعة والرسول عليه الصلاة والسلام لم يشرعها للأمة، فهو كما قلتُ سابقًا إما جاهل وإما كاتم.
سابعًا: أن البدعة إذا انتشرت في الأمة اضمحلت السُّنَّة، لأن الناس يعملون؛ فإما بخير وإما بشر، ولهذا قال بعض السلف: ما ابتدع قوم بدعة إلا أضاعوا من السُّنَّة مثلها، يعني أو أشد. فالبدع تؤدي إلى نسيان السنن واضمحلالها بين الأمة الإسلامية.
وقد يبتدع بعض الناس بدعة بِنِيَّةٍ حسنة، لكن يكون أحسنَ في قصده وأساء في فعله، ولا مانع أن يكون القصدُ حسنًا والفعل سيئًا، ولكن يجب على من علم أنَّ فعله سيئ أن يرجع عن فعله، وأن يتبع السنة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثامنًا: من المفاسد أيضًا: أن المبتدع لا يُحكم الكتاب والسنة؛ لأنه يرجع إلى هواه، يحكم هواه، وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59]، { إِلَى اللَّهِ} أي كتابه عزَّ وجلَّ، {وَالرَّسُولِ} أي إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه، والله الموفق.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2 /328 – 331)
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- التصنيف: