الإمام الطبري - (3) أهم شيوخ الطبري الذين أخذ عنهم
لقي الإمام ابن جرير علماءَ كُثُرًا، وسمع من شيوخ صعب حصرُهم، حتى قال الذهبي لما عدَّد أهم شيوخه: "وأُممًا سواهم".
لقي الإمام ابن جرير علماءَ كُثُرًا، وسمع من شيوخ صعب حصرُهم، حتى قال الذهبي لما عدَّد أهم شيوخه: "وأُممًا سواهم".
في حين يقول في غيره من العلماء: ولقي كثيرًا غيرهم، لكن ابن جرير لقي أممًا، وتدل على الكثرة الكاثرة، وللدَّلالة على كثرتهم انظر أسانيدَه في التفسير والتهذيب.
ومن أهم شيوخه:
1- محمد بن حُمَيْد الرازي التميمي أبو عبدالله (ت 248)، وهو أول شيوخه في الري، أخذ عنه الحديثَ والتفسير، حتى ذكروا أن ما أخذه عنه من الحديث مائةُ ألف.
والإمام ابن حميد من حفَّاظ الحديث، وقد روى عنه الإمام أحمد بن حنبل، وقد ضعَّفه الحافظ في التقريب، وقال: كان ابن معين حسنَ الرأي فيه.
2- عمران بن موسى الليثي البصري (240)، وقد لقيه بها في أول دخوله العراق، كان - رحمه الله - حافظًا صدوقًا ويعرف بالقزاز، وهو أول شيوخه وفاةً.
3- أبو همام الوليد بن شجاع السكوني (243)، لَقِيه في الكوفة، وهو إمام حافظ ثقةٌ من رجال صحيح مسلم والسنن، لقيه ابن جرير بالكوفة.
4- أحمد بن منيع البَغوِي البغدادي أبو جعفر (244) صاحب المسند، الإمام الحافظ الثقة من أقران الإمام أحمد، ومن زهَّاد العلماء، روى عنه ببغداد؛ لما فاته الأخذ عن الإمام أحمد.
5- محمد بن العلاء الهمدانيُّ أبو كريب الكوفي (247)، لقيه في الكوفة، وهو حافظُها الثقة المتقن، الذي روى له أصحاب الكتب الستة، وبلغ ما تلقَّاه عنه ابن جرير مائةَ ألف حديث.
وكانت لابن جرير مع الإمام أبي كريب قصةٌ، إذ كان أبو كريب فيه شدةٌ وشراسة مع إمامته وحفظه؛ حيث قال ابن جرير: حضرت مرةً إلى داره مع طلاب الحديث، فاطَّلع علينا من خوخة له، والطلاب يلتمسون الدخول عليه ويصيحون لذلك، فقال لهم: أيُّكم يحفظ ما كتبه عني؟ فالتفت الطلاب بعضهم إلى بعض، ثم نظروا إليَّ فقالوا: أنت تحفظ ما كتبتَ عنه؟ قلت: نعم، قالوا: هذا؛ فاسأله، فقلت: حدثتنا في كذا وكذا، وفي يوم كذا وكذا، فأخذ أبو كريب يسألني إلى أن عَظُمْتُ في نفسه، فقال لي: ادخل إليَّ، فدخلت فمكَّنني من حديثه.
6- هنَّاد بن السُّري التميمي الكوفي (243) الإمام الحافظ الثقة، لقيه ابن جرير بالكوفة، والإمام هنَّاد من رجال أصحاب السنن.
7- محمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب البصري الأموي (244)، لقيه بها، وهو الإمام الحافظ الصدوق، من رجال الإمام مسلم وبعض أهل السنن.
8- محمد بن بشار العبدي البصري (252) المعروف ببُنْدار، الإمام الحافظ الثقة، الذي أخرج له جماعة أصحاب الأمهات، لقيه بالبصرة وأكثَرَ عنه، وهو - رحمه الله - من أوعية الحفظ، ومشاهير رواة الحديث.
9- الإمام الحافظ يعقوب بن إبراهيم الدورقي (252) صاحب المسند، وهو من رجال الكتب الستة.
10- بشر بن معاذ العقدي البصري (245) الضرير، لقيه بالبصرة.
11- محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري (245)، لقيه بالبصرة، وهو أحد الحفاظ الثقات الكبار، روى له الإمام مسلم وبقية أصحاب السنن.
هؤلاء الحفاظ اخترتهم؛ لأنهم من طبقة الإمام أحمد الذين علا إسنادُ ابن جرير بهم، وسمع عنهم في آخر حياتهم، وأول حياته العلمية.
12- الربيع بن سليمان الأزدي (256)، لقيه في دخوله مصر للمرة الثانية، وأخذ عنه فقه الإمام الشافعي ومرويَّاته.
13- الحسن بن محمد الزعفراني البغدادي الشافعي (260)، لقيه بها فأخذ عنه فقه الشافعي، كما أخذه بها عن محتسب بغداد المجتهد الشافعي أبي سعيد الإصطخري.
14- إسماعيل بن يحيى المزني (264) صاحب الشافعي، لقيه بالقاهرة، وأخذ عنه الفقه ومرويَّاته.
15- محمد بن عبدالله بن عبدالحكم المالكي المؤرخ (268)، أخذ عنه فقه مالك، والتاريخ، كما أخذ فقه مالك عن أخوَيْه سعد وعبدالرحمن، وكان محمد هذا ممن حمل من مصر في الفتنة بخلق القرآن، لكنه ثبت ولم يجب إليها، ثم رد إلى مصر.
16- يونس بن عبدالأعلى الصدفي (264)، أخذ عنه بمصر قراءةَ حمزة وورش، من طريقه عن علي بن كبسة عن سليم بن عيسى عن حمزة، كما أخذ عنه الفقه الشافعي، ومرويَّاته في الحديث والأخبار.
17- سليمان بن عبدالرحمن بن خلاد الطلحي (252)، أخذ عنه القراءات من طريق جدِّه خلاَّد عن شيوخه.
18- علي بن سراج المصري أبو الحسن (308) لقيه بمصر، فأخذ عنه اللغة والأدب، أخذه عنه بدخول مصر الأول في الفُسطاط، وقد أعجب به جدًّا بحفظه وذكائه وسَعَة اطلاعه؛ حيث إن ابن جرير كان يحفظ شعرَ ابن الطرماح، ولم يكن بمصر من يحفظُه غيره، وكان ابن سراج حافظًا محدِّثًا، عالمًا بأيام الناس وأخبارهم.
19- كما أخذ علمَ النحو والعربية وأدبها عن أحمد بن يحيى ثعلب الكوفي (291) إمام الكوفيين في عصره، وقد أثنى على ابن جرير ثناء جيدًا، مع شدته في مدح الناس جدًّا.
20- كما أخذ الفقه الحنفي عن أبي مقاتل في بلده الري، فتجمع له الفقه على المذاهب الثلاثة المشتهرة بزمنه، مع فقه الظاهرية؛ حيث أخذه عن إمامهم: داود بن علي الأصبهاني الظاهري (270)، لقيه بها فأخذ عنه، وكتب عنه من كتبه كثيرًا، إلا أنه رد عليه بكتاب سماه (الرد على ذي الأسفار)، وما الناس إلا رادٌّ ومردود عليه، وهذا شأن العلم، فليَفطِنْ لهذا طلاَّبُه.
21- الشيخ العباس بن الوليد البيروتي (270هـ)، وأخذ عنه القراءات ببلده بيروت في بلاد الشام لما رحل إليها من العراق.
هذا، وإن كان ابن جرير قد تلقَّى أكثر العلوم عن أهلها المشايخ، فهو - رحمه الله - قد تولَّى تعليم نفسه بنفسه في بعض الفنون، والتوسُّع في بقيتها، فعلم العَروض علَّمه نفسَه بنفسه، كما ذكره هو عن نفسه لما استعار من صديق له كتاب العروض للخليل الفراهيدي، فأمسى غيرَ عروضيٍّ وأصبح عروضيًّا، إذ أحاط به في ليلة على نفسه، كذلك شعر الطرماح بن حكيم استظهره على نفسه... وغيرها.
وهذا أمر لا يستطيعه كلُّ أحد إلا النوابغ من الطلاب، وهو مشاهَد في كل زمان في هؤلاء خاصة، لا كما يظنه بعضهم استغناء عن الشيوخ اكتفاءً بذكائهم، فإن من كان إمامه كتابه، كان خطؤه أكثرَ من صوابه.
وهذا ابن جرير وغيره - ممن بلغوا من الذكاء والنبوغ مبلغًا قلَّ أن يوصل إليه - كان شيوخهم بالكثرة بما يصعب حصرهم والإحاطة بهم.
وهو نموذج لطلاب العلم في زمننا وما بعده للإفادة من هذا المنهج في طلب العلم وتحصيله، والذي عزف عنه كثير من المتعلِّمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهي سنةٌ مَن أحياها كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا.
- التصنيف: