العناية بتقديم الخدمات للحجاج
هؤلاء الحجاج الذين يستحقون منا كل رعاية وخدمة، فهم ضيوف الله، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الغازي في سبيل الله، والحاج إلى بيت الله، والمعتمر، وفد الله دعاهم فأجابوه» [1] وكذلك هم ضيوف بلادنا الطيبة.
الحمد لله وحده الذي يسر الحج إلى بيته الحرام، وأودع في قلوب المسلمين الشوق والحنين إلى زيارة المشاعر العظام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله خير مرشد وإمام، أما بعد:
فإن من الثابت المقرر في ديننا أن الحج ركن من أركان هذا الدين، وهو فرض عين على كل مسلم بالغ مستطيع في العمر مرة واحدة.
قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97].
وكل ما يساهم في أداء هذا النسك العظيم، على الوجه المشروع المقصود، يتطرق إلى كونه واجباً عينياً، أو كفائياً، على الدولة، أو الأفراد.
لقد خص الله تعالى بلادنا بأنها مقصد القلوب، والأبدان حين جعل فيها قبلة عباده، ومقصد حجاجه، الذين جاؤوا إليها من كل فج عميق.
هؤلاء الحجاج الذين يستحقون منا كل رعاية وخدمة، فهم ضيوف الله، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الغازي في سبيل الله، والحاج إلى بيت الله، والمعتمر، وفد الله دعاهم فأجابوه» [1] وكذلك هم ضيوف بلادنا الطيبة.
والحمد لله فإن ما قدمته بلادنا حكومة وشعباً من خدمات ورعاية لضيوف بيت الله الحرام لهو مبعث فخر واعتزاز لنا.
إن ما يحتاجه الحجاج من خدمات ورعاية، يتعلق بأمور عديدة لعب الزمان دوره في شكله ومضمونه، وإن كان بالمجمل يتعلق بتحقيق الآمان للحاج في نفسه، وماله وعرضه، ليشكل مع ما يتعلق بتأمين أماكن أداء النسك بكل ما تحتاجه من خدمات متعلقة ضرورة براحة الحاج، أساس الواقع الخدمي الذي يحتاجه الحاج.
إذا ما يحتاجه الحاج من خدمات لا بد أن تنطلق من أمرين وهما:
1 - ذات الحاج نفسه.
2 - وأماكن أداء النسك.
إن خدمة الحجاج لها متعلق بما يلي:
أولاً: الإخلاص الذي هونبراس العمل ومادته ومحركه، فعلينا بتجريد الإخلاص لله عز وجل في كل عمل صغير وكبير، قال الله جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوااللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5].
ثانياً: خدمة الحجاج عبادة، إن أحسنت النية، بالمفهوم العام للعبادة، وهو كل عمل يحبه الله ويرضاه.
ولا شك أن رعاية الحجاج وخدمتهم من الأعمال الصالحة المقبولة - إن شاء الله - خاصة مع وقعها وممارستها في هذه الأيام المباركة التي اجتمع فيها فضل الزمان والمكان، أقصد الأيام العشر من ذي الحجة التي أجمع العلماء على فضل العمل الصالح فيها عن غيرها من الأيام فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد. إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيءٍ» [2].
ثالثاً: الإسلام جعل المسلمين في توادهم ومحبتهم لبعضهم، وقيامهم بشؤون بعضهم البعض كالجسد الواحد، في تحقيق الرعاية والخدمة لهذا الجسد الواحد.
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين: في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر، والحمى» [3].
قال ابن أبي جمرة - رحمه الله -: (الذي يظهر أن التراحم والتوادد والتعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى، لكن بينها فرق لطيف، فأما التراحم: فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضاً بأخوة الإيمان. لا بسبب شيء آخر.
وأما التوادد: فالمراد به التواصل الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي.
وأما التعاطف: فالمراد به إعانة بعضهم بعضاً كما يعطف الثوب عليه ليقويه) "[4].
رابعاً: أن خدمة الحجاج فرصة لمضاعفة الحسنات ورفع الدرجات، فقد جمع الله فضل الزمان وفضلالمكان وفضل المخدوم، فإن الأدلة الشرعية تدل على أن الحسنات تضاعف في الزمان الفاضل والمكان الفاضل، وكذلكيَعظُم إثمها فقد توعّد الله عز وجل من يرد الفساد والإلحاد في الحرم بعذاب أليمفقال تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍأَلِيمٍ} [الحج:25].
قال ابن كثير - رحمه الله -: (أي يهم بأمر فظيع من المعاصي الكبار)
وعنابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الناس إلى اللهثلاثة - وذكر منهم - مُلحد في أرض الحرم"[5].
خامساً: علينا أن نستشعر عظم الأمانة و خطورة المهمة؛ لأن الحجاج هم ضيوف الرحمن، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وفد الله ثلاثة: الحاج، والمعتمر، والغازي» [6].
♦ ♦ ♦
علاقة خدمة الحجاج بمقاصد التشريع العامة:
إن خدمة الحجاج تندرج ضمن مقاصد التشريع العامة، وهي: حفظ:( الدين والنفس، والعقل، والنسل، والمال) فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول أو بعضها فهو مفسدة.
ويظهر ذلك: في كون الحج داخل ضمن مسمى الدين باعتباره أحد أركانه فكل ما يساهم في خدمة هذا الركن يكون من الدين.
وكذلك تأمين ما يحتاجه الحاج للحفاظ على صحته ونفسه، وعقله، وماله، وعرضه، يدخل في بقية المصالح الأخرى المعتبرة.
ثم وسيلة أو وسائل حفظ هذه الأصول الخمسة وما يتعلق بها تندرج في ثلاث مراحل حسب أهميتها وقوتها وهي: (الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات ).
والمناط الأكبر في تأمين هذه الوسائل يقع على عاتق الدولة - وقد قامت مشكورة بما يحقق ذلك - فهي مطالبة أكثر من غيرها في تأمين كل ما يحتاج إليه الحاج، ويحقق له السلامة في دينه، ونفسه، وماله وعرضه، وعقله.
علاقة خدمة الحجاج بمقصد طاعة ولي الأمر:
لقد دلت النصوص من القرآن والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر، وأن معصيتهم حرام، وعلى هذا انعقد إجماع الأمة.
لكن الطاعة الواجب على الأمة التقيد بها ليست طاعة مطلقة، وإنما هي طاعة في حدود الشرع، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السمع والطاعة حق، ما لم يؤمر بالمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» "[7].
والكلام على وجوب طاعة الإمام، وتفاصيل ذلك مبحوثة ومفصلة عند أهل العلم بكل تفريعات هذه المسألة، لكن أود أن أتكلم هنا على مسألة هي قريبة مما نحن في صدده، ألا وهي تقيد المباح من قبل الإمام، عند سن بعض النظم بما يتعلق وخدمة الحجاج.
والأصل أن حق الإباحة للشارع وحده من غير توقف على إذن من أحد.
والإباحة من العباد لا بد فيها أن تكون على وجه لا يأباه الشرع، وألا تكون على وجه التمليك، وإلا كانت هبة أو إعارة.
وإذا كانت الإباحة من ولي الأمر فالمدار فيها - بعد الشرطين السابقين - أن تكون منوطة بالمصلحة العامة.
وذهب العلماء إلى أن للإمام أن يقيد بعض المباحات لمصلحة راجحة في بعض الأوقات أو بعض الأحوال، أو لبعض الناس. [8].
على أن لا يكون المنع منعًا عامًّا مُطلقًا مُؤبَّدًا؛ لأن المنع المطلق المؤبد أشبه بالتحريم الذي هو من حق الله تعالى، وهو الذي أنكره القرآن على أهل الكتاب الذين {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} [التوبة: 31].
وقد جاء الحديث مُفسِّرًا للآية: «إنَّهم أَحلوا لهم وَحَرَّموا عليهم، فَاتَّبِعُوهم».[9]
إن تقييد المُباحِ مثل منع ذبح اللحم في بعض الأيام تقليلًا للاستهلاك منه، كما حدَث في عصر عمر - رضي الله عنه -.
وفيما يتعلق بموضوعنا نمثل له: بضبط تكرار الحج، بالنسبة للفرد الواحد، بإفساح المجال لأداء هذا الركن العظم لمن وقع فرضه عليه بيسر وسهولة، بمنع تكراره للمتنفل ضمن ضوابط محدده.
وكذلك ضبط كيفية الرمي، وإلزام الحجاج أو المعتمرين بالعودة إلى بلدانهم.. إلخ..
أما أن نجيء إلى شيء أَحلَّه الله تعالى وأَذِن فيه بصريح كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - واستقر عليه عمل الأمة، فنمنعه منعًا عامًّا مُطلقًا مُؤبدًا، فهذا شيء غير مجرد تقييد المباح الذي ضربنا أمثلته.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] رواه ابن حبان.
[2] رواه البخاري برقم:(969).
[3] رواه مسلم
[4] [ابن حجر: فتح الباري:10/ 439].
[5] رواه البخاري
[6] رواه ابن حبان.
[7] رواه البخاري: كتاب: الجهاد، باب: السمع والطاعة للإمام، ومسلم: كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، برقم: ( 1839).
[8] انظر حاشية الخرشي:(2/ 113) وينظر: تحفة المحتاج: ( 3/ 71)،، وابن حجر: الفتاوى الكبرى: ( 1/ 279 ) و(2/ 228). والحاشية على شرح الخرقي: ( 8/ 61)، وابن قدامة: المغني: ( 9/ 7381) وابن مفلح: الآداب الشرعية: ( 1/ 439).
[9] رواه الترمذي برقم: ( 3095).
- التصنيف: