أن تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمُه
أسماء محمد لبيب
يا قوم.. إن الحزنَ للحرمانِ من الطاعات ومن مواطن لقاءِ الله ومن عدم ذِكر الله في المساجد، يُحيِي مواتَ القلوب
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
حين أغلقت المساجد.. أصيب الناس بالحزن الشديد، وهذا إن دل يدل على سلامة الفطرة أو ما بقي منها لدى البعض في زمن غربة الدين الذي نعيشه..
ولكن أبى بعضُ الناسِ –بحسن نية إن شاء الله- إلا أن يأتوا على تلك البقية الباقية من سلامة الفِطَر ويغرقونها مع المُغرَقين، فتعالتْ صيحاتٌ هنا وهناك، تؤنبُ الباكين على غلقِ بيوتِ الله وتقللُ من شأن هذا الأمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
أعترض بشدة على تلك الحَمَلاتِ وما فيها من التهوينِ من الحزنِ على غَلقِ المساجدِ في أعينِ المسلمين، وما رددوه لدعم حملتهم من جُمَل مثل "المؤمن لا يحزن"، و "من كان يعبُدُ المسجدَ فإن ربَّ المسجدَ حيٌّ لا يموت"، و "مش عاوزين الله يخليكم منشورات العويل والبكاء والكآبة في أول رمضان إن المساجد والتراويح ممنوعة لإن أمر المؤمن كله خير"...
وأعلم أن النية من ورائها تخفيفُ الحزنِ عن الناس..
لكن ليس في هذا الموضِع يا رفاق..
دَعُوا القلوبَ تضطرم هاهنا ولا بأس ولا حرج..
يا قوم.. إن الحزنَ للحرمانِ من الطاعات ومن مواطن لقاءِ الله ومن عدم ذِكر الله في المساجد، يُحيِي مواتَ القلوب..
فخَلُّوا بين القلوبِ وحزنِها ها هنا، فلعل الله يطّلع على ذلك منها فيغفر لها ويستجيب..
هَوِّنوا ما شئتم على الناس متى شئتم وفيما شئتم..
لكن دعُوها تحزن هاهنا وتتطهَّرُ بدمع الحسرة، من صحائفَ مَدَّ البصر لطالما مُلِئَتْ بالفرحِ بالذنوب سَلفًا...
أثُمَّ إذا ما بدأتِ القلوبُ تَحيا من جديد بالحُزن لله وفي الله، أمتْناها بأيدينا وأيدي المؤمنين، بزعم تهوينِ الحزن عليها...؟َ!
هَوِّنوا علينا كما شئتم أي شيئ، ولكم أجر إدخال السرور....
إلا غلق المساجد ومنع تسبيح اللهِ فيها بالغدو والآصال،
فلا والله لا يهونُ وما ينبغي له، ولا تنطفيءُ جذوةُ ألمِهِ، ونتقرب إلى الله بهذا الحزن..
كيف يَهُونُ الحزنُ على قلبٍ قد عَلَّق قلبَه هناك، ليزوره ويتفقَّده كل يومٍ خمسَ مراتٍ على وَعدٍ بالإياب كلَّ مرةٍ بعد الذهاب، ثم إذا هو قد أُغلقَ البابُ دونَه بغتةً وحِيل بينهما مُنذئذ ولا إياب...؟
قلبُ مُعَمِّرِ المسجدِ مُعَلَّقٌ هناك يا قوم.. أَنَّى يَسْكُنُ أو ينجَلِي حُزنُه...؟
والله إنا لنعلم أننا مأمورون ألا نحزن.. أجل..
لكن هذا في أمور الدنيا وتقلباتها علينا بالنعم والنقم والسلب والعطاء، ومطامعنا فيها ونصيبنا منها...
{ {لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} }
{ {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} }
أما في الدين، فيكف يكون أمرًا غيرَ ذي حُزنٍ، أن تُغلَقَ أبوابُ بيوتِ الله في وجوهِ عُمّارِها وأهلِها؟
والله لا يكونُ هَيّنًا عابرًا سهلًا إلا على المنافقين...
ألم يُعَلِّمنا الصحابةُ الكرامُ -رضي الله عنهم- أن كلَّ مصيبةٍ تَهُونُ إلا المصيبة في الدين؟
أما قرأتم قصتَهم في الحديبية، وكيف كادَ يَقتلُ بعضُهم بعضًا هَمًّا وغَمًّا وهم يَحلِقون رؤوسَ بعضِهم البعض، أنْ حالَ أعداءُ اللهِ بينهم وبين بيتِ اللهِ الحرامِ والعُمرَة؟
هذا مع يقينهم -رضي الله عنهم- في وعد الله برجوعهم العام التالي مُحَلِّقِين رؤوسَهم ومُقَصِّرين لا يخافون، ويقينِهم أن أمرَ المؤمنِ كلَّه خير فإنَّ ربَّهُ لا يقضِي شرًّا..
لكنها القلوبُ الحيةُ يا رفاق.. فلا تُميتوها.. بالله...
دعُوها تحزن لله وفي الله....
على بيوتٍ أذِن اللهُ أن تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمُه، ثم أُوصِدَت دونهم..
ولا يعزُبُ عن إذن الله شيئ..
= أرأيتم لو أن مُبصِرًا كان يقرأُ القرآنَ بعينيه، ثم ابتلاه ربُه بين ليلةٍ ونهارها في حبيبتيه فذهب بَصرُه، ورغم صبرِه الجميلِ ويقينِه أن ثوابَه مكتوبٌ مكتوبٌ وأن له الجنةَ بإذن ربه- أتراهُ لا ينبغي له الحزنُ من حرمانِ رؤية حبيبتيه لكلام حبيبه؟
= أ رأيتم لو أن صحيحًا كان يُمَرِّغُ جَبهتَه في التراب مُتَلذّذًا بأقرب القُرب من ربه، ثم حِيل بينه وبين السجود لسَقَمٍ أو لغيرِه بين عَشيةٍ وضُحاها، أتراه -مع صبره الجميل ويقينِه أن أجره كما هو حين كان صحيحًا- لا يُستساغُ له الحُزنُ من انتهاء زمنِ السجود بالجباه، ويُلامُ عليه؟
= بل أرأيتم يومَ تُرفَعُ الآياتُ من المصاحف والصدور -ونعوذ بالله أن نَشْهدَه- أنقولُ يومَها "المؤمنُ لا يَحزن" و"من كان يعبدُ المصحفَ فإن رب المصحف حَيٌّ لا يموت"؟
اللهم إنا نتقرب إليك بحزننا على اختناقِ أصواتِ إقامة الصلوات والجُمَع والتروايح..
ونسألُك أن تأذنَ برفع ما نحن فيه من الفاقة والمسكنة والذِلة..
وأن تقضيَ بزوالِ مُوجِباتِ سَخَطِك وعِقابك..
وأن لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرقبون في المؤمنين إلًّا ولا ذِمّة..
وأن تفرغ علينا صبرًا... وصبرًا.. وصبرًا...
أقلام القراء