محاربون من نوع آخر

منذ 2020-08-23

هم يعرفون أن السير بقدمٍ عرجاء، و ساق مكسورة، في ميدان حربهم مع أنفسهم  أو نحو تحقيق أهدافهم، و أحلامهم،  خيرٌ لهم من أيام سلامٍ مزيفة؛ٍ تأخذهم بالنهاية نحو الهلاك.

بقلم أسماء سعد

في طرقات الحياة،و شوارعها، هنالك محاربون كثيرون، من بينهم صنفٌ يحارب لكن ليس على أرض معركة، و لا في مواجهة أعداء من بني البشر،صنفٌ معركته الحقيقية مع ذاته؛ صنفٌ يحارب، لكنه يحارب نفسه الأمارة بالسوء .

إن هذا الصنف من المحاربين في ميدان الحياة هم : الذين قَدّروا قيمة الحياة، و نعمة العيْش،فصارت حياتهم صولات، وجولات، و صارت أيامهم، ميادين حربٍ و قتال؛ كلما هُزِموا؛ قاموا بعزمٍ جديد،وكلما خسروا معركةً؛حازوابعدها نصراً فريداً.

إنهم يرفضون الاستسلام،و إن تعددت هزائمهم ، و يأبون التخلي عن ساحة القتال، و إن قُطعوا أشلاء

يؤمنون أن الحرب؛ ولو بعزيمةٍ فاترةٍ، خيرٌ من العيش بروح مستسلمة.

هم يعرفون أن السير بقدمٍ عرجاء، و ساق مكسورة، في ميدان حربهم مع أنفسهم  أو نحو تحقيق أهدافهم، و أحلامهم،  خيرٌ لهم من أيام سلامٍ مزيفة؛ٍ تأخذهم بالنهاية نحو الهلاك.

إن هؤلاء المحاربين؛حربهم ليست حرباً عاديةً، و معركتهم ليست كباقي المعارك، التي سبق و عرفتها البشرية ؛ إنما حربهم ، صراع مع أنفسهم، وشياطينهم؛ لأجل عقيدتهم ومبادئهم.

إن هذا الصنف من المحاربين؛ هم  الذين هداهم الله بهداه سبحانه، الذين امتثلوا  لله، وجعلوا شعارهم " سمعنا وأطعنا فساروا إليه يلتسمون رضاه في سكناتهم، و حركاتهم ،في سُكَاتِهم، و كلامهم.

هم يجاهدون جهاداًٍ ليس بهينٍ ، يجاهدون أهواءهم، و يحاربون شهواتهم، و ضعفهم ، و يشنون حرباً ؛بل حروباً لهزيمة شياطينهم 

و رغم هزيمتهم أمام أنفسهم ،و تفريطهم في حق الله، و تقصيرهم مرات و مرات ، و رغم ضعفهم أمام الشهوات، و الفتن، يأبون أن يتركوا طريق الله .

كلما عصوا استغفروا، و أنابوا  لربهم ،و تابوا ،و كلما زلت خطاهم ،أو تعثرت، فروا  إلى الله ،مستمسكين بأمره ،و نهيه من جديد وشعارهم ، بل وحالهم:" إنا إلى الله سائرون، وما كنا يوماً مستسلمين، ولن نكون ،و لن نترك درب الهدى أبدا،ً و لو سرنا إلى الله عُرجاً مكاسير، بين الضعف و التقصير".

إن هؤلاء آمنوا؛ أن الحياة بعيداً عن الله لا تعاش، 

وأن كل إنسان_ ليست قضيته الأولى  رضا الله _ ميتٌ و إن بدت عليه سمة الأحياء ،و أن كل محارب ليست معركته الأهم  مع نفسه ،و شيطانه ، خاسر مهما جنى، و كثرت مكاسبه في الحياة .

إنهم ذاقوا لذة العيش في معيته سبحانه ، و على طريق طاعته، فما استطاعوا و لن يستطيعوا أن يسيروا في درب غير درب هداه.

فمن ذا الذي يسير على طريق الله، و يهون عليه أن يفرط فيه بعدما عرفه؟  

فإن كنت منهم فهنيئاً لك سيرك على دربهم و أثرهم_ ثبتك الله_، وإن لم تكن منهم فقم و لا تؤجل .

 فما الذي ينقصك كي ينتصروا هم، و يسيروا إلى الله بينما أنت منهزمٌ غافل ؟

ما الذي يشغلك عن الله؟

  أيُ همٍ - بل إن  شئت قل وَهْمٍ - أكبر بقلبك و أعز عليك من الله ؟

  و لنا عظة،ٌ و تذكرة ،في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر على قبر دُفِن حديثًا فقال:

((ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتَنَفَّلُون، يزيدهما هذا في عمله أحبُّ إليه من بقية دنياكم)

فهذا حال من سبقونا إلى القبور !!

ركعتان نافلة أحب إليهم من دنيانا، التي ألهتنا و شغلتنا ،و صار سعينا فيها سباق و ركاض.

هذا حال من ماتوا و يوماً سنصير إلى ما صاروا إليه 

لكنَّا لازلنا بالدنيا مشغولين ،و عن طاعة الله غافلين، و قليلٌ منا من هم بالموت معتبرين .

فانهض و استعن بالله ،و أعد ما استطعت من عدةٍ و انزل مع من سبقوك إلى ميدان حربك و جهادك مع نفسك ، و تذكر أن معركتك مع ذاتك كي ترضي الله أعظم معارك حياتك .

انهض و لا تجعلهم يسبقونك إلى الله، بل زاحم أقدامهم و شاركهم الخطى .

و كن محارباً في درب الحياة، سائراً إلى ربك و لو بقدمٍ مكسورةٍ و ساقٍ عرجاء .

لكن إياك إياك و ترك طريق الله .

 

  • 4
  • 1
  • 1,853

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً