صيام عاشوراء: فضله وأحكامه
وردت نصوص صحيحة صريحة تدل على أن أفضل الصيام بعد شهر رمضان هو شهر الله تعالى المحرم؛ لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»...
- التصنيفات: ملفات شهر محرم -
لا شك أن الأعمال الصالحة تتفاضل فيما بينها زمانًا ومكانًا، فالصلاة - مثلًا - تتفاضل زمانًا ومكانًا؛ فالصلاة في الحرم المكي تفضل على الصلاة في الحرم النبوي، والصلاة في الحرم النبوي تفضل على الصلاة في سائر المساجد، وكذلك الصيام في شهر رمضان، يفضل عنه في باقي الشهور، والصيام في شهر الله المحرم يفضل عن صوم النوافل في شهور أخرى.
قال العز بن عبدالسلام رحمه الله تعالى: "وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دنيوي... والضرب الثاني: تفضيل ديني راجع إلى أن الله تعالى يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء... ففضلها راجع إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها"؛ قواعد الأحكام 1/ 38.
ولقد وردت نصوص صحيحة صريحة تدل على أن أفضل الصيام بعد شهر رمضان هو شهر الله تعالى المحرم؛ لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»؛ صحيح مسلم (١١٦٣).
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ((سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: «أفضل الصلاة بعد الصلاةِ المكتوبة الصلاةُ في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيامُ شهر الله المحرم»؛ صحيح مسلم (١١٦٣).
♦ وسبب صيام يوم عاشوراء ورد في حديث عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ((لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء، فسألهم، فقالوا: هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أولى بموسى منهم فصوموه»؛ صحيح البخاري (٤٧٣٧).
وفي رواية عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ((لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسُئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيمًا له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « نحن أولى بموسى منكم، ثم أمر بصومه»؛ صحيح البخاري (٣٩٤٣).
وفي رواية عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ((قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسُئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيمًا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أولى بموسى منكم فأمر بصومه»؛ صحيح مسلم (١١٣٠).
وليُعلم جليًّا ظاهرًا مما تقدم إيراده من الأحاديث أن الإسلام هو دين الأنبياء جميعًا، ومن أصول الإسلام: الإيمان بجميع الرسل والأنبياء، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو وأتباعه المسلمون أولى بموسى عليه السلام وبجميع الأنبياء والمرسلين من أقوامهم الذين حرفوا دينهم وغيروه وبدلوه.
ويُفهم من الحديث أن الأنبياء بعضهم أولى ببعض، وأن من غيَّر شرائع الله تعالى المنزلة على الرسل، لا يصح انتسابه إليهم ولا إلى شرائعهم، ولا ينتفع بذلك.
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، بعد أن هاجر من مكة، وجد اليهود الذين بالمدينة يصومون يومًا يسمى عاشوراء، وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب صيامهم لهذا اليوم، فقالوا: هذا يوم عظيم؛ لأنه يوم نجى الله تعالى فيه موسى عليه السلام وقومه بني إسرائيل من عدوهم فرعون، وأغرق الله قوم فرعون؛ فصام موسى عليه السلام ذلك اليوم شكرًا لله تعالى - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى بموسى»؛ أي: بموافقته في شكر الله تعالى، والفرحة بنجاته من اليهود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم موافق له في أصل الدين، أما اليهود فقد حرفوا وغيروا وبدلوا، فصامه صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بصيامه.
♦ ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم عاشوراء؛ لأهميته، ولعظيم فضله، ولمكانته وسببه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر؛ يعني: شهر رمضان"؛ رواه البخاري (1867)، ومعنى: "يتحرى"؛ أي: يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.
♦ ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: "شهر الله": من باب إضافة الشهر إلى الله تعالى إضافة تعظيم لشهر الله المحرم على غيره من الشهور؛ فهو أفضلها بعد شهر رمضان المبارك.
♦ وقت يومي عاشوراء وتاسوعاء:
عاشوراء: هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وتاسوعاء: هو اليوم التاسع من شهر الله المحرم.
قال النووي رحمه الله في المجموع: "عاشوراء وتاسوعاء اسمان ممدودان، هذا هو المشهور في كتب اللغة، وقال أصحابنا: عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وتاسوعاء هو التاسع منه، وبه قال جمهور العلماء، وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة".
♦ يُستحب صوم التاسع والعاشر جميعًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع؛ لحديث عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، وفي رواية أبي بكر قال: يعني: يوم عاشوراء؛ صحيح مسلم (١١٣٤).
♦ وصيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة ماضية؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»؛ رواه مسلم (1976)، وهذا من فضل الله تعالى العظيم على عباده، أن يحتسب صيام يوم واحد لتكفير ذنوب سنة كاملة.
♦ مراتب صيام عاشوراء:
1- أن يصوم عاشوراء ويومًا قبله ويومًا بعده، وهذا أفضل المراتب.
2- أن يصوم عاشوراء ويومًا قبله أو يومًا بعده؛ لمخالفة المشركين.
3- أن يصوم يوم عاشوراء وحده.
♦ ويصح إفراد يوم عاشوراء بالصيام، دون أن تتقدمه بيوم، أو تلحقه بيوم بعده.
♦ وتكفير يوم عاشوراء للسيئات لا يشمل الكبائر؛ لأنها مخصوصة بأدلة أخرى، ولا بد للكبائر من توبة خاصة، وإذا كانت الصلاة - والتي هي أعظم من صيام عاشوراء - تكفر السيئات إذا اجتُنبت الكبائر، فصوم عاشوراء أقل منزلة من الصلاة المفروضة التي لا تُكفَّرُ فيها الكبائر؛ لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر))؛ صحيح مسلم (٢٣٣).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "يكفر كل الذنوب الصغائر، وتقديره: يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر"، ثم قال رحمه الله: "صوم يوم عرفة كفارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفر له ما تقدم من ذنبه … كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفَّره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كُتبت به حسنات، ورُفعت له به درجات، وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغائر، رجونا أن تخفف من الكبائر"؛ المجموع شرح المهذب، ج6، صوم يوم عرفة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وتكفير الطهارة، والصلاة، وصيام رمضان، وعرفة، وعاشوراء للصغائر فقط"؛ الفتاوى الكبرى، ج5.
♦ ولا يشرع ما يفعله بعض الناس في يوم عاشوراء من الاكتحال، والاغتسال، والحناء والمصافحة، وإظهار السرور؛ فإنه لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم جميعًا، وكل ما رُوي من أحاديث مثل: «من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، ومن اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام» ، و «من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته»، وغيرها من الروايات - فكلها موضوعة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم.
♦ وكذلك ذبح الذبائح عند أضرحة الأولياء، سواء كان ذلك في يوم عاشوراء أو غيره من سائر الأيام - فهو شرك وفاعله ملعون؛ لأنه ذبح لغير الله جل وعلا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعن الله من ذبح لغير الله»؛ أخرجه مسلم (١٩٧٨)؛ وعليه فلا يجوز الأكل من الذبائح التي تُذبح عند قبور الأولياء، من الأغنام والأبقار، وسائر الذبائح.
هذا ما تيسر إيراده من فضائل وأحكام تتعلق بيوم عاشوراء، نسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، والحمد لله رب العالمين.
____________________________________
د. كامل صبحي صلاح