البيوت أحكام وآداب (1-2)

منذ 2020-08-29

وقال الإمام ابن مفلح المقدسي رحمه الله: "كَدرُ العيش في ثلاث: الجار السوء، والولد العاق، والمرأة السيئة الخُلُق".

{بسم الله الرحمن الرحيم }

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:

فمن نِعَمِ الله عز وجل التي لا تُعدُّ ولا تحصى أن يجد الإنسان بيتًا يسكن فيه؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾ [النحل: 80]، فنعمةٌ من الله جل جلاله أن يجد الإنسان مكانًا يأوي إليه، ويرتاح فيه، ويقِيهِ الحرَّ والبرد،

ويستره وأهله عن الناس، إلى غير ذلك من الفوائد والمصالح؛ فعلى المسلم أن يحمَدَ الله عز وجل على هذه النعمة، فكم يوجد من البشر ممن لا مسكنَ لهم! فعن أنس رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافيَ له ولا مؤويَ))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "قوله: ((فكم ممن لا مؤوي له)): قيل: معناه: لا وطن له ولا سكن يأوي إليه".

وينبغي أن يحرص المسلم أن يكون مسكنه واسعًا، فمن سعادة المرء أن يكون مسكنه واسعًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمَرْكَبُ الهَنِيُّ))؛ [أخرجه ابن حبان، وصححه العلامة الألباني]، والمقصود بالمسكن الواسع: أن يكون كثيرَ المرافق؛ ففي رواية عند الحاكم زاد: ((والدار تكون واسعةً كثيرةَ المرافق)).

كما ينبغي أن يحرص على الجيران الطيبين؛ فشؤمُ الدار - كما ذكر بعض أهل العلم - يكون من ضيقها وسوء جِوارها؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى، ولا طِيَرَةَ، وإن كان الشؤم في شيء، ففي الدار والمرأة والفرس))؛ [متفق عليه]؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قيل: إن شؤم الدار ضيقُها وسوءُ جِوَارِها".

وقال الإمام ابن مفلح المقدسي رحمه الله: "كَدرُ العيش في ثلاث: الجار السوء، والولد العاق، والمرأة السيئة الخُلُق".

هذا وقد جاءت تعاليم الإسلام بأحكامٍ وآداب تخص البيوت، إذا حرص ساكنوها على تطبيقها، كان البيت مكانًا هادئًا مريحًا، تقل فيها المشاكل التي تحدث في البيوت التي لم يطبِّق ساكنوها تلك الأحكام والآداب، وقد يسَّرَ الله الكريم فجمعتُ بعض تلك النصوص، واللهَ أسأل أن ينفعني وإخواني المسلمين بها؛ فمن تلك الأحكام والآداب:

ذكر الله عند دخول المنزل:

عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ولج الرجل بيته، فليقل: اللهم إني أسألك خير المَولج، وخير المخرج، بسم الله وَلَجْنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله ربِّنا توكلنا))؛ [أخرجه أبو داود، وقال العلامة ابن باز: خرجه أبو داود بإسناد حسن]؛ فالمسلم يسأل الله عز وجل أن يكون الخير في مدخله إلى منزله ومخرجه منه، وأن يكون ذاكرًا لله في دخوله وخروجه، معتمدًا متوكلًا عليه في كل أموره.

وذكر الله عند دخول المنزل يجعل الشيطان لا يبيت فيه؛ فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دخل الرجل بيته، فَذَكَرَ الله تعالى عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان لأصحابه: لا مبيتَ لكم ولا طعام، وإذا دخل فلم يذْكُرِ الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعَشاءَ))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "وفي هذا استحبابُ ذكرِ الله تعالى عند دخول المنزل وعند الطعام".

إغلاق أبواب المنزل، مع قول: بسم الله:

عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا كان جُنْحُ الليل - أو أمسيتم - فكفُّوا صِبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلُّوهم وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا))؛ [أخرجه مسلم].

قال الإمام النووي رحمه الله: "هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والآداب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا، فأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب التي هي سببٌ للسلامة من إيذاء الشيطان، وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابًا للسلامة من إيذائه، فلا يقدر على... فتح باب، ولا إيذاء صبي وغيره".

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "والبيوت الآن فيها أبواب كثيرة، وظاهر الحديث أنها تُغلَق كلها، وليس الباب الخارجي فقط، وهذا أحسن وأسلم للبيت".

التسوك عند دخول البيت:

عن شريح بن هانئ قال: ((قلت لعائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك))؛ [أخرجه مسلم].

السلام عند دخول البيت:

قال تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ [النور: 61]؛ قال العلامة السعدي رحمه الله: "﴿ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾؛ أي: فليسلم بعضكم على بعض، لأن المسلمين كأنهم شخص واحد من توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت من غير فرقٍ بين بيت وبيت".

والسلام عند دخول البيت من أسباب البركة والخير؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني، إذا دخلتَ على أهلك، فسلِّمْ، يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك))؛ [أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب]؛ قال الإمام المباركفوري رحمه الله: "قوله: ((يكن بركة)) جملة مستأنفة متضمنة للعلة؛ أي: فإنه يكون - أي: السلام - سببَ زيادة بركة، وكثرة خير ورحمة".

الاستئذان عند دخول بيوت الناس:

قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ [النور: 27]؛ قال العلامة السعدي رحمه الله: "يرشد الباري عباده المؤمنين ألَّا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم بغير استئذان؛ فإن في ذلك عدة مفاسد؛ منها: أن ذلك يوجب الرِّيبة من الداخل، ويتهم بالشر؛ سرقة أو غيرها؛ لأن الدخول خفية يدل على الشر، وسَمَّى الاستئذان استئناسًا؛ لأنه يحصل به الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة".

والاستئذان يكون بقول: السلام عليكم، أأدخل؟ فعن ربعي بن حراش قال: ((حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: اخرج إلى هذا فعلِّمْه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟ فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذِنَ له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل))؛ [قال الإمام النووي رحمه الله: رواه أبو داود بإسناد صحيح].

وعن كلدة بن الحنبل رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه، ولم أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع، فقل: السلام عليكم، أأدخل؟))؛ [رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن].

وإذا لم يؤذَنْ للمستأذن، فليرجع ولا يغضب؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ [النور: 28]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: ((الاستئذان ثلاثٌ، فإن أُذِنَ لك، وإلَّا فارجع))؛ [متفق عليه].

وعلى المسلم أن يقول ما يُعرَف به من اسم أو كنية عندما يُسأل: من أنت؟ فعن جابر رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدَقَقْتُ الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا، كأنه كرهها))؛ [متفق عليه].

قال المرزوي: "قال أبو عبدالله (الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله): ما أكثر ما نلقى من الناس يدقون الباب، فيقولون: أنا أنا، ألا يقول: أنا فلان".

وقال عبدالله (ابن الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله): "دقَّ أبي الباب، فقيل: من هذا؟ قال: أبو عبدالله".

ويستأذن الصغار الذين لم يبلغوا الحُلُمَ والمماليك على أهليهم قبل الدخول في ثلاثة أوقات: من قبل صلاة الفجر، ووقت الظهر، ومن بعد صلاة العشاء؛ قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58]؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "من فوائد الآية الكريمة: وجوب استئذان هذين الصِّنفين من الناس: الصغار والمماليك في ثلاثة أوقات فقط، وهي المذكورة، وأما من سواهم فيجب عليهم الاستئذان دائمًا... خوفًا أن يفاجئهم على عورة"، وقال في الفائدة الثالثة عشرة: "عناية الله سبحانه وتعالى بالخلق، وأنهم وإن رضوا بما يُستقبح، فلن يرضى الله به، فقد يقول قائل: أنا لا أبالي إذا دُخل عليَّ في هذه الأوقات الثلاثة، فنقول له: ولكن الله سبحانه وتعالى قد اعتنى بك، ومنع من الدخول عليك في هذه الأوقات الثلاثة".

واستحب بعض أهل العلم أن يتنحنح الإنسان أو يحرك نعله عند دخوله بيته؛ قال الإمام ابن مفلح المقدسي رحمه الله: "ويُستحَبُّ أن يحرك نعله في استئذانه عند دخوله حتى إلى بيته، قال أحمد: إذا دخل على أهله يتنحنح، وقال مهنا: سألت أحمد عن الرجل يدخل إلى منزله، ينبغي له أن يستأذن؟ قال: يحرك نعله إذا دخل".

الوضوء في البيت:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تطهر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله، ليقضيَ فريضة من فرائض الله - كانت خطواته إحداها تحط خطيئةً، والأخرى ترفع درجة))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: "فهذا فضل عظيم، درجات تُرفَع، وسيئات تُمحَى، وحسنات تُكتَب، ينبغي للمؤمن ألَّا يفوت هذا الخير".

فليحرص المسلم على الوضوء في البيت؛ ليحصل له هذا الأجر، ولكيلا تفوته التكبيرة الأولى من الصلاة لو خرج من البيت على غير طهارة، ووجد زحامًا في أماكن الوضوء.

صلاة النافلة في البيت:

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل الصلاة صلاةُ المرء في بيته إلا المكتوبة))؛ [متفق عليه].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا))؛ [متفق عليه].

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده، فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته؛ فإن الله جاعلٌ في بيته من صلاته خيرًا))؛ [أخرجه مسلم].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين في بيته))؛ [أخرجه مسلم].

قال الإمام النووي رحمه الله: "وإنما حث على النافلة في البيت؛ لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك، وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان"، وقال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: "النوافل كلها في البيت أفضل، وإن صلَّاها في المسجد، فلا بأس".

قراءة القرآن وذكر الله في البيت:

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفِرُ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: "القراءة في البيوت والصلاة فيها... من القربات، ومما يحبه الله عز وجل، وهي سبب من أسباب وجود البركة في البيت، ومن أسباب قلة الشياطين فيها؛ لأنها تنفر من سماع ذكر الله، فهي تكره سماع الخير وتحب سماع الشر، فكلما كان أهل البيت أكثر قراءةً للقرآن، وأكثر مذاكرةً للأحاديث، وأكثر ذكرًا لله وتسبيحًا وتهليلًا - كان أسلمَ من الشياطين، وأبعد منها، وكلما كان البيت مملوءًا بالغفلة وأسبابها؛ من الأغاني والملاهي، والقيل والقال، كان أقرب إلى وجود الشياطين المشجعة على الباطل".

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثَلُ البيت الذي يُذكَرُ الله فيه، والبيت الذي لا يُذكَر الله فيه، مَثَلُ الحي والميت))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "فيه الندب إلى ذكر الله تعالى في البيت، وأنه لا يُخلَى من الذكر".

  • 0
  • 1
  • 5,067

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً