رحلة أوربا من الإيمان إلى الإلحاد
وكان من الطبيعي أن تتصادم هذه العقائد المُحرّفة بالكشوف العلمية والجغرافية التي توصلت إليها أوربا، مع بداية عصر النهضة.
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
كتب الأستاذ هاني مراد
بدأ انحراف العقيدة المسيحية عن التوحيد على يد "القديس بولس" أو "شاؤول اليهودي"، في منتصف القرن الأول الميلادي، عندما ألصق بها أفكارا وثنية، أصبحت جوهر العقيدة النصرانية لاحقا؛ مثل عقائد الخطيئة الأصلية، والتثليث، والتجسد، والتضحية أو الفداء أو الخلاص، والاعتراف. وكان من الطبيعي أن تتصادم هذه العقائد المُحرّفة بالكشوف العلمية والجغرافية التي توصلت إليها أوربا، مع بداية عصر النهضة.
فعندما توصل "فرناندو ماجلان" إلى كروية الأرض، أحدث ذلك هزة عنيفة في العقيدة المُحرّفة التي كانت تقول بأن الأرض مسطحة. كما حاكمت الكنيسة "جاليليو جاليلي" وأجبرته على الاعتراف بثبات الكرة الأرضية، وكان ذلك شأنها مع كل كشف علمي يناقض العقيدة المحرفة! فكان نتيجة ذلك، ظهور النظريات والفلسفات والتفسيرات الإلحادية للكون والدين والإنسان والتاريخ.
فظهر المذهب الوضعي والتفسير التاريخي للكون على يد "أوجست كونت" الذي رأى أن الكون تطورٌ تاريخي، كانت المرحلة الدينية فيه هي المرحلة الأولى، فزادت شكوك أوربا في عقيدتها، لأن الدين أصبح أمرا وضعيا وتطورا تاريخيا.
كما ظهر "تشارلز داروين" ونظرية النشوء والارتقاء والانتقاء الطبيعي، التي استلزمت عدم حاجة البشرية إلى خالق، لأن المخلوقات قد ارتقت بذاتها حتى تتكيف مع الطبيعة!
وظهرت كذلك نظريات "كارل ماركس" التي تقضي بأن الدين أفيون الشعوب، وشكل من أشكال الاحتجاج، ونظريات "فريدريك نيتشه" الذي كان يرى أن المعايير والقيم الأخلاقية من صنع الإنسان، وكذلك نظريات "فرويد" التي تقول بأن الأفكار الدينية تجليات للرغبات!
وخلاصة هذه النظريات أنّ الكون قد وُجد من تلقاء ذاته، وأنّ الإنسان ليس سوى حيوان ناطق، أو آلة مجردة عن أي قيم أو أخلاق، وأنّ هذه القيم والأخلاق نسبية ومن صنع الإنسان!
وهكذا انسلخت أوربا عن العقيدة الصحيحة، ومسخت الإنسان، عبر رحلة شائكة؛ بدأت من التحريف، ومرّت بالتشكيك، وانتهت بالإلحاد!