ذم الأنانية
من مساوئ الأخلاق والأعمال ولا عجب فأول معصية عصي بها المخلوق ربه كانت الأنانية سببها حقد إبليس علي آدم وحسده وتعالي عليه وتكبر وعصي أمر الله لأنه لم يكن يري إلا نفسه
ورد في صحيح الجامع من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال «المؤمن يألف و يؤلف و لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام و خير الناس أنفعهم للناس» ..
اليوم أيها المؤمنون نتحدث عن صفة من أخطر الصفات التي تشوه صاحبها نتحدث يومنا هذا عن صفة من الصفات المذمومة والتي لم يتصف بها إنس ولا جان إلا أهلكته في دنياه وأخراه وما اتصف بها أحد من الإنس وما اتصف بها أحد من الجن إلا كان عند الله وعند العباد مكروها وممقوتا ومذموما ..
هذه الصفة هي الأنانية ..
***"******************
صفة شرار الخلق علي مر الزمان ( {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} )
نتحدث أيها المؤمنون يومنا هذا عن الأنانية وهي عندنا مكروهة ومذمومة...
لكننا نتحدث عنها لنعرف خطرها نتحدث عنها لنتجنبها ولنحذر منها, ولله دره حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:
كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ( يعني مخافة أن يحدث في زماني فأقع فيه ) قال حذيفة كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني .
الأنانية في أبسط واقرب معانيها
هي أن تحب نفسك فقط أن تنفع نفسك فقط أن تبتغي الخير لنفسك فقط ثم تكره الخير للناس وإن استطعت أن تمنعه عن الناس منعته , الأنانية معناها ألا تري إلا نفسك أنت العالم ولا عالم غيرك أنت الذكي الأريب ولا يفهم غيرك أنت الوجيه أنت صاحب المقام العالي أنت المستحق لكل تكريم أنت المستحق للتعظيم أنت الأفضل انت الأكرم أنت المقدم أنت أنت أنت والناس من بعدك في كل شيئ تبع لك .
الإنسان الأناني قلبه أقسي من الحجر لا يلين ولو مات الناس تحت قدميه لا يرحم أحدا ولا يحنو علي أحد ..
من أجل مصلحته يفعل كل ما تتوقع ويفعل كل ما لا تتوقع يؤذي غيره يغصب ما ليس له يكذب يفتري علي الناس يتعالي يتكبر يطمع فيما في أيدي الناس وإن استطاع أن يمتص دماءهم وأموالهم لم يتردد وهذا الإنسان الأناني هو من شرار الخلق بنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق مما في يده ثم قال عليه الصلاة والسلام أفلا أنبئكم بشراركم قالوا نعم يا رسول الله ( فذكر النبي صفة الأناني )
فقال من أكل وحده ومنع رفده وجلد عبده ثم قال ألا أنبئكم بشر من ذلك قالوا نعم يا رسول الله قال من يبغض الناس ويبغضونه ثم قال عليه الصلاة والسلام أفلا أنبئكم بشر من هذا قالوا نعم يا رسول الله قال من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يغفر ذنبا أفلا أنبئكم بشر من هذا قالوا نعم يا رسول الله قال من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره )
صفة الأنانية أيها المؤمنون:
كفيلة بأن تجر علي العبد قائمة طويلة عريضة
من مساوئ الأخلاق والأعمال ولا عجب فأول معصية عصي بها المخلوق ربه كانت الأنانية سببها حقد إبليس علي آدم وحسده وتعالي عليه وتكبر وعصي أمر الله لأنه لم يكن يري إلا نفسه كان يري أنه أفضل أنه أكرم أنه أميز من آدم
قال أنا خير منه فلما كلمه ربه فلما عتب عليه ربه وقال ( {ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي} )؟ وقال( {مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ } )؟ وقال ( {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} )؟ قال ونعوذ بالله مما قال ( {قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} ) , ( {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } )
قال إبليس ما قال حقدا وحسدا وتعاليا وتكبرا علي آدم وقد جرت الأنانية عليه كل هذه المساوئ فكانت عاقبته أسوء العواقب ( {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيم وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُوم قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } )
عرض القرآن الكريم ما كان من إبليس الذي أحب لنفسه الخير وكره الخير لغيره في أكثر من سورة من سور القرآن الكريم في سورة البقرة وفي سورة الأعراف وفي سورة الحجر وفي سورة ص....
كل ذلك لنتعظ ونعتبر ونحذر من الأنانية ومما يأتي بعدها من مساوئ الأخلاق والأعمال كالطمع والحقد والحسد والكبر وغير ذلك من المساوئ والسعيد من وعظ بغيره والله تعالي يقول ( {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } )
في المقابل ذكر القرآن الكريم حديثا آخر عن مخلوق آخر
هو واحد من البشر هو ذو القرنين رضي الله عنه وأرضاه رجل قوي بإيمانه قوي بعلمه قوي بهمته العالية قوي بماله
قوي برجاله قوي بحبه للخير يبذله لله وابتغاء مرضاة الله وينفع به أهل المشارق والمغارب ..
ولم يعش لنفسه فقط لم يكن هدفه أن يسجل تاريخا لنفسه ولم يكن هدفه أن يخلد ذكراه وإنما هدفه أن يزرع في أهل المشارق والمغارب الإيمان بالله الواحد وحب الخير وبذل المعروف وإصلاح ما أفسده المفسدون..
اختلف المفسرون في ذي القرنين من هو ذو القرنين؟ وهل ذي القرنين اسمه أم صفته ؟وفي أي زمان عاش هذا الرجل ؟ وهل كان ذو القرنين نبيا أم لم يكن نبيا ؟
قلت وهذا كله لا يفيدنا في قليل ولا كثير ولو كانت فيه فائدة لما سكت عنها القرآن الكريم وإنما تفيدنا صفته ويفيدنا فعله فصفته وفعله هو موضع القدوة منه ولهذا ركزت الآيات علي صفته وعلي فعله ..
سواء أكان ذو القرنين نبيا أو لم يكن نبيا هو في الأحوال كلها رجل مؤمن رجل رحيم رجل متواضع رجل خيِّر رجل قوي مطاع مهاب ملك الدنيا كلها في زمانه بمشارقها ومغاربها مكن الله له في الأرض ويسر الله له الأسباب وفتح له كل الأبواب فلم يدْعه ذلك إلي الكبر ولم يدْعه ذلك إلي الظلم بفضل الله تعالي لم يسلب مال أحد ولم يلوث يده بدماء أحد وإنما سخر قوته لنصرة الحق ولنصرة المظلوم ولنصرة الضعفاء ولنجدة الملهوف فتوكل علي الله حق توكله وأحسن الظن بربه وسخر علمه وماله وقوته للبناء وللإصلاح ولنفع الناس في كل موضع نزل به فعاش ما عاش مجاهدا نصيرا خدوما مصلحا معلما داعيا إلي الخير يعلم الجاهل ويقوم المعوج ويزرع ويبني ويحارب في نفوس الناس البطالة والخمول والكسل فرفع الهمم وقوّي العزائم فأصبح وأمسي يحب الناس ويحبه الناس يألف الناس ويألفه الناس..
ورد عند أصحاب السير وأصل الخبر في الصحيح
أن قريشا سألوا رسول الله عن رجل طاف الأرض ما خبره ؟ فجاء الجواب من الله تعالي (قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا)
وكلمة (قل) يسميها علماء التفسير وعلماء اللغة (قل) التلقينية ..
والمعني أن هذا الخبر الذي ستسمعونه ليس من عند رسول الله بل هو وحي من عند الله جل وعلا
{ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا } }
خبر ذي القرنين اقتضت حكمة الله تعالي ان يحفظ في القرآن الكريم ليكون حجة علي كل إنسان إذا كنت مقتدرا إذا كنت غنيا إذا كنت قويا فسخر هذه النعم فيما يرضي الله سخر هذه القوة في نصرة الحق في نصرة المظلوم في مساعدة الضعفاء كن إيجابيا كن صالحا في نفسك مصلحا في كل موضع تنزل فيه يكن لك عظيم الأجر عند الله تعالي..
قال النبي عليه الصلاة والسلام المؤمن يألف و يؤلف و لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام و خير الناس أنفعهم للناس ...
الخطبة الثانية
أما بعد فالله تعالي يقول ( {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } )
بقي لنا في ختام الحديث أن نقول إن القرآن الكريم ذكر وحفظ خبر إبليس وما كان منه وكيف أن أنانيته جعلت منه مذموما مدحورا مطرودا من رحمة الله في الدنيا والآخرة
وفي المقابل نقول:
إن القرآن الكريم ذكر وحفظ خبر ذي القرنين وما كان منه وكيف أنه عاش يحب للناس ما يحب لنفسه يحب للناس أن يؤمنوا أن يصحوا أن يعيشوا بخير أن يسلموا من كل شر وكيف أن هذه الصفات جعلت منه بطلا محبوبا من الله ومن الناس .
المثال الأول المذموم محفوظ وموجود وسيبقي محفوظا موجودا ما بقيت السموات والأرض لئلا يكون للناس علي الله حجة..
والمثال الثاني المحمود محفوظ وموجود وسيبقي محفوظا موجودا ما بقيت السموات والأرض لئلا يكون للناس علي الله حجة..
ما علينا أيها المؤمنون إلا أن نختار لأنفسنا ما علينا إلا نقتدي بمن نحب أن نحشر معه يوم القيامة إذا أحببنا واخترنا لأنفسنا الصنف الأول سنكون يوم القيامة معه, وإذا أحببنا واخترنا لأنفسنا الصنف الثاني سنكون يوم القيامة معه ( يحشر المرء مع من أحب ) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام
قلت وفي التنزيل الحكيم {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
- التصنيف: