عام التفاؤل
حديثي عن القادم والقادم الأجمل، إنها لغة التفاؤل لعام جديد، نستقيها من منهج المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
الحمد لله الواحد الأحد، والفرد الصمد، جل عن زوج وكفؤ وولد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًّا عن أمته، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فيا عباد الله، يا رواد مساجد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله، {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده
عفوا لن يكون هذا هو حديثي اليوم عن الماضي، بل حديثي عن القادم والقادم الأجمل، إنها لغة التفاؤل لعام جديد، نستقيها من منهج المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إنها لغة التفاؤل للقادم التي تعلمناها من موقف النبي عليه الصلاة والسلام يوم ((جاءه رجل يقول يا رسول الله: هلكتُ، قال: «ما لك» قال: أصبتُ أهلي في رمضان)) هنا لم يسأله المصطفى عليه الصلاة والسلام عن السبب، ولا الدافع، ولا كيف وقع في الخطيئة أو الذنب، لم يكن الحديث عن الماضي بل كان الحديث عن القادم، «هل تجد رقبة تعتقها» ؟ قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين»؟ قال: لا، قال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينًا»؟ قال: لا)) (متفق عليه)، ومضى عليه الصلاة والسلام يعطيه الأمل القادم، حديثنا عن القادم إنها لغة التفاؤل، لا تعني أن الإنسان يترك المحاسبة وإنما هي لغة أخرى لاستقبال عام جديد، في هذا العام الجديد الذي أسأل الله عز وجل أن يمن علي وعليكم ببلوغه، شرعنا فيه تفاؤل وابتسامة وأمل ممزوج بعمل، سأنثر بين أيديكم اليوم قواعد، هي عشر قواعد، جمعتها باطلاع وقراءة وتدبر، حيث وجدت فيها نفعاً بإذن الله تعالى، لا تعني أنها أحاطت بكل شيء، ولا يعني أن غيرها أقل منها، بل هو شيء من شيء، لعل الله عز وجل أن يجعل فيها النفع والفائدة، هي القواعد الذهبية العشر لاستقبال عام هجري جديد يصنع منك شيئاً آخر بإذن الله، لنجعله شعار عام مختلف في حياتنا، قبل أن أبدأ هذه القواعد ولغتي كلها في هذا اليوم تفاؤل، دعني أذكرك بأن هذه القواعد بدون نية صادقة يعلمها الرب سبحانه في قلبك لن تنفعك شيئا، فالنوايا مطايا ((إنما الأعمال بالنيات...))متفق عليه، وصادقوا النيات يرتفعون درجات عند فاطر الأرض والسماوات، وتذكر أن هذه القواعد العشر بدون توكل مطلق على الله تعالى لا تساوي شيئا.
وأنت ترددها في كل صلواتك {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُٰ} [الفاتحة: 5]، فاجعل الاستعانة منهجاً في حياتك، وبدون استعانة بالمولى جل وعلا فلن تجد التوفيق يحيط بك في مسار حياتك.
أولى هذه القواعد: مشروعك في الحياة، مشروعك في الحياة، امرأة مشروعها نظافة المسجد، وأبو هريرة مع حفظ الحديث، وخالد في القتال، ومحمد الفاتح للقسطنطينية، والسميط لدعوة إفريقيا، والألباني لتصحيح الحديث، ومحمد بن عبد الوهاب لنشر التوحيد، كلٌ تبنى مشروعاً في قاموس أولئك الناجحين، وأنا وأنت ما هو مشروع الحياة الذي نُقبل فيه على فاطر الأرض والسماء؟ ما هو أعظم مشروع تقف به بين يدي الله جلا في علاه؟ إن كان لك مشروعاً واضحاً فاستمر على الخطوات التي توصلك إليه، وإلا فاختر مشروعاً واضحاً محدد الملامح تعيش عليه حتى ترتفع قدرا عند الله جلا في علاه.
ثاني القواعد الذهبية: ضاعف أيام العام، ٣٦٥ يوما هي أيام السنة على التقويم، على الحساب الفلكي، على حسابات الدنيوية لا تستطيع أن تزيد يوما واحدا خلال هذا العام، ٣٦٥ يوما لا تستطيع أن تزيد عليها يوما واحدا حسابيا فلكيا دنيويا، لكنك تستطيع أن تضاعف أيام العام في التعامل مع رب البرية، أعمال تعملها فيضاعف الله لك فيها الأجر وكأنها مئات السنين، صلاة في الحرم المكي بمئة ألف صلاة، ومئة ألف صلاة تعدل ما يوازي صلاة ٥٥ عام ونصف العام بصلاة واحدة، فلك أن تتصور كم من الأجور التي يمكن أن تضاعف فيها أيام السنة، القرآن الذي تقرؤه وحروفه المضاعفة، لك أن تتصور أنك تستطيع أن تحج في هذا العام مئات الحِجج يوم تجلس بعد صلاة الفجر إلى الإشراق لتنال بعد ذكر وعبادة وصلاة حجة وعمرة تامة تامة تامة، لك أن تتصور أن صيام عاشوراء القادم يُغفر به ذنوب عام، ولك أن تتصور أن تبكيراً إلى صلاة الجمعة يساوي بكل خطوة تخطوها إلى بيت الله مبكرا في يوم الجمعة أجر سنة صيامها وقيامها، اختر أعمالاً تضاعف أيام سنتك فتتضاعف هذه السنة معك.
ثالث القواعد الذهبية: إنه عام لا يغادر، كيف لا يغادر؟ سيمضي هذا العام، سينتهي بوجودنا أو بغير وجودنا، سيأتي العام الذي بعده، نريد عاماً لا يغادر، يبقى، يبقى بأعمال باقية، إنها الأعمال التي فيها بقاء واستمرار، الصدقات الجارية، قال عليه الصلاة والسلام: «سبعٌ يجري للعبدِ أجرُهنَّ وهو في قبرِه بعد موتِه» سبعة ستظل، ستبقى ولو انتهت السنة ستبقى لك، قال: (( من علَّم علمًا؛ أو كرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفرُ له بعد موتِه)) [ رواه الألباني]، في هذا العام انظر في نفسك مع هذه السبعة أو غيرها من الصدقات الجارية، أيها ستكون فيها؟ كلها؟ أغلبها؟ ما تستطيع عليه؟ ما تدل الناس عليه؟ تستطيع أن تضاعف هذه السنة بأعمال باقية، وتبقى هذه السنة عام لا يغادر صحيفتك.
رابعا: ما عنوان صفحتك في كتاب الدنيا؟ للدنيا كتاب عظيم وكبير، بدأت الكتابة فيه من لدن آدم عليه السلام، وستنتهي الكتابة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ستكون صفحةً من صفحات هذا الكتاب، ما عنوان صفحتك؟ بماذا سيتحدث الناس عنك بعد موتك؟ قال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 85]، ذكرٌ حسنٌ بعد موتك، سجل عنوان هذه الصفحة، انظر إلى أي الصفحات ستنضم في هذا الكتاب، الصادقين، المخلصين، القائمين الصائمين العابدين، من راقبوا رب العالمين، أو ستنضم إلى صفحات أخرى مكتوبة في هذا الكتاب.
خامس القواعد: إنه الجديد، نقاط تميزك في هذا العام، بماذا ستتميز في هذا العام؟ إذا نظرت إلى العام الماضي ماذا ستضيف في قاموس التعامل مع الله في هذا العام؟ كنت في العام الماضي محافظا على الفرائض وربما لم تكن في عالم النوافل، فأخذت العزم في هذا العام أن تكون نقطة الإضافة المحافظة على السنن الرواتب، ليبنى لك في كل يوم قصر وبيت في الجنة، كان محافظا على السنن الرواتب فعقد العزم في هذا العام على ألا يترك قيام الليل، كان يصلي الوتر بركعة أو بثلاث ركعات، فعقد العزم في هذا العام على أن يصلي بخمس أو ثمان أو بإحدى عشرة ركعة، هذا هو الجديد في التعامل مع الله، كان له ورد من القرآن بصفحة أو نصف جزء أو جزء، وأخذ العزم على نفسه أن يكون في هذا العام بأكثر من ذلك بكثير، اجعل لك شيئاً جديداً يضاف لصفحتك في هذا العام، ذاك في التعامل مع الله، خذ في التعامل مع الناس، أخلاقك، سلوكياتك، عرف عنه أنه عصبي المزاج، ينفعل بسرعة، يسيء الظن بالآخرين، يكبر القضايا، يدخل في النوايا، هل تستطيع في هذا العام أن تعمد إلى سلوك من سلوكياتك أو خلق من أخلاقك فتغيره، تقول في هذا العام سأبدل إساءة الظن الذي في قلبي إلى إحسان ظن بالناس، سأبدل سلوكاً يعرفه الناس عني بسرعة غضب أو انفعال، إلى رجل هادئ أضبط أعصابي وأكظم غيظي، أحتسب الأجر عند الله، اجعل شيئاً جديداً في قاموس هذا العام.
أسأل الله العلي العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يرزقنا وإياكم قلوبا متفائلة في بداية هذا العام الهجري الجديد، تقية نقية تعرف الله وتخافه وتتوكل عليه، وترجوه وتؤوب إليه، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، فيا لفوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ وبعد:
إخوة الإيمان أوصيكم ونفسي بتقوى الديان، لا زلنا مع القواعد الذهبية العشر لعام جديد مختلف في حياتنا.
القاعدة السادسة تقول: حافظ على إنجازاتك السابقة وذلك بتحسينها، في العام المنصرم كان بينك وبين الله من الإنجازات التي كُتبت في صحيفة الأعمال، حافظ عليها، طورها، احرص على ألا يفوتك شيء منها، كنت محافظاً على الصلاة لكن ثمة شيء في الصلاة، صلاة بلا خشوع، فهل يمكن في هذا العام أن تكون الصلاة بخشوع، كان في العام الماضي ورد من القرآن لا ينقطع، إلا أنها قراءة بدون تدبر، هل يمكن في هذا العام أن تبقى هذه القراءة ويضاف إليها تحسيناً: التدبر، في العام المنصرم كان بيني وبين الله أوقات مباحة لا لي ولا علي، لكنني في هذا العام سأحولها إلى أعمال طاعة، كنت في العام الماضي أحافظ على صلة الرحم، سأحافظ على صلة الرحم لكنني سأوسع دائرة الأرحام، كنت في العام الماضي بار بوالديّ، سأحافظ على بر الوالدين لكنني سأزيد فيه مقدارا، إنها محافظة على الماضي بتحسينه في هذا العام العظيم.
سابع القواعد العظيمة التي نتحدث عنها ونقف معها: سابق إلى المقدمة وإياك والغبن، إن ثمة سباق واضح في المسير إلى الله جلا في علاه، كانوا يقولون: أي العمل أفضل يا رسول الله؟ كانوا يقولون: ادع الله أن أكون منهم، كان يقول: لأسبقن أبوبكر اليوم، كانوا يقولون: ذهب أهل الدثور بالأجور يا رسول الله، هكذا كانوا يسابقون، كان الواحد فيهم يستشعر أنه في سباق، وأن ثمة مقدمة، وأن ثمة ازدحام في أول الطريق وأن آخر الطريق لا زحام فيه، وأننا بحاجة إلى مسابقة لنتقدم إلى المقدمة، احرص على أن تسابق، على أن تنافس، إياك أن تخذل يوم القيامة، إياك أن تأتي يوم القيامة تشعر بغبن أن ثمة فرصة أتيحت لي في الدنيا لأسبق وتأخرت، اقرأ سيرهم، صاحبهم إن كانوا حولك، نافسهم، اقرأ ماذا يصنعون ويفعلون، واحرص على أن تكون أسبق منهم إلى الله جلا في علاه.
ثامن القواعد الذهبية: أنقذه وشاركه الأجر، نعم اجعل لك في هذا العام شعارا أنني سأنقذ إنسانا من مستنقعات الضلال وآخذه إلى أماكن الهداية، هذا العام احرص على أن تكون داعية إلى الله، فكر في أسرتك، وسع الدائرة قليلا في أصحاب العمل والجيران، وقل فلان سأعمل طوال هذا العام على فلان، سأنصحه، سأكلمه، سأكون معه باللطف، باللين، بالتوجيه، بالكلمة السديدة، سأقترب إلى قلبه، سأتحدث مع وجدانه، لن ينتهي العام بإذن الله إلا ويكتب هذا الإنسان في صحيفة أعمالي، أنقذه وشاركه الأجر «فواللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم» (متفق عليه)، لا تكبر القضية، حددها قليلا، اجعل لك أهدافا محددة، كم من أناس عملوا على أهداف واضحة فقالوا فلان، أو الجهة الفلانية، أو المكان الفلاني، فعملوا، فنجحوا، مصر كانت في ميزان عمرو بن العاص، وتونس عند عقبة بن نافع، والبحرين عند العلاء الحضرمي، والطفيل أتى بقبيلة دوس، هؤلاء الذين عملوا على قضية الدعوة إلى الله، لا تقل الدعوة محصورة على خطيب يخطب، أو كاتب يكتب، أو عالم يدعوا، أنت مسؤول ولو بالكلمة، ولو بالفعل، ولو بالخلق، ولو بالقدوة.
تاسع القواعد: املأها لتسعد بها، إنها صحيفة أعمالك، اشحن كل أوقاتك التي كانت في السابق تضيع عليك اشحنها بطاعات، سابق الملك في التسجيل للحسنات، احرص على أن يكون شغلك الشاغل أن تملأ يومك كله بالطاعات، في ذهابك، في قدومك، وأنت ذاهب إلى العمل، قادم إلى البيت، تستطيع أن تستغفر، أن تذكر الله، أن تصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، أن تفعل أي شيء، اشحن الوقت بطاعة الله جلا في علاه، قال: كان وردي من الاستغفار في اليوم ٢٠٠ إلى ٣٠٠ مرة، في هذا العام عقدت العزم على أن يكون استغفاري اليومي لا ينقص عن ٣٠٠٠، أخذت عدداً أحرص عليه، ففي كل وقت فراغ أثناء صعودي درج البيت، أثناء نزولي، في كل وقت لهج لساني بالاستغفار، اشحن الوقت بطاعة الله واحرص على أن يكون من هذه الطاعات شيئاً من خبيئة الأعمال التي لا يعلم عنها أحد، لا يطلع عليها أحد، لا يراها أحد، زوجتك، أبناؤك، أقرب الناس إليك لا يعلمون، وإنما الذي يعلمه فقط هو الله، وقد أخفيت عملك لأنك تريد ما عند الله جلا وعلا.
آخر القواعد في عام مليء بالتفاؤل: لابد أن تعامله على أنه العام الأخير في حياتك، انظر إلى هذا العام عام 1442 للهجرة على أنه العام الأخير في حياتك، قال: صلوا صلاة مودع، إنما هذه الدنيا تحتاج أحيانا إلى قصر الأمل وما ضر الإنسان إلا طول الأمل، فلو نظر الإنسان على أن هذا العام هي الفرصة الأخيرة التي أتقرب بها إلى الله، أُصلح أخطاء وقعت بيني وبين الله، أرفع قدراً في تعاملي مع الله، أسبق إلى درجة عالية أعلم أنني أستطيع الوصول إليها بتوفيق الله، أتعامل مع كل يوم على أنه لن يعود، وهو بالفعل لن يعود، وقد لا تمكَّن أن تعود إلى مثله من عامٍ قابل، إن التعامل مع هذا العام على أنه الفرصة الأخيرة يرفع الهمة، ويقوي العزيمة، ويجعل من الإنسان يتحرك في طاعة الله جلا في علاه، كل ذا وذاك غلفه مرة أخرى بالنية الصالحة والتوكل والانطراح بين يدي الله، فوالله ثم والله ثم والله إن الله من كرمه بعباده إذا رأى منك صدق النوايا، والإلحاح عليه بالاصطفاء والاجتباء، رفعك قدراً عنده، وقربك منه منزلة.
ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ فإن الله أمركم بذلك في كتابه قائلًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
- التصنيف:
- المصدر: