ورحمتي وسعت كل شيء

منذ 2020-09-12

ولأنّ هذه الرحمة وسعت الكون الهائل على اتساعه، ولأنّ هذه الرحمة لا ممسك لها إلا الله، فإنّ المؤمن لا يرجو ولا يخشى إلا ربّه، ولو أغلقت الأبواب كلها، أو تقطعت السبل كلها، إلا سبيل ربّه.

لأن رحمته تعالى وسعت كل شيء، وكتبها على نفسه، وسمّى بها نفسه، كانت أكثر كلمة يرددها المؤمن في صلاته وسلامه، وكانت أول كلمة من الله لآدم: " «لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، عَطَسَ، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ. فَحَمِدَ اللهَ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ اللهُ يَا آدَمُ» ." (أخرجه البخاري ومسلم). والرحمة هنا: تقرير، وحُكم، وقَدَر، ونعمة منه تعالى.

وإذا نزلت تلك الرحمة، لم يُمسكها مرض، أو فقر، أو سجن، أو قتل، ولم تمسكها قوة زائلة! فهي تحيل المرض إلى رضا، والضعف إلى قوة، والفقر إلى غنى، والخوف إلى أمن، والسجن إلى حرية، والقيد إلى وسام!

فلا ممسك لها!

ولأنّ المؤمن يرى الكون كله مظاهر تلك الرحمة، ويرى خَلْقه رحمة، وحواسه ومداركه وقَدَر ربه رحمة، وكل نعم الله في الأنفس والآفاق رحمة، فحين تجتمع عليه الخطوب والنوازل، ويجتمع عليه فقد الأحبة، والمرض، والسجن، والفقر، تدركه رحمة ربه، فيشعر ببرد اليقين، وحكمة الابتلاء، واحتساب الثواب، فتستحيل تلك البلايا كلها إلى نعم، ولو كان ظاهرها النقم!

وقد أدركت هذه الرحمة آدم عندما نسي، فتاب الله عليه، وأدركت إبراهيم في النار، فكانت بردا وسلاما، وأدركت موسى، فنصره الله بين يدي فرعون، وأدركت أيوب، فشفي بعد مرض السنين، وأدركت يوسف فانتقل من السجن إلى القصر، ومن التهمة إلى البراءة، وأدركت أصحاب الكهف، فقالوا: "فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته!"

ولأنّ هذه الرحمة وسعت الكون الهائل على اتساعه، ولأنّ هذه الرحمة لا ممسك لها إلا الله، فإنّ المؤمن لا يرجو ولا يخشى إلا ربّه، ولو أغلقت الأبواب كلها، أو تقطعت السبل كلها، إلا سبيل ربّه.

  • 3
  • 0
  • 1,989

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً