تنبيهات لمن يكثر النظر في نعم الآخرين
يكثر عند بعض الناس التحدث بإعجاب عن نعم الغير، ولا يتحدث عن نعم الله عليه مع أن الله قال: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، وفي هذا المسلك مخالفة للشرع من عدة وجوه
- التصنيفات: تزكية النفس -
يكثر عند بعض الناس التحدث بإعجاب عن نعم الغير، ولا يتحدث عن نعم الله عليه مع أن الله قال: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، وفي هذا المسلك مخالفة للشرع من عدة وجوه هي:
الوجه الأول: في الحديث عن نعم الغير معصية لله في قوله تعالى: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [الحجر: 88]، ومعصية لله تعالى في قوله: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131]؛ أي: لا تمد عينيك معجباً، ولا تكرر النظر مستحسناً أحوال الدنيا والممَتَّعين بها؛ من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء الـمُجَمَّلة؛ فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا؛ التي تُطْلِعُها الدنيا كما يُطْلِع النباتُ زهرتَه لامعةً جذابةً.
الوجه الثاني: في النظر للنعم مخالفة لقول الله -تعالى-: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].
الوجه الثالث: أن في ذلك مخالفة لحديث أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انْظُروا إلى مَن هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقَكم؛ فهو أجدرُ ألاَّ تزدروا نعمةَ الله عليكم»؛ رواه مسلم.
الوجه الرابع: أن في تكرار ذلك فتح لباب العين، والحسد بالعين حقيقة واقعة؛ ففي الحديث: « «العين حقٌّ، ولو كان شيءٌ سابَقَ القَدَر، لسبقَتْه العين» »؛ رواه مسلم. ويقوله -تعالى-: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]، ويقوله -تعالى-: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5]. وقد اُبتلي يوسف بحسد إخوته له؛ حيث قالوا: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يوسف: 8]. فحسدوه على تفضيل الأب له؛ ولهذا قال يعقوب ليوسف: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5]. ولن يذهب الحسد من الناس إلا في نهاية الزمان، فقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لينْزِلَنَّ ابنُ مريمَ حَكمًا عادلاً، فليكْسِرَنَّ الصليب، وليَقْتُلَنَّ الخنزير، وليَضَعَنَّ الجزية، ولتُتْرَكَنَّ القِلاص - جمع قَلُوص: وهي الشابة من الإبل - فلا يسعى عليها، ولتذهبنَّ الشحناءُ والتباغُض والتحاسد، وليَدْعُوَنَّ إلى المال، فلا يَقبله أحد» (رواه مسلم).
الوجه الخامس: أن ذكر النعم دون دعاء بالبركة قد يسبب مرض الممدوح، فقد قال مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال: والله ما رأيت كاليوم، ولا جِلْدَ مُخبَّأة! قال: فلُبِطَ سهلٌ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرًا، فتغيظ عليه، وقال: "علام يقتل أحدكم أخاه؟! ألا بَرَّكْتَ عليه؟ اغتسِلْ له"، فَغَسَل له عامر وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صُبّ عليه، فراح مع الناس. (الموطأ) (938، 939)، وأحمد (3 /486)، والنسائي في (الكبرى) (4/ 380، 381)، وابن ماجه (3509).
الوجه السادس: أن ذكر نعم الغير يفتح باب حسد الجن، فقد قال ابن القيم رحمه الله: والعين عينان: عين إنسية، وعين جنية، فقد صح عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة. فقال: «استرقوا لها؛ فإن بها النظرة» قال الحسين بن مسعود الفراء: "وقوله سفعة" أي: نظرة - يعني: من الجن - يقول: بها عين أصابتها من نظر الجن، أنفذ من أسنة الرماح.
أسأل الله أن يبعد عنا الحسد والحساد، وأن يوفق الجميع للاهتداء بهدي الشرع. والله أعلم.
______________________________________
د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر