تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لسنة الرسول عليه الصلاة والسلام -2
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: وما قال ابن مسعود رضي الله عنه هذه الكلمة حتى دفع عثمان رضي الله عنه، من شدة تمسكهم بالسنة.
- التصنيفات: قصص الصحابة -
رجوعهم لاتباع للسنة:
وقف ابن مسعود رضي الله عنه بمزدلفة حتى أسفر، ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة، قال الراوي: فما أدري قولُهُ كان أسرع أم دَفعُ عثمان رضي الله عنه؟ [أخرجه البخاري] قال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: وما قال ابن مسعود رضي الله عنه هذه الكلمة حتى دفع عثمان رضي الله عنه، من شدة تمسكهم بالسنة.
وكان معاوية يستلم الأركان فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لا يستلم إلا هذان الركنان فقال: ليس شيء من البيت مهجور. [متفق عليه] وفي رواية عند الترمذي أن ابن عباس رضي الله عنهما قال ﴿ {لقد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ﴾ [الأحزاب: 21] ولم أر النبي عليه الصلاة والسلام يستلم إلا الركنين اليمانيين، قال معاوية رضي الله عنه: صدقت ورجع لقوله. قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: وهذه منقبة لمعاوية رضي الله عنه، حيث قبل الحق من ابن عباس رضي الله عنهما، فصار لا يستلم إلا الركنين اليمانيين.
وعن سليم بن عامر قال: كان معاوية يسيرُ بأرض الروم وكان بينهم وبينه أمد فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمدُ غزاهم فإذا شيخ على دابة يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقده ولا يشُدَّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء) فبلغ ذلك معاوية فرجع وإذا الشيخ عمرو بن عنبسة[أخرجه أبو داود والترمذي ]
وعن سعيد قال: كان عمر ابن الخطاب يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً، حتى قال له الضحاك ابن سفيان: كتب إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ورِّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عمر[أخرجه أبو داود].
وعن أبي الجوزاء قال سمعت ابن عباس يفتي في الصرف ثم فرجع عنه فقلت له ولِمَ؟ قال إنما هو رأي رأيته، حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه...فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. [أخرجه أحمد]
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: أتى عليَّ زمان أقولُ: أولاد المشركين مع المسلمين وأولاد المشركين مع المشركين حتى حدثني فلان عن فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم فقال: (اللهُ أعلمُ بما كانوا عاملين) فلقيت الرجل فأخبرني فأمسكت عن قولي. [أخرجه أحمد]وعن أم سلمه رضي الله عنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصبحُ جُنباً، فيغتسل ويصومُ، فردَّ أبو هريرة فُتياه. [أخرجه أحمد].وعن سالم بن عبدالله: أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، كان يصنع ذلك " يعني يقطع الخفين للمرأة المحرمة " ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد: أن عائشة رضي الله عنها حدثتها: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رخص للنساء في الخفين " فترك ذلك. [أخرجه أبو داود].
حثّهم لغيرهم على فعل السنة ولو لم يفعلوها، مع بيان أسباب عدم فعلهم لها:
وعن عبدالله بن عبدالله قال: أنه كان يرى عبدالله بن عمر رضي الله عنه، يتربع في الصلاة إذا جلس، ففعلته وأنا يومئذ حديث سن، فنهاني عبدالله بن عمر، وقال: إنما سُنَّة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثنى اليسري، فقلت: إنك تفعل ذلك؟ فقال: إن رجليَّ لا تحملاني. [أخرجه البخاري] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: في الحديث من الفوائد: أن الإنسان إذا بين العلة التي تمنعه من الفعل المسنون فإنه لا يُعاب عليه.
الدعاء على من أنكر من اقتفى السنة:
عن عكرمة قال: صليت خلف شيخ بمكة، فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة، فقلت لابن عباس: إنه أحمق، فقال: ثكلتك أمك، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم [أخرجه البخاري] قال الإمام الطيبي رحمه الله: "ثكلتك أمك" ظاهرها دعاء عليه.. رداً لقوله إنه أحمق، أي تقول في حق من اقتفى سنة أبي القاسم -عليه الصلاة والسلام- أنه أحمق؟
تنبيههم من أراد مخالفة السنة:
وعن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: طُفتُ مع عمر بن الخطاب فاستلم الركن، فكنتُ مما يلي البيت، فلما بلغنا الركن الغربي الذي يلي الأسود، جررت بيده ليستلم، فقال: ما شأنك؟ فقلتُ: ألا تستلم؟ قال: ألم تطف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلتُ: بلى فقال: أفرأيته يستلم هذين الركنين الغربيين؟ فقلتُ: لا. قال: أفليس لك فيه أسوة حسنة قلت: بلى قال: فانفذ عنك. [أخرجه أحمد].
تسليمهم التام للسنة عُلمت الحكمة أو لم تعلم:
عن معاذة بنت عبد الله قالت: سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت: ما بالُ الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقلت: لست بحرورية، ولكني أسالُ، فقالت: كان يُصيبنا ذلك، فنؤمرُ بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة. [متفق عليه] قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هذه المرأة كان عندها علم بأن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ولكتها أراد أن تعرف الحكمة، فبينت لها عائشة رضي الله عنها أن الحكمة ورود الشرع بذلك، لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النساء في عهده حينما كان يصيبهن ذلك بقضاء الصوم، ولم يكن يأمرهن بقضاء الصلاة.
عدم قبولهم مخالفة السنة ولو كانت تقديراً واحتراماً لهم:
خرج معاوية فقام عبدالله ابن الزبير وابن صفوان حين رأوه فقال: اجلسا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) [أخرجه الترمذي] وعن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه) قال: وكان الرجلُ يقومُ لابن عمر فما يجلس فيه. [أخرجه الترمذي].
تطبيقهم للسنة بشكلٍ مستمرٍ دائم:
عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهن بيت في الجنة) فما تركتهن مُنذُ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم [أخرجه مسلم] قال العلامة العثيمين: ينبغي للإنسان أن يحافظ على هذه الصلوات كما حافظت عليها أم حبيبة رضي الله عنها.
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشقَّ على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل) فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه، موضع القلم من أُذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه. [أخرجه الترمذي].
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم إلى الدعوة فليجيب) أو قال: (فليأتها) قال: وكان ابن عمر يُجيبُ صائماً ومفطراً. [أخرجه أحمد].
غضبهم على من لم يخبرهم بالسنة:
عن جندب رضي الله عنه قال: جئتُ يوم الجرعة، فإذا رجل جالس، فقلتُ: لتهراقن اليوم هاهنا دماء، فقال ذاك الرجل: كلا والله، قُلتُ: بلى والله، قال: كلا والله. قُلتُ: بلى والله، قال: كلا والله، إنه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنيه، قلتُ: بئس الجليس لي، أنت منذُ اليوم تسمعني أخالفك، وقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تنهاني؟ ثم قلتُ: ما هذا الغضب؟ فأقبلت عليه وأسأله فإذا الرجل حذيفة. [أخرجه مسلم].
تطبيقهم للسنة في أشدِّ الظروف:
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فانطلقت فلم تجده، ولقيت عائشة فأخبرتها، فلماء جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على مكانكما) فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه في صدري، ثم قال: (ألا أُعلمكما خيراً مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين وتحمداه ثلاثاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم) قال علي: ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. [أخرجه مسلم].
قال الإمام النووي رحمه الله: معناه لم يمنعني منهن ذلك الأمر والشغل الذي كنت فيه، وليلة صفين هي ليلة الحرب المعروفة بصفين وهي موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام.
مشاركة من تحت أيدهم لهم في تطبيق السنة:
فعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، مرني بعمل، قال: (عليك بالصيام فإنه لا مثل له) فما رُئي أبو أُمامة ولا امرأته ولا خادمه إلا صياماً) [أخرجه النسائي وأحمد].
تطبيقهم للسنة مع كلِّ أحد:
عن جابر بن سليم رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله اعهد إليَّ قال: (لا تسبَّنَّ أحداً) قال: فما سببتُ بعده حُراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة [أخرجه أبو داود].
اللهم ارزقنا محبة صحابة رسولك عليه الصلاة والسلام، واجعل قلوبنا سليمة لهم، وألسنة بريئة مما يقوله أهل الافك والبهتان فيهم، ووفقنا للاقتداء بهم.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ