امتثال الصحابة رضي الله عنهم لأمر الرسول علية الصلاة والسلام - 2
وعن سمرة بن فاتك رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((نِعم الفتى سَمُرة لو أخَذ مِن لِمَّته وشَمَّر مِن مِئزره))، ففعل ذلك سمرة، أخذ مِن لِمَّته وشمَّر مِن مِئزره؛ [أخرجه أحمد].
إراقة ما في الأواني من خمور:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنتُ أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأُبَيَّ بن كعب - من فَضيخِ زَهْوٍ وتَمرٍ، فجاءهم آتٍ، فقال: إن الخمر قد حُرِّمت، فقال أبو طلحة: قمْ يا أنس فأَهْرِقْها، فأَهْرَقْتُها؛ [متفق عليه].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ووقع من رواية أخرى عن مالك في هذا الحديث: قُمْ إلى هذه الجِرار فاكْسِرها، قال أنس: فقمتُ إلى مِهراس لنا، فضربتُها بأسفله حتى انكسَرت، وفي رواية عبدالعزيز بن صهيب في التفسير: (فوالله ما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل)، ووقع في رواية: (فجرَتْ في سِكَكِ المدينة)؛ أي: طُرقها، وفيه إشارة إلى توارُد مَن كانت عنده من المسلمين على إراقتها حتى جرَتْ في الأَزِقَّةِ مِن كَثرتِها.
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: من فوائد الحديث: سرعة امتثال الصحابة لأمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فإنهم لم يُقدِموا على شُرب الخمر الذي قد صُنع، بل أراقوه، وهذا من تمام انقيادهم رضي الله عنهم؛ وقال رحمه الله: من الفوائد: سرعة امتثال الصحابة رضي الله عنهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الخمر بين أيديهم ولَما نادى المنادي بأنها حرام خرَجوا وأراقوها في الأسواق ولم يتلكَّؤوا، وهذا يدل على تمام التسليم لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم براوية من الخمر، فأهداها إليه، فقال له: ((هل علِمتَ أن الله قد حرَّمها؟))، ولم يَقْبَلْها، فسارَّه رجلٌ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((بِمَ سارَرْتَه؟))، قال: قلتُ: بِعْها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي حرَّم شُربَها حرَّم بيعَها))، ففتح الرجل فمَ الراوية، وأراق الخمر» ؛ [أخرجه مسلم].
رفع الإزار وقصُّ الشعر الطويل:
عن أبي رضي الله عنه وكان جليسًا لأبي الدرداء رضي الله عنه، قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: ابن الحنظلية، قال له أبو الدرداء: كلمة تنفَعنا ولا تضرُّك، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((نِعمَ الرجل خُزيم الأسدي لولا طُولُ جُمَّته وإسبالُ إزاره) فبلغ ذلك خزيمًا فعَجِلَ، فأخَذ شَفرة فقطَع بها جُمَّته إلى أذُنُيه ورفَع إزاره إلى أنصاف ساقيه)» [أخرجه أبو داود]
قال العلامة السهارنفوري رحمه الله: (فعَجِلَ)؛ أي: بادَر، (فأخذ شَفرةً): السكين.
وعن عبدالله بن محمد بن عقيل، قال: سمعتُ ابن عمر يقول: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبطيةً، فنظر فرآني قد أسبلتُ، فجاء فأخَذ بِمَنكِبي، وقال: ((يا ابن عمر، كلُّ شيءٍ مسَّ الأرض من الثياب، ففي النار))، قال: فرأيتُ ابن عمر يتَّزرُ إلى نصف الساق؛ [أخرجه أحمد].
وعن سمرة بن فاتك رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (( «نِعم الفتى سَمُرة لو أخَذ مِن لِمَّته وشَمَّر مِن مِئزره))، ففعل ذلك سمرة، أخذ مِن لِمَّته وشمَّر مِن مِئزره» ؛ [أخرجه أحمد].
وعن وائل بن حُجر رضي الله عنه قال: «أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وَلي شعرٌ طويل، فلمَّا رآني قال: ((ذُبابٌ ذُبابٌ))، فرجعتُ فجزَرتُه ثم أتيتُه من الغد، فقال: ((إني لم أَعْنِكَ، وهذا أحسنُ))» ؛ [أخرجه أبو داود].
قال العلامة السهارنفوري رحمه الله: (ثم أتيتُه من الغد فقال) لَمَّا رآني قطعتُ شعري الطويل: ((إني لم أَعْنِكَ))؛ يعني: ولم أُرِدْكَ بقول: ذُبابٌ ذبابٌ ... وفيه فضيلة الصحابة، ومبادرتهم إلى إزالة ما كَرِه منهم.
جيل فريد يسارع ويسابق إلى تنفيذ ما يأمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، بخلاف ما عليه كثير من المسلمين اليوم - هداهم الله - من إسبال لباسهم بعد أن زيَّن لهم الشيطان أنهم لا يفعلون ذلك خُيلاءَ، فلا حرَج عليهم في ذلك، والأمر بخلاف ذلك، فالإسبال حرام ومن كبائر الذنوب، ومَن فعله خيلاءَ، فعقوبته أشدُّ، نسأل الله السلامة والعافية لجميع المسلمين، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الإزارُ من الكعبين فما فوق على سبيل الوجوب، فلا يجوز للإنسان أن يُنزل ثيابه - سواء كانت قميصًا أو سراويلَ - إلى أسفل من الكعبين، فإن أنزَله إلى أسفل من الكعبين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أسفل من الكعبين ففي النار))، وهذا يدلُّ على أن تنزيل الثياب إلى أسفل الكعبين من كبائر الذنوب؛ لأن الكبيرة هي فيها وعيد في الدنيا أو الآخرة.
فإن قال قائل: أنا لا أُنزله إلى أسفل الكعبين على سبيل الخُيلاء، ولكن على سبيل الرفاهية والعادة..فالجواب: هذا حرام ومن كبائر الذنوب، وإن لم يكن على سبيل الخُيلاء؛ لأن الذي يفعله على سبيل الخيلاء إثمُهُ أعظمُ من هذا، فإثمُهُ أن الله لا يُكلمه، ولا ينظر إليه، ولا يُزكيه، وله عذاب أليمٌ.
قال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ((ثلاثة لا يُكلمهم اللهُ يوم القيامة، ولا ينظرُ إليهم، ولا يُزكيهم، ولهم عذاب أليم))، قال أبو ذرٍّ: من هم يا رسول الله، خابوا وخسِروا؟ قال: ((المسبلُ، والمنانُ، والمُنفقُ سلعتَه بالحَلِف الكاذب))» ، وعلى كل حالٍ فإن المسألة خطيرة جدًّا، والناس ابتُلوا بها، نسأل الله لهم الهداية؛ ا.هـ.
مبادرة نساء الصحابة إلى الصدقة مع ضيق الحال:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «شهِدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، فصلَّى وخطب، ثم أتى النساء فوعَظهنَّ وأمرهنَّ بالصَّدقة، فرأيتُهنَّ يَهوين إلى آذانهنَّ وحُلوقهنَّ يَدفَعنَ إلى بلال» ؛ [متفق عليه].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي مبادرة تلك النسوة إلى الصدقة بما يَعزُّ عليهنَّ مِن حُلِيِّهِنَّ، مع ضيق الحال في ذلك الوقت - دلالةٌ على رفيع مقامهنَّ في الدين، وحِرصهنَّ على امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضِي الله عنهنَّ.
لقد بادَرْنَ رضي الله عنهنَّ إلى الإنفاق في سبيل الله مع ضيق الحال، وبعض نساء المسلمين - هداهن الله - ممن يَملكنَ الأموال الكثيرة، يُنفقْنَها في كماليات، ويصل الحال ببعضهنَّ إلى إنفاق تلك الأموال إسرافًا وتبذيرًا، فاللهم وفِّقهنَّ إلى إنفاق تلك الأموال في طاعتك ورضاك.
وضع كعب بن مالك شَطْرًا مِن دَينه على ابن أبي حَدْرَد رضي الله عنهما:
عن عبدالله بن كعب أن كعب بن مالك «أخبره أنه تقاضى ابن أبي حدرد دَينًا كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعتْ أصواتهما حتى سمِعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرَج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ونادى، فقال: ((يا كعبُ))، فقال: لبَّيك يا رسول الله، فأشار إليه أن ضَعِ الشطر مِن دَينك، قال كعب: قد فعلتُ يا رسول الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قُمْ فاقْضِه))» ؛ [متفق عليه]؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: (لقد فعلتُ): مبالغةٌ في امتثال الأمر.
ولو أخذ كثير من المسلمين بما فعل كعب بن مالك رضي الله عنه، وأسقطوا بعض حقوقهم على الآخرين، لتلاشى وجودُ كثيرٍ من الخصومات في المحاكم والشُّرَط.
امتثالهم للأمر وعدم السؤال هل الأمر للوجوب أو الندب؟
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «لَمَّا بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثَت زينب في فداء أبي العاص بمال فيه قِلادةٌ لها، كانت خديجة أدخلتْها بها على أبي العاص، فلمَّا رآها النبي صلى الله عليه وسلم، رقَّ لها رقةً شديدة، وقال: ((إن رأيتُم أن تُطلقوا لها أسيرَها، وتردُّوا عليها الذي لها))، قالوا: نعم» ؛ [أخرجه أبو داود].
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في تعليقه على صحيح مسلم عند شرحه لأحاديث "تحريم أكل لحم الحُمر الإنسية": لا ينبغي للإنسان إذا سمِع أمر الله ورسوله أن يقول: هل هذا للإيجاب أو للاستحباب؟ بل يفعَل ولا يتردَّد، وإذا فعَل فنقول: فِعلُه هذا طاعةٌ لله ورسوله، نعم لو أن الإنسان وقع في المخالفة، وسأل: أواجب ذلك أم لا؟ من أجل أن يُجدِّد التوبة إذا كان واجبًا، فهذا له وجهٌ، أما أن يسمع الأمر، ثم يقول: هل هو للاستحباب أو للإيجاب؟ فهذا غلطٌ، بل إذا أُمرتَ فافعَل، وقال رحمه الله في تعليقه على صحيح البخاري "كتاب تفسير القرآن": هنا إشكال، وهو أن بعض الناس إذا قلت له: افعَل هذا، قد أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: أهو واجب؟! فنقول: سبحان الله! وهل لا تفعله إلا إذا كان واجبًا؟! أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم به، فافعَل، وأحيانًا نقول له: هذا نهى عنه الرسول عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا تفعله، ثم يُجادلك: أحرام هو؟ ولهذا نقول: إذا نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فاترُكْه؛ ا. هـ.
امتثال محمد بن سلمه لأمر الرسول علية الصلاة والسلام بكسر سيفه زمن الفتنة
عنه رضي الله عنه, « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( يا محمد إذا رأيت الناس يقتتلون على الدنيا, فاعمد بسيفك على أعظم صخرة في الحرة فاضرب بها حتى ينكسر, ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية ) ففعلت ما أمرني به النبي صلى الله عليه وسلم» .[أخرجه الطبراني في الأوسط]
صبر عثمان بن عفان رضي الله على ما يصيبه من الفتنة امتثالاً لأمر الرسول
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, قالت : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ادعوا لي بعض أصحابي ) قلتُ : أبو بكر ؟ قال : (لا ), قلتُ : عمر ؟ قال:( لا ), قلتُ : ابن عمك علي ؟ قال : ( لا ), قلتُ : عثمان ؟ قال : ( نعم ) فلما جاء تنحى فجعل يُسارهُّ ولونُ عثمان يتغير, فلما كان يوم الدار, وحُصِرَ فيها, قلنا : يا أمير المؤمنين ألا نقاتل ؟ قال : لا , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إليَّ عهداً, وإني صابر نفسي عليه» .[أخرجه أحمد, وأخرجه الترمذي من قوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي]
فينبغي للمؤمن أن يعوِّد نفسَه على امتثال أمر الرسول، وترك نهيه، ومن فعَل زادتْ محبَّتُه للرسول صلى الله عليه وسلم، ونال الثواب من الله الكريم، وزاد إيمانُه، وكان ممن تأسَّى بالصحابة رضي الله عنهم.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: