أسباب زيادة العلم وثباته
«لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ - وفيه- وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ» » رواه الترمذي وغيره
بسم الله، وبعد: فهذه أسباب ثبات العلم، قد جمعتها في هذا الموضع رجاء النفع لي ولإخواني من طلبة العلم، والحمد لله.
السبب الأول:
العمل بالعلم: العمل بالعلم هو الغاية من العلم، وهو من أعظم أسباب ثبات العلم ودوامه، وقد جاء في الحديث: « «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ - وفيه- وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ» » رواه الترمذي وغيره
وقال الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى: « العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه، وإلا ارتحل ». "جامع بيان العلم وفضله" (ص،٧٠٧).
السبب الثاني:
الإخلاص في طلبه، فإن تعلم العلم من أعظم العبادات وأجل القربات التي لا بد فيها من الإخلاص لله تعالى.
وثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « « إن أول الناس يُقضى يوم القيامة - وذكر منهم - ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمَه فعرَفها، قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به، فسُحبَ على وجهه حتى أُلقي في النار» »؛ رواه مسلم.
♦ والإخلاص سبب لثبات العلم والزيادة فيه؛ لأن الإخلاص من أعظم الهدى الذي يهتدي إليه العبد، قال تعالى: ﴿ {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} ﴾ [محمد: ١٧].
وذكر الإمام الطبري، في تفسيره على هذه الآية: ﴿ زَادَهُمْ هُدًى ﴾ يقول: زادهم الله بذلك إيمانًا إلى إيمانهم، وبيانًا لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم.
السبب الثالث:
تكرار العلم ومذاكرته: فآفة العلم النسيان وعلاجها التكرار، وكلما كان التكرار أكثر، ثبت العلم أكثر.
وكلمات أهل العلم في ذلك كثيرة؛ فقد روى الإمام الخطيب البغدادي عن علقمة قال: أطيلوا ذكر الحديث؛ لا يدرُس. "شرف أصحاب الحديث" (ص: ٩٧).
♦ إياك يا طالب العلم أن تمَلَّ أو تكلَّ من تكرار العلم، وتأمل في مسائل العلم من مثل مسائل الحج كيف هي واضحة وحاضرة عند العلماء، وذلك لتكرارها عليهم كل سنة.
وكما قيل: لا بد للفقيه أو العالم أن يمر على أبواب العلم على الأقل كل سنة مرة.
السبب الرابع:
تعليم العلم والدعوة إليه ونشره، وذلك من أعظم أسباب ثباته، لأنه يدعوك إلى تكراره ومراجعته، وترسخه وفهمه أكثر.
وفي ذلك يقول، العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: زكاة العلم تكون بأمور: الأمر الأول: نشر العلم: نشر العلم من زكاته، فكما يتصدق الإنسان بشيء من ماله، فهذا العالم يتصدق بشيء من علمه، وصدقة العلم أبقى دومًا وأقل كلفة ومؤنة، أبقى دومًا؛ لأنه ربما كلمة من عالم تُسمع ينتفع بها أجيال من الناس، وما زلنا الآن ننتفع بأحاديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولم ننتفع بدرهم واحد من الخلفاء الذين كانوا في عهده، وكذلك العلماء ننتفع بكتبهم ومعهم زكاة وأي زكاة، وهذه الزكاة لا تنقص العلم بل تزيده كما قيل:
يزيد بكثرة الإنفاق منه
وينقص إن به كفًّا شددت.
مجموع الفتاوى والرسائل (٢١٨/٢٦).
السبب الخامس:
الدعاء، دعاء الله عز وجل وسؤاله من أجل ثبات العلم وعدم نسيانه، قال تعالى: ﴿ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } ﴾ [ غافر: ٦٠].
السبب السادس:
ذكر الله والإكثار من ذلك، قال تعالى: ﴿ {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} ﴾ أي: إذا نسيت شيئا فاذكر الله يذكرْك إياه.
ذكر هذا القول في تفسيره ابن الجوزي في "زاد المسير" (١٢٨/٥) وغيره.
السبب السابع:
تقوى الله عز وجل، وترك المعاصي، فمن أسباب ثبات العلم تقوى الله عز وجل، لأن بالتقوى يهب الله للعبد الفرقان، قال تعالى: ﴿ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} ﴾ [الأنفال: ٢٩].
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى، في تفسيره على هذه الآية: الفرقان، وهو العِلم والهدى الذي يفرِّق به صاحبُه بين الهدى والضلال، والحقِّ والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة والشقاوة. انتهى.
اللهم ذكرنا من العلم ما نسينا، واحفظ علينا ما علمتنا، وزدنا علما، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبها: يزن الغانم