رسالة إلى كل موظف أو مسؤول

منذ 2020-10-04

أيها الموظف المؤتمن: إنّ التقصير والتأخير في حقوق الآخرين أو هضمها أو التشديد والتعقيد من غير سبب وجيه.. يجعل مرتبك وأجرتك من وظيفتك كسبًا حرامًا...

الحمد لله القائل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» [1]. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما خطبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» [2]. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.

 

وبعد:

فالتقوى أيها الأخوة أساس الفلاح والنجاح والرفعة، {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189]، مؤلم أيها الإخوة ما نجده من بعض الموظفين من إخلال بواجبات ومسؤوليات وظيفته وتعطيل معاملات المستفيدين، والإخلال بعقد الوظيفة، الذي أمر الله تعالى بوفائه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، عجيب هذا التساهل في تأخير المعاملات خاصةً التي يترتب عليها حقوق الآخرين، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ، وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ، وَفَقْرِهِ» [3].

 

واللهِ أنّ تقصد إهمال أو تعطيل مصالح المسلمين لهو من الخيانة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منها.. والله لا يهدي كيد الخائنين..

 

أين إتقان العمل الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ»..[4].

 

أيها الموظف المؤتمن: إنّ التقصير والتأخير في حقوق الآخرين أو هضمها أو التشديد والتعقيد من غير سبب وجيه.. يجعل مرتبك وأجرتك من وظيفتك كسبًا حرامًا، و «كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» [5]، فيا أخي.. «أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ» [6]، واعلم أن من يَسَّرَ على مسلم، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، وأن من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته؛ قال صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ» [7] رواه مسلم. و«مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» [8].

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله ..

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه وسلم تسليمًا كثيرًا..

 

وبعد: فاتقوا الله عباد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}  [التوبة: 119]..

 

روى ابن ماجة في سننه بسند حسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: «أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ»؟ قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَتْ، صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ»؟ [9].

 

فلنحذر عباد الله من التساهل في حقوق العباد وإن كان قضيبًا من أراك فالأمر ليس بالهين.. عافانا الله وإياكم.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

 


[1] صحيح؛ رواه أبو داود (3534)، وصححه الألباني في "المشكاة" (2934).

[2] صحيح؛ رواه أحمد في "المسند" (12383)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7177).

[3] صحيح؛ رواه أبو داود (2948) واللفظ له، والترمذي (1332)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (629).

[4] حسن؛ رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" (4386)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (897)، حسنه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" (1880).

[5] صحيح؛ رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4480)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4219).

[6] ضعيف؛ رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6495)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1812).

[7] صحيح مسلم (1828).

[8] صحيح البخاري (2449).

[9] حسن؛ رواه ابن ماجه (4010)، وحسنه الألباني في " مختصر العلو" (59 / 46).

  • 3
  • 0
  • 2,860

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً