المرأة ثم عمل المرأة!!
لقد باتت قضية عمل المرأة من أعقد القضايا التي طرحت للنقاش منذ أن نالت البلاد الإسلامية استقلالها السياسي من نير الاستعمار الغاشم وإلى اليوم.
كثيرًا ما تظهر أبحاث ودراسات حول المرأة، تُعالج قضاياها وتبرز مشكلاتها، وتحلل المفاهيم السائدة حولها، وتكشف خباياها؛ لتصل إلى السبيل الأقوم في رسم معالم المرأة المسلمة، ويعكس ذلك كله - ولا شك - أهمية دور المرأة في المجتمع الذي لا يمكن أن يستغني عنها بحال؛ فهي نصف المجتمع.
لقد باتت قضية عمل المرأة من أعقد القضايا التي طرحت للنقاش منذ أن نالت البلاد الإسلامية استقلالها السياسي من نير الاستعمار الغاشم وإلى اليوم.
وحاول الكثيرون خلع المرأة المسلمة من منهاجها الرباني القويم؛ مسايرة للمرأة الغربية، لتكون سهلة المأخذ، وجنح غير قليل إلى إثارة الشبهات، وإبداء المغالطات؛ ليغطوا بها معالم الحق؛ واتخذ أراذلهم من وضع المرأة اليوم في البلاد الإسلامية وسيلة لتبرير مناهج تحديث وتغريب، وتطوير المجتمعات الإسلامية الحاضرة، والعودة بها إلى الجاهلية الأولى.
من هنا كانت الحاجة ملحة إلى أبحاث تؤصل هذا الموضوع، وتكشف للناس وجه الحق فيه، وتبرز لهم نقاء الجوهر؛ ليعوا تلك المكانة العالية التي يريد الإسلام أن ينزل المرأة المسلمة إيَّاها.
لقد قدَّر الإسلام المرأة، وأكرم إنسانيتها، وقرر حقوقها وآدابها وواجباتها، واهتم برعايتها ومكانتها، ودفعها إلى تحمل مسؤولياتها النوعية، وجعل ذلك كله قرآنًا كريمًا وحديثًا نبويًّا شريفًا، فكانت سورة النساء من طوال السور، وسور أخرى، مثل: التحريم والمجادلة والطلاق قرآنًا وتشريعًا وعبادة، وكذلك انتهجت السيرة والأحاديث الشريفة فيها منهجًا عمليًّا وفق توجيهات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووصاياه.
ثم هُضِم حقُّ المرأة في المجتمع الإسلامي في عصور الانحطاط من ناحيتين: حرمت من حقوقها الشرعية في العلم والعمل، وإبداء الرأي، ومن ناحية أخرى بترت عن وظيفتها التربوية والأُسَرية، وحصرت في الاستمتاع والاستخدام، فتخلفت عن بناء المجتمع، وضعف دورها فيه؛ حتى أضحت شيئًا مهملاً لا يعتد به إلا حين متعة الرجل ومصلحته.
ثم غُزيت أفكار المرأة وأُسرتها وافتُري عليهما بافتراءات شتى، واتهمتا بما ليس فيهما، ونسب الغزاة ذلك كله إلى الإسلام، والإسلام منه براء.
إذ استغلوا أوضاعها الاجتماعية المريضة، وإهمال مجتمعها لها وحرمانها من وظائفها وحقوقها، فأعلنوا أن الغرب يمكنه إنصافها ورعايتها، وإعطاءها حقوقها، وعمدوا إلى مسائلها الفقهية فشوَّهوها، وإلى مزاياها الشرعية فطمسوها، ثم حاولوا ربطها بالحريات المتفلتة، والعمل المضني، والتعليم المختلط، والمساواة الزائفة مع الرجل.
وشجعوا على تعليم المرأة وتوظيفها، فاستجابت لهم، وأضحى العمل من تطلعاتها مشكلة اجتماعية لم تعتد عليها، ومشكلة عمالية لا توفَّق فيها أحيانًا إلى اختيار العمل المناسب، ومشكلة أسرية تهدر من أجله بعض واجباتها، ولكنها على كل حال أثبتت جدارتها في بعض المجالات الطبية والتعليمية، والنسائية والعملية.
لقد جاء في نتائج استفتاء أجرته مجلة (كلير) في باريس حول مساواة المرأة بالرجل: إن مليونين ونصف امرأة فرنسية مَلَلْنَ المساواة مع الرجل، وإنهن مَلَلْنَ الحياة العصرية، مَلَلْنَ حالات التوتر الدائم طوال ساعات النهار، وأغلب ساعات الليل، مَلَلْنَ الاستيقاظ عند الفجر؛ خوفًا من أن يتأخرْنَ عن ساعات بَدء العمل في المصنع والمكتب، مللن الحياة العائلية التي لا يرى فيها الزوج زوجته إلا أثناء العطل أو عند النوم، مَلَلْنَ الحياة التي لا تستطيع فيها المرأة أن تباشر مسؤولياتها الكبرى في تربية أطفالها، فهي لا تراهم إلا لحظات خاطفة تكون خلالها مرهقة الجسم خائرة القوى، متوترة الأعصاب.
وبعد:
فهل يا تُرى تعي المرأة المسلمة حقيقة تلك الدعوة المريبة، وتلزم تعاليم دينها الذي كرمها وكفل حقوقها، وتقوم بأداء مهمتها في رعاية بيتها وتربية أولادها؟ فمهمتها ليست بهيّنة لو علمت ذلك. يقول - صلى الله عليه وسلم -: «والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها».
____________________________________
د. زيد بن محمد الرماني
- التصنيف:
- المصدر: