العلمانية في أوربا وهدم الدين عن طريق الحكم
وفي الوقت الذي أضاء فيه نور الإسلام ربوع العالم العربي، كان الفرد في أوربا يعبد إلهين اثنين: البابا والإمبراطور! وقد برر كثير من الفلاسفة حكم السلطة المطلقة، من أجل دعم الاستقرار، واجتناب صراع الأحزاب!
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
كتب الأستاذ / هاني مراد
كانت العلاقة بين الكنيسة والإمبراطورية علاقة مصالح متبادلة بين السلطتين الدينية والسياسية. وقد حاول الفلاسفة الخروج من هذه الدائرة الشيطانية، فتبنوا فكر أفلاطون في كتابه المشهور "الجمهورية"، وكتب توماس مور "يوتوبيا"، وكتب كامبانيلا "مدينة الشمس"، وجنح هؤلاء إلى عالم مثالي لا يكون لدين الكنيسة دور فيه، فترسخت العلاقة في الفكر الأوربي وثقافته، بين المدينة الفاضلة وعزل الدين، ليبقى مجرد طقوس مبهمة لا ترتبط بواقع الحياة!
وترسخ إصرار أوربا على إبعاد الدين عن الحكم بحلول عصر التنوير، وانتشار فكر توماس هوبز، وإيمانويل كانت، وجان جاك روسو، في كتابه "العقد الاجتماعي"، وانتشار النظرية التي حملت اسم هذا الكتاب، والتي أهملت دور الدين، وألزمت الإنسان بالتخلي عن جزء من حريته، والخضوع للسلطة، مقابل حمايته!
وقد ساعدت الثورة الفرنسية على انتشار كتاب روسو، حيث كان يسمى "إنجيل الثورة الفرنسية"، فانتشرت أفكار القومية والوطنية، حيث يُبرم العقد بين الإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه، وفق المصالح والرغبات المشتركة. وبذلك انتقل ولاء الإنسان الأوربي من الدين أو الكنيسة إلى الدولة أو الحكومة أو الوطن، وأصبحت الأولوية للمصالح الوطنية والدنيوية، على المصالح الدينية أو الأخروية!
وفي الوقت الذي أضاء فيه نور الإسلام ربوع العالم العربي، كان الفرد في أوربا يعبد إلهين اثنين: البابا والإمبراطور! وقد برر كثير من الفلاسفة حكم السلطة المطلقة، من أجل دعم الاستقرار، واجتناب صراع الأحزاب!
وبذلك هدمت العلمانية ثوابت الدين من أجل التفرد بالحكم؛ فأصبح الله تعالى في أوربا مجرد "فكرة مطلقة"، وأصبح الوحي مجرد "معرفة"، وأصبح المسيح عليه السلام مجرد "وسيط"، وأصبحت الشريعة مجرد "قانون"!