الصراع بين الإسلام والتغريب في قضية المرأة

منذ 2020-10-21

المخدوعين بشعارات التحرير عندنا، من كلا الجنسين، يخططون للالتحاق بالغربيين والغربيات، ولكنهم لا يدركون أن الكثيرين من هؤلاء يفكرون في الوقت نفسه في كيفية الخلاص، والالتحاق بنا، لو عرفوا الطريق، ولو عرفنا نحن كيف نجعلهم يعرفونها.


لم تخضع قضية للتشريح والنقد وزرع الشكوك في العالم الإسلامي مثلما كان الحال مع قضية حرية المرأة المسلمة التي كانت مسرحا لشتى الطروحات والأفكار والنماذج الحضارية المتصارعة منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وما ذلك إلا لكون هذه القضية عنت منذ البداية في تصور الاستعمار والاستشراق وحلفائهما تطويرا لآليات الصراع، بنقل السموم إلى داخل البيت المسلم والأسرة المسلمة، النواة التي ظلت أكثر صلابة في وجه التغريب والغزو الثقافي طوال القرون الماضية التي شهدت أعتى الهجمات ضد الإسلام باسم التخلف والتقليد وعدم القابلية للتطور الحضاري ومسايرة التقدم.
ولعل مقصد أنصار الاستعمار ومن سار في ركبه من كل ذلك هو زرع الشكوك، وبذر الخلاف بحيث تصبح الطريق سالكة أمامه بعد ترسيخ نفسية القابلية للاستعمار حسب تعبير المفكر الجزائري المسلم الراحل مالك بن نبي.
ونحن لاننكر أن كثيرين من مفكري الأمة وعلمائها ومثقفيها قد انقادوا مع الحملة الغربية الرامية إلى تشويه الإسلام والتشكيك في قيمه الثابتة وأسسه الخالدة في تنظيم شؤون المجتمع والأسرة، سواء بحسن نية أو لسوء الطوية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، غير أننا لاننكر أن الصراع كان قويا ومزلزلا بالنظر إلى جدة الطروحات الأوروبية الاجتماعية والثقافية والسياسية في ذلك الحين، وذلك لسببين اثنين مترابطين: الأول أن المجتمعات الإسلامية كانت تعيش تحت نير التخلف والركود بحكم سريان مفعول التقاليد البالية وغلبتها في نفوس المسلمين على قيم الشرع الحنيف، والثاني محاولة مفكري الأمة وعلمائها البحث عن سبيل للخروج من هذه الأوضاع وشق طريق الحضارة التي عبدها أسلافهم الصالحون.
وفي ظل هذا الشد و الجذب، أي دواعي الجمود و محاولة النهوض، كان المستعمر الأوروبي المدفوع بالحقد الصليبي على الإسلام يعمل على تقويض ما تبقى من دعائم الصرح الإسلامي وإثارة الناقمين ضد "التقاليد المتخلفة"
 - حسب زعمهم- التي هي عين الإسلام.


بداية الانحدار
و قد سخّر قاسم أمين، الكاتب المصري ذو الانتماء الأرستقراطي، قلمه للكتابة عن المرأة في المجتمع المصري المسلم، و انتشرت دعواته في شتى أرجاء العالم الإسلامي باعتبارها أول محاولة جريئة للخوض في هذا الموضوع الذي ظل شبه مغلق أمام المفكرين والعلماء المسلمين، و ذلك بسبب كونه يمس التقاليد الاجتماعية التي تعود الناس عليها وألفوا التعايش معها، مما جعل هؤلاء العلماء والمصلحين يترددون في الخوض فيها خشية الصدام مع المجتمع ونعتهم بشتى النعوت.
أصدر قاسم أمين أول كتاب يدور حول المرأة عام1899 تحت عنوان(تحرير المرأة)، و قد حاولت مضامين المقدمة أن تصب في الهوية الإسلامية، وتدعو إلى الإصلاح العام، ومن ضمنه الإصلاح الاجتماعي. ولا غرابة في ذلك، فقد كان قاسم أمين تلميذا للشيخ محمد عبده ورفيقه في باريس عندما كان يصدر مع جمال الدين الأفغاني (العروة الوثقى)، حيث كان قاسم أمين يقوم بمساعدة عبده على الترجمة من اللغة الفرنسية التي كان يجيدها. و يذهب الدكتور السيد أحمد فرج إلى أن كتاب قاسم أمين المذكور "نبت منبتا إسلاميا" وتطابقت أفكاره مع كثير من أفكار محمد عبده التي عبر عنها في كلامه عن المرأة وحديثه عنها في مقالات (الواقع)، وفي تفسير آيات القرآن الكريم (المؤامرة على المرأة المسلمة:تاريخ ووثائق ص65). فقد اعتمد قاسم أمين في إثبات دعوته إلى تحرير المرأة الشرقية على أدلة من السيرة النبوية والأحاديث الشريفة والآيات القرآنية، مدافعا عن الحجاب الشرعي الذي يدعي أن الفقهاء قد أجمعوا عليه، والمتمثل في كشف الوجه والكفين فقط، و حمل على عزل المرأة داخل أسوار البيت، ودعا إلى طرح الحجاب التقليدي أو الخمار الذي يجعل المرأة كما يقول( لاتتمكن من المشي ولا الركوب، بل ولا تتنفس ولاتنظر ولا تتكلم إلا بمشقة)، وذهب مذهب محمد عبده في تقنين عدد الزوجات حينما أعطى للحاكم حق منع التعدد في حالة فساد الزمان للشطط والفساد في استعمال التعدد من طرف الرجل.
ومهما يكن من أمر هذا الكتاب والخلفيات التي كانت تكمن وراءه أو ما كان يدبره صاحبه من مفاجآت لاحقة، فإن الكتاب في الصفحات التي بين دفتيه كان يعبر في نظر الكثير من المثقفين عن حاجة موضوعية إلى إخراج المرأة المسلمة من العزلة الاجتماعية و الثقافية التي ضربت عليها بسبب تراكم التقاليد المنافية لجوهر الإسلام، وكان جميع المصلحين المسلمين متفقين على ضرورة إصلاح هذا الوضع الشاذ وإطلاق مبادرة المسلم ذكرا وأنثى في بناء النهضة المنشودة بعد سبات طويل عمل الاستعمار على تأبيده.
لكن قاسم أمين ألحق كتابه الأول حول تحرير المرأة، بعد عام واحد فقط، بكتاب آخر هز أولئك الذين استقبلوا كتابه الأول بالقبول والترحاب، وهو "المرأة الجديدة" عام1900، وكأنه عنى بهذا العنوان المعبر الإعلان عن بروز امرأة جديدة غير التي عرفها المسلمون، أي امرأة متمردة على التقاليد والإسلام معا، أو أنه عنى أن دعوته الجديدة هي غير الدعوة السابقة إلى تحرير المرأة، و أن ما يدعو إليه هذه المرة ليس تحرير المرأة المسلمة من قيودها، بل تجاوز هذه المرأة نحو شخصية جديدة.
مرحلة جديدة
و قد دشن هذا الكتاب الثاني مرحلة جديدة في حياة صاحبه، حيث انتقل من الدعوة الإصلاحية التوفيقية والنهج السلفي إلى التغريبية والاقتلاع الحضاري مباشرة، وقطع علاقته بأفكار المصلحين المسلمين الذين أيدوا دعوته السابقة كمحمد عبده، و الشيخ رشيد رضا، و الشيخ عبد القادر المغربي، معلنا انحيازه إلى طبقته الاجتماعية والثقافية، الطبقة الأرستقراطية المصرية التي كانت تابعة للغرب في المسلك والملبس والثقافة. ويذهب أحد الباحثين إلى أن كتاب "المرأة الجديدة" كان بمثابة اعتذار قدمه قاسم أمين للأميرة "نازلي" التي كانت على صلة وثيقة بسعد زغلول رئيس حزب الوفد الليبرالي، وكانت تؤيد أفكار رجال تركيا الفتاة، وذلك بسبب ما جاء في كتابه "مصر والمصريون" والذي ألفه عام1894 ردا على المستشرق النصراني الدوق داركور الذي هاجم الشرقيين، وفي هذا الكتاب دافع قاسم أمين عن المرأة والتقاليد وعن الحجاب التقليدي. وبهذا يكون قاسم أمين قد عاش عدة تحولات فكرية قبل أن يكشف عن الوجه السافر للمثقف المتغرب العلماني الذي لا يرضى بالحلول الوسطى، بل يريد أن يجتث القيم الإسلامية من جذورها لحساب القيم الغربية العلمانية، وإذا لاحظنا أن الفاصل الزمني بين الكتابين الأول والثاني عام واحد، يكون الاحتمال الطبيعي أن أفكار الكتاب الثاني كانت جاهزة، إذ من الصعوبة بمكان أن تتغير مواقف الرجل في ظرف وجيز بمقدار مائة وثمانين درجة دفعة واحدة.
وهكذا لم يعد قاسم أمين يدافع عن الحجاب الشرعي الذي عليه الفقهاء كما في دعوته السابقة، بل دعا علانية إلى تمزيق الحجاب ومحو آثاره، واعتبر أن أوروبا هي النموذج الذي ينبغي أن نحتذيه، وأن التمدن الأوروبي ليس خيرا محضا ولكنه الخير المحض الذي أمكن للإنسان أن يصل إليه .
قضية المرأة وتدويل القيم
مضى اليوم على دعوة قاسم أمين نحو مائة عام، قطع خلالها العالم الغربي والإسلامي أشواطا كبيرة في مسار التحولات الاجتماعية والثقافية و الفكرية، وهذه المدة الفاصلة بين انطلاق ما يسمى الدعوة إلى تحرير المرأة المسلمة في الماضي وما نحن عليه اليوم كافية للتأمل في مسلسل الانحدار الخطير الذي أصاب المجتمعات الإسلامية.
حاصل المسألة، أن موضوع المرأة اليوم لم يعد مسؤولية أفراد أو شخصيات، أو مبادرات معزولة تنطلق من هنا وهناك لتثير معركة أو تشعل حربا أو تطلق نقاشا بين المؤيدين و المعارضين، بين أنصار التغريب وتيار الهوية والتأصيل.
لقد أصبحت القضية اليوم تطرح على بساط النقاش الدولي، و خضعت قضية المرأة في العالم الإسلامي لنوع من التدويل، السياسي والثقافي، وهو ما يعني أن موضوع المرأة والأسرة عموما صار جزءا من المواجهة الحضارية الشاملة.
منذ 1994، تتالت المؤتمرات واللقاءات الدولية التي كان الهدف منها فرض الرؤية الغربية العلمانية على المجتمعات الأخرى، بما فيها العالم الإسلامي الذي هو قلب التحولات العالمية خلال قرنين من الزمان على الأقل، فيما يخص نظام الأسرة ووضع المرأة وأخلاقيات الزواج.
ففي ذلك العام انعقد مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة، وتلاه مؤتمر الصحة الإنجابية في بكين عام 1995، وفي عام 1998 انعقد مؤتمر الصحة الإنجابية في القاهرة أيضا، وفي يونيو من نفس العام نظم مؤتمر الشباب في بانكوك، وتوالت اللقاءات والمؤتمرات الدولية الجانبية لمتابعة الشق المتعلق بتنفيذ توصيات هذه المؤتمرات في أكثر من مناسبة.
هذا الانتقال والتحول الذي طرأ على شعار تحرير المرأة في العالم الإسلامي، بين بداية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، أي على مسار قرن كامل، لم يحدث فجأة ودفعة واحدة، وإنما حدث على مراحل متدرجة، وكان يراد لكل مرحلة أن تصبح مكسبا، ليتم الانتقال إلى المرحلة التالية، وأن تترسخ كواقع لا يمكن التشكيك فيه أو التراجع عنه. وخلال هذه المراحل كلها تمكن الفكر الغربي العلماني من التسلل إلى المجتمعات العربية والإسلامية من خلال المثقفين المتغربين والأحزاب والحركات النسوية العلمانية التي حاولت أن تمتلك النفوذ من خلال سلطة الإعلام والثقافة والدعم الغربي المادي والسياسي والأدبي.
وقد سمح هذا التقارب الواسع بين الحركات النسوية في العالم الإسلامي ونظيراتها في الغرب والمنظمات الغربية، بظهور شبه تكتل دولي، عبر التنسيق والتعاون والعمل المشترك، وهذا هو المسلسل الذي أدى إلى انعقاد العديد من اللقاءات الدولية بشأن المرأة، أصبحت توصياتها ملزمة للدول والشعوب غير الغربية، ليس فقط بقوة الشرعية العالمية، بل كذلك بقوة النفوذ الذي اكتسبته الحركات النسوية داخل هذه البلدان بفضل الدعم الأجنبي، بحيث أصبحت تشكل لوبيات للضغط والمطالبة إزاء الحكومات.
وتحضرني هنا نماذج من المغرب والجزائر وبلدان عربية وإسلامية أخرى، عملت فيها الهيئات الحزبية والنسوية للضغط على الحكومات ورفع مطالب بتغيير قوانين الأسرة والزواج بشكل يستوعب المبادئ والقرارات الصادرة عن تلك المؤتمرات واللقاءات الدولية.
لقد خلق هذا التطور في طرح قضية تحرير المرأة، بالمفهوم الغربي لكلمة التحرير الذي لا يقبل أي نقاش اليوم خشية فضح حقيقته، خلق واقعا عالميا جديدا هو واقع تدويل القيم المتعلقة بالأسرة بشكل عام، والمرأة بشكل خاص.
وجاءت العولمة قبل سنوات قليلة لتعطي لهذا التدويل دفعة، ولم تعد توصيات المؤتمرات الدولية وحدها التي تؤدي هذا الدور، بل تدخلت قوى جديدة ذات نفوذ وسلطة أدبية وأخلاقية على العقول والنفوس لخلق هذا التدويل في الشعور العربي والمسلم، هذه القوى الجديدة هي الإعلام وثورة الاتصالات، التي أصبحت تسوق رؤية جديدة للمرأة والأسرة تقوم على امتداح الليبرالية الأخلاقية وحرية الاختيار ومبدأ المتعة والفائدة وقانون الرغبة الذاتية وسلطة الفرد على نفسه.


كيف نربح المعركة؟
إن التحدي الذي يواجه الأمة الإسلامية في قضية المرأة ليس تحديا هينا ولا بسيطا، كما قد يبدو، ليس بسيطا ولا هينا لأن قضية المرأة ليست معزولة عن قضية الأسرة، والأسرة ليست معزولة عن المجتمع برمته، وصحة الحضارة من صحة المجتمع وسلامته.
ونحن نخطئ كثيرا حين نعتقد بأن الغرب يتناول قضية المرأة في العالم الإسلامي من منطلق التجزيء، بل لأن الغاية هي تفكيك المجتمع، إن المعادلة السابقة بين المرأة والأسرة والمجتمع ثم الحضارة قد فهمها الغرب جيدا قبل أزيد من قرنين، ولذلك فهو يحاول البدء من الحلقة الأولى الأقوى لكسرها.
مهما يكن من الأمر، فإن المعركة الحضارية اليوم هي معركة الثقافة والإعلام من أجل التنوير وخلق الوعي التاريخي السليم بما حدث وما يحدث، وما سوف يحدث مستقبلا لو أننا سرنا في نفس الطريق.
وهناك قضيتان لا بد من إيفائهما حقهما من الدرس والشرح والتحليل، من أجل اعتراض الهجمة الحضارية القوية التي يقودها الغرب ضد العالم الإسلامي، تحت ستار المرأة والأسرة.
القضية الأولى، فكرية تاريخية: لقد جاء الإسلام بالمفهوم السليم للتحرير الشامل للمرأة، وأعطاها جميع حقوقها من الميلاد إلى الممات، أسوة بشقيقها الرجل الذي تشترك معه على قدم المساواة في بناء المجتمع والحضارة، وفي تقديم الحساب في الآخرة.
ولدينا تجربة تاريخية فريدة عمرها يزيد على أربعة عشر قرنا من الممارسة،التشريعية والدينية والأخلاقية الإسلامية يمكن القياس عليها، بينما لدى الغرب تجربة لا تزيد على قرنين، قادت اليوم إلى تفسخ الأسرة وإذلال المرأة والقضاء على الأخلاق الاجتماعية السليمة والإنسانية. وبقياس التجربة الثانية الغربية على التجربة الأولى الإسلامية، مع الفارق الكبير في الفترة الزمنية بينهما، يمكننا الخروج بقاعدة فكرية والبناء على أساسها: لقد نجح الإسلام في أربعة عشر قرنا في بناء الحضارة الإنسانية السليمة المرتكزة على الأخلاق، لكن الفكر الغربي سقط في أول الطريق ولم يكمل قرنين من عمره.


أما القضية الثانية، فهي قضية اجتماعية وأخلاقية: إن الأصل في الفلسفة التي أنجبت هذا النموذج الغربي لمفهوم تحرير المرأة أنها فلسفة فاسدة أخلاقيا واجتماعيا، وصيرورة هذا النموذج في الغرب منذ نشأته والتبشير به تكشف لنا المخاطر التي تهدد كل كيان يسعى إلى تقليده والسير على نهجه.
في فرنسا مثلا، أشارت إحصائيات ظهرت العام الماضي أن أكثر من أربعين في المائة من الولادات تسجل خارج مؤسسة الزواج، وأن 53 في المائة من النساء يلدن من حمل خارج إطار العلاقات الزوجية الشرعية، وأن 300 ألف مولود يولدون سنويا - نعم سنويا - من علاقات محرمة، والرقم في ارتفاع مطرد، ووصلت نسبة المراهقات الحوامل إلى 30 فتاة من كل ألف، أعمارهن تتراوح بين 15 و19 سنة. وتشير نفس الإحصائيات إلى أن معدل الزواج في تراجع مستمر، ولا تسجل فروق كبيرة بين فرنسا والسويد والنرويج وفنلندا، أما في بريطانيا فالحال أسوأ، إذ تشير آخر الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني إلى أن نصف الأطفال في بريطانيا تحبل بهم أمهاتهم خارج العلاقات الزوجية المتعارف عليها، بينما كانت النسبة تصل إلى الثلث فقط قبل عشر سنوات، هذا معناه، في تقديرنا، أن النسبة مرشحة للارتفاع بعد عشر سنوات أخرى، والنتيجة: مجتمعات لقيطة وعالم بهيمي بعد عشرين عاما مثلا.
والصورة تبدو أكثر قتامة وسوادا حين نتأمل في أرقام ومعطيات عالم الدعارة الخفي في أوروبا وأمريكا، حيث تحولت المرأة إلى سلعة تباع وتشترى بدون رحمة ودون أي حس بالانتماء إلى الإنسانية.
وأمامي الآن كتاب خطير ألفته برلمانية سويسرية تدعى "نيكول كاستيوني " ظهر قبل نحو عام في باريس عنوانه" الشمس في آخر الليل"، تحكي فيه قصتها الغريبة كواحدة ممن ابتلعتهن ماكينة الدعارة في الغرب، أو تجارة" الرقيق الأبيض" كما أصبح يطلق على تجارة النساء في هذا العصر الحديث، عصر الهيمنة الأوروبية والغربية.
ومن خلال صفحات الكتاب التي تتجاوز ثلاثمائة صفحة، نتعرف على رحلة المؤلفة، ومن خلالها على العالم الأسود للدعارة في البلدان الغربية التي يقدر ضحاياها بمئات الآلاف من النساء، كما نتعرف على أساليب القتل والاغتصاب والفساد السياسي، وقد خرجت المؤلفة من تلك الوهدة العميقة واستطاعت أن تتزوج عام 1995 وتكون أسرة وتدرس المحاماة ثم تتقدم للانتخابات وتدخل البرلمان السويسري، لتبدأ كفاحها ضد عالم المواخير بواسطة الكتابات وتأسيس الجمعيات.
غرضي من سوق هذه الشواهد، أن أوضح بأن قضية تحرير المرأة في الغرب بدأت بشعارات براقة، وانتهت في أفواه الرأسمالية الجشعة التي لا فرق لديها بين تجارة الأخشاب وتجارة البشر، وهناك عقلاء في الغرب نفسه يتعلمون من هذه التجربة الفاشلة مع تحرير المرأة، فلماذا لا نتعلم نحن قبلهم.
إن المخدوعين بشعارات التحرير عندنا، من كلا الجنسين، يخططون للالتحاق بالغربيين والغربيات، ولكنهم لا يدركون أن الكثيرين من هؤلاء يفكرون في الوقت نفسه في كيفية الخلاص، والالتحاق بنا، لو عرفوا الطريق، ولو عرفنا نحن كيف نجعلهم يعرفونها.

______________________________________
 بقلم: إدريس الكنبوري

  • 4
  • 0
  • 4,541

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً