ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أبو الهيثم محمد درويش
حتى عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، كان عليّ عارفًا بها، يسمع بها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو من أزواجه أمهات المؤمنين
- التصنيفات: سير الصحابة -
ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم *
كان عليٌّ رضي الله عنه دائم الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل وقت وحال-ما استطاع إلى ذلك سبيلا- حتى في الحرب وبعدها، فقد أخرج البخاري في صحيحه في باب غزوة أُحُد عن أبي حازم أنه سمع سهل بن سعد وهو يُسْأل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
أما والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن كان يسكب الماء وبم دووي.
قال: كانت فاطمة رضي الله عنه ا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسله، وعلي بن أبي طالب يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة من حصير، فأحرقتها وألصقتها، فاستمسك الدم، وكسرت رباعيته يومئذ، وجرح وجهه وكسرت البيضة على رأسه.
حتى في مرضه الأخير صلى الله عليه وسلم لم يفارقه فعن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، قال: قالت عائشة: «لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم ، واشتد وجعه، استأذن أزواجه أن يمَرّض في بيتي، فأَذِنّ له، فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض، وكان بين العباس ورجل آخر، قال عبيد الله: فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة، فقال لي: وهل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا. قال: هو عليّ بن أبي طالب.»
فمن البديهي من كانت هذه صفته، وتلك ملازمته لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يكون أعلم الصحابة وأكثرهم دراية بأمور الدين الإسلامي، هذا بالإضافة إلى ما حباه الله به من عقل فطن لبيب، وذكاء فطري.
علم الإمام علي
كان أعلم الصحابة رضوان الله عليهم بكيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن مطرف بن عبد الله قال: صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنا وعمران بن حصين، فكان إذا سجد كبّر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبّر، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمرانُ بن حصين، فقال: قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم . أو قال: لقد صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم .
بل كان عارفًا بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم داخل الصلاة، فعن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين.
إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت.
لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، وإذا ركع قال: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي، وإذا رفع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين.
ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به منِّي، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
وعن أبي رافع قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، فصلَّى لنا أبو هريرة الجمعة، فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة {إذا جاءك المنافقون} قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما بالكوفة، فقال أبو هريرة: «إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة».
حتى عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، كان عليّ عارفًا بها، يسمع بها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو من أزواجه أمهات المؤمنين، فقد روى إياس بن عامر قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " «يسبح من الليل، وعائشة معترضة بينه وبين القبلة» ".
قال أبو بكر (راوي الحديث): قوله: يسبح من الليل، يريد: يتطوع بالصلاة.
وكان عليٌّ حريصًا على معرفة سنن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيسعى لمعرفة ما يقول عقب صلاته، فهذا عبيد الله بن أبي رافع يروي عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: " «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ»
وعن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عليّ بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»
وما اقتصر علمه على صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل كان يشمل فروع الدين فقد روى عليّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ». [هكذا أسند الحاكم عن عليٍّ ووقفه غيره].
وأخرج الحاكم أيضًا عن مسعود بن الحكم أنه نظر إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء في شعب الأنصار، وهو يقول: أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّهَا لَيْسَتْ أَيَّامَ صِيَامٍ، إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ».
ولم لا يكون عليّ بهذا العلم، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد تعهده بالتربية صغيرًا، وبالعلم كبيرًا، يبين له، ويصحح له ما يخطئ فيه، فقد قال رضي الله عنه : " «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بي كرب أن أقول لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله، وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين» ".
* موقع قصة الإسلام