وليس الذكر كالأنثى-1

منذ 2020-11-13

الإعجاز العلمى فى قوله تعالى (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)

 

أ.د./ حنفى محمود مدبولى

مقدمة

 

لقد بيّن القرآن الكريم القول الفصل في موضوع المساواة والمماثلة بين الذكر والأنثى منذ 1437 سنة فى أبلغ الألفاظ وأفصحها من قوله تعالى فى سورة آل عمران: ( {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم} . والمقصود بالذكر والأنثى فى هذه الآية من جنس بنى البشر. ولكن اطلاق كلمة ذكر ، وكلمة أنثى تشمل الإنسان والحيوان لمن له منهم أعضاء تناسلية ظاهرة يستخدمها كوسيلة عند الجماع. ولذلك كانت دراسات العلماء عن الفروق بين الذكر والأنثى فيما يخص الحيوان والإنسان دون غيرهما. أما باقى الكائنات الحية التى ليس لها أعضاء تناسلية أو النباتات فلا يطلق  عليها هذا المسمى ، ولكن يطلق عليها مسمى أزواج لقول الله عز وجل فى سورة الرعد: (وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي الْلّيْلَ النّهَارَ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ(3) وقوله تعالىفى سورة الذاريات ( {وَمِن كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ} وقوله تعالى فى سورة طه: ( {وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّن نّبَاتٍ شَتّىَ} ، وقوله تعالى فى سورة يس:{سُبْحَانَ الّذِي خَلَق الأزْوَاجَ كُلّهَا مِمّا تُنبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمّا لاَ يَعْلَمُونَ} .

كما أن النبي ﷺ لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.ـ كما ثبت ذلك في البخاري من حديث ابن عباس ، فلو كانا متساويين لكان اللعنُ  باطلاً ، ومعاذ الله أن يكون في كلام رسول الله ﷺ لغو أو باطل!

وإذا أخذنا بالقاعدة الأصولية  التى تنص على"أن الشرع لا يمكن أن يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين متناقضين" ، وبالنظر إلى بعض الاختلافات البديهية التى يعلمها القاصى والدانى ومن كان له أدنى نظر أو تحقيق لكل منالذكر والأنثى ، لوجدنا أن الأنثى ليست مماثلة للذكر فى بعض النواحى مثل : التركيب التشريحى ، وعلم وظائف الأعضاء (مثل كيفية حدوث الدورة الشهرية عند المرأة وكيفية الحمل والولادة والرضاعة وغيرهم مما تنفرد به الأنثى عن الذكر) ، وكذلك السلوك والميول والاهتمامات الشخصية منذ الصغر لكل منهما. بل إن هناك ثمة اختلافات فى الميول والنواحى الاجتماعية والانسانية والنفسية.

وجدير بنا أن نقول وبكل انصاف أن بعض ما جبل الله عليه الأنثى هو نوع من الكمال في حقها، وإن كان نقصاً في حق الرجال. كما أننا  نرى أن الضعف الخَلْقي والعجز عن الإبانة في الخصام عيب ناقص في الرجال ، مع أنه يعد من جملة محاسن النساء التي تجذب إليها القلوب برقة مشاعرها وجياشة أحاسيسها التى تطغى على قوة الإبانة عندها وهذا فى أغلب أمرها. وقد ذكر الله عز وجل هذا فى سورة الزخرف:  {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}  ، فتبين أن من جمال المرأة تنشأتها فى الحلية وحبها للزينة وإن لم تفعل ذلك لكان هذا من أسباب تنافر الرجال منها. فالرجل بطبيعته جُبل على حب المرأة المتزينة وعلى بغض المرأة المبتذلة ، كما أنه يميل للمرأة التى لا تجادل ، وينفر من المرأة المجادلة أو الأنانة أو الزنانة أو التى تريد أن تنازعه القوامة فى البيت والمعيشة.  هذا هو حكم الله القدري: أن الذكر ليس كالأنثى، وهذا حكم الأعلم بالحِكَمِ والمصالح ، هذا كلام الذي خلق الخلق، وعَلِمَ ما بينهم من التفاوت والاختلاف ألا تفكرت فى قوله تعالى فى سورة الملك: ( {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(14)} .

وقد تفرع على ذلك الاختلاف بين الذكر والأنثى جملة من الأحكام الشرعية. وإن كانا في أصل الخلقة سواء ، فآدم من تراب ، وحواء من تراب لأنها خلقت من ضلع آدم عليه السلام فهى قطعة منه تميل إليه ويميل إليها وصدق الله العظيم الذى بين فى صدر سورة النساء الآية الأولى ( {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} )وصدق رسوله الصادق الأمين ( «النساء شقائق الرجال» ([1]).

وهذه الآية المعجزة اشتملت الحقيقة الخالدة الدائمة عبر العصور كلها إلى أن تقوم الساعة وهي أن المساواة المطلقة الكاملة بين الذكر والأنثى غير ممكنة علما وواقعاً. لكنّ المساواة النسبية بين الجنسين هي التي يمكن تحقيقها على أرض الواقع ومن خلال دراسات العلماء.

لقد أخطأ كثير من الناس غربيين أو مستشرقين أو علمانيين حينما تصوروا أنّ الفروق بين الذكر والأنثى ما هي إلاّ فروق تشريحية وعضوية ، تتمحور حول حجم الأعضاء فقط ، فنظروا إلى المرأة على أنها "رجل صغير الحجم". ونسوا أنه يوجد تفاوت بين الجنسين بينه العليم الخبير فى القرآن الكريم من قوله تعالى فى سورة النساء: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ(34)} وهم الرجال (عَلَى بَعْضٍ) وهن النساء ، وقوله تعالى فى سورة البقرة : (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ(228)، وذلك لأن فى الذكورة رجحان عقلى ، وكمال فى البنية الجسمانية ، وقوة طبيعية على تحمل أصعب الشدائد ، وشرف وجمال. بينما الأنوثة رجحان عاطفى ، ونقص فى البنية الجسمانية ، وضعف طبيعي يجعلها تنهار ربما أمام أهون الشدائد ، كما هو محسوس ومشاهد لجميع العقلاء ، لا يكاد ينكره إلا معاند مكابر. بل إن الاختلاف فى بعض الأحكام الشرعية التى تخص الجنسين راجع إلى طبيعة الاختلاف البنيانى والعقلى والفسيولوجى  والطبيعى بينهما. وهذا الاختلاف في الأحكام الشرعية بين الذكر والأنثى راجع إلى مراعاة طبيعة المرأة من حيث خلقتها وبنيانها الجسمانى ، وتركيبها العقلي، والنفسي ، وغير ذلك من صور الاختلاف التي لا ينكرها العقلاء والمنصفون من أي مجتمع ريفى أو مدنى متحضر.

إن المتدبر لكتاب الله عز وجل يجد اختلافات فى الأحكام الشرعية للأنثى ذاتها ، وهذه الاختلافات تكون بحسب حالتها ، فنجد أن الزوجة المدخول بها تختلف عدتها فى حال الطلاق عن الزوجة الغير مدخول بها ، وتختلف عدة الحامل عن عدة الأرملة التى مات عنها زوجها. ومن بديع القرآن الكريم نجد أن الأنثى  لها عدة كلمات مترادفة من حيث الذات إلا أنها مختلفة من حيث مدلولها اللغوى فمثلا كلمة زوجة ، وإمرأة ، وأنثى ، لا يظن أحد أن أى من هذه الكلمات تخرج عن نطاق مفهوم الأنثى، إلا أننا مع التدقيق فى دلالات هذه الكلمات نجد أنها تختلف فى المعانى([2]

إن سنة الله عز وجل اقتضت أن يكون الرجل هو الذي يكدح ويتعب في تحصيل الرزق ثم يعود ليسكن عند زوجه بعد حركة ، ويأنس بعد فرقة ، تخفف عنه آلامه وتواسيه وتجبره بالبسمة والنظرة والكلمة الحلوة العذبة الطيبة. ولذلك جعل الله عز وجل الزواج آية من آياته فقال سبحانه وتعالى ( {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [(21) سورة الروم]

واقتضت حكمة الله عز وجل أن الرجل هو الذى يدفع للأنثى المهر ، ويؤسس بيت الزوجية ، لبيان اهتمامه بها وحاجته إليها ، ولا يكون ذلك إلا بالبذل والعطاء لها ، لكى يطمئن قلبها إليه ويحافظ هو عليها. بل قد يشاركها  في دفع الدية عند قيام المقتضي لذلك. هكذا يكون حال الرجل مع المرأة ينفق عليها أبا أو أخا أو زوجا.

والله عز وجل هو الذى خلق وحكم وعدل ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا قادح فى عدله فهو الأعلى على خلقه وفى تسوية الخلق والعدل بينهم كما فى سورة الأعلى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)} ، وهو الذى فرق بين الرجل والمرأة فى بعض الأحكام مثل التفريق في الشهادة من قوله عز وجل فى سورة البقرة: ( {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى(282)} ، وهذا التفريق فى شهادة المرأة عن الرجل ليس مطلقا ، بل هناك أحكام شرعية شهادتها فيها مثل شهادة الرجل تماما بتمام ، كشهادتها في دخول شهر رمضان فلو قالت  أنها رأت هلال شهر رمضان يؤخذ بشهادتها ويصوم المسلمون الشهر، وفي باب الرضاع ، والحيض ، والولادة ، واللعان وغير ذلك من الأحكام. بل جاءت أحكام تفرق بينهما تفريقاً تميزت فيه المرأة ، ومن ذلك: أن الجهاد لا يجب على النساء لطبيعة أجسادهن ، فسبحان العليم الحكيم الخبير. أما فى مسألة الدين فقد نصت الآية على أن شهادة الرجل بشهادتين من النساء لأن هذا الأمر (وهو الدين)  يخص الغير ، فلا ضرر ولا ضرار، عملا بالقاعدة الفقهية ، كما أنه يخص عصب الحياة وهو المال ، والمرأة محكومة بعواطفها أكثر من عقلها ، وهذه ميزة فيها وليست بنقيصة ، فإن حكمت بعواطفها فى مسألة الدين أضاعت المال وظلمت غيرها وظلمت نفسها ، ويكون هذا عبأ عليها فرفع الله عز وجل الحرج عنها ، وأمر المسلمين أن يستشهدوا برجل وإمرأتين أن تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى ،  فنعْمَ الرب ربنا عز وجل الذى وضع الضوابط  والقيود التى تصون للناس أنفسهم وأموالهم.

وتتوفر أدلة شرعية مستفيضة على أن الذكر ليس كالأنثى ، ومن توهم من الناس أنهما سواء فقد أبطل دلالة القرآن والسنة على ذلك ، بل يخشى عليه أن يكون من المكذبين الضالين ، بل  فقد أبطل دلالات العلم .

إن الفروق الجلية بين الذكر والأنثى تؤكد إعجاز هذه الآية كما تؤكد إعجاز قوله تعالى:( {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} )وليست المرحلة مقتصرة فقط على التركيب البيولوجي ، ولكنها أيضا تشمل تركيب النفس ، والقدرات العقلية للمرأة. فإذا نظرت في التاريخ وجدت أن أكثر النابغين في كل فرع من فروع المعرفة والاختراع والحياة من الرجال ، بينما النابغات من النساء في أي مجال من مجالات المعرفة أو الاختراع محدودات ومعدودات ، ونستطيع أن نذكر المئات من الرجال في كل فن من فنون المعرفة ، وفي قيادة الجيوش ، وفي الاختراعات ، وفي الصناعة ، وفي المال والاقتصاد. وإنه يسير عليك أن تعد العشرات من النساء في أي فن من هذه الفنون العامة من المعارف الإنسانية والصناعات والاختراعات. وتستطيع أن تعد عشرات الأنبياء والمرسلين وهم صفوة البشر، ولكنك لا تستطيع أن تعد واحدة تتصف بصفات النبوة والرسالة رغم عظم هؤلاء النساء وهن أمهات الأنبياء وزوجاتهم وبناتهم.

إن العذراء البتول مَريم سيدة النساء في زمانها، وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، لا يضارعهن أحد من النساء وفعال الواحدة منهن خير من آلاف الرجال ، لكن الحقيقة تبقى كما هي أنه لم ترقى واحدة منهن إلى مستوى النبوة لأنه ليس الذكر كالأنثى لشرف النبوة ومتطلباتها فى مواجهة أعداء الله ، والجهاد فى سبيل إعلاء كلمة الله ، والقدرة على التخطيط لمستقبل الأمة. وليس هذا قدحًا بالمرأة فإن أعظم العباقرة يتصاغر أمام أبسط الأمهات ، ولا يستطيع أعظم قادة الدنيا من الرجال أن يفعل ما تفعله أبسط النساء وأجهلهن، أنه لا يستطيع أن ينجب طفلًا ويحمله في بطنه تسعة أشهر، كما أنه لا يمكنه رضاعته وتربيته مهما كان له من معرفة ونبوغ ، كما أنه لا يطيق صبرا على شئ من ذلك. ووظيفة الأمومة لا يستطيع أن يقوم بها أي رجل مهما كان حظه عظيمًا فى الدنيا. ووظيفة الأمومة تتصاغر أمامها كل الوظائف الأخرى ويوصي الرسول أصحابه وأمته برعاية الأم بأضعاف أضعاف ما يوجبه للأب ، فعندما سئل المصطفى صلوات الله عليه من أحد أصحابه: من أحق الناس بحسن صحبتي ؟ قال المصطفى: «أمك ، قال ثم من ، قال أمك ، قال ثم من ، قال أمك ، قال ثم من ، قال أبوك([3])».

وإذا كان مطلب بعض السياسيين والاجتماعيين (سواء كان جهلا منهم أو لعلة نفسية عندهم) بمعاملة النساء والرجال بالتساوي باعتبارهما متساويين في الخلق ؛ على حين أثبتت الحقائق العلمية العكس: وإذا تجاهلنا الثوابت العلمية في هذا الخصوص، فيصبح المطلب إذن بمثابة أكذوبة بيولوجية ، وتكذيب للعليم الخبير الرب الأعلى ( {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)} سورة الأعلى ، وبهذا نقول لهم على أى أساس علمى بنيتم فكركم ورأيكم هذا؟. ألم تعلموا أنكم صرفتم النظر عن ثوابت علمية تتصل بخلق الجسد والدماغ لكل من الجنسين؟. فإلى متى التظاهر بتساوي النساء مع الرجال رغم اختلافهما بيولوجيًا؟ فالوقت حان لمراجعة الموقف التقليدي القديم حول مساواة المرأة بالرجل الذي عمّ أرجاء من العالم بسبب أن النساء خرجن من بيوتهن  ليزاحمن الرجال فى الأعمال ، وكان هذا نتاجا للحرب العالمية الأولى والثانية والتى قضت على معظم الشباب والرجال فنادت المانيا ومن بعدها أوروبا بخروج المرأة للعمل فى المصانع والشركات والمؤسسات الخدمية لاحتياج سوق العمل لهن فى ذلك الوقت ، ولما امتلأ سوق العمل بالرجال فى المانيا وأوروبا طالبت بعض النساء أمثال زغريد هونكة([4]) بعدم خروج المرأة للعمل إلا للضرورة القصوى. وحان الوقت لتصفية الخرافة الاجتماعية القائلة: الرجال والنساء متعاوضون ، أي يمكن قيام أحدهم بدور الآخر. ولكن إعلم أن الرجل يختلف عن المرأة ، مهما تحمست الدعوة إلى المساواة بينهما. إن الدعوة إلى المساواة بينهما هى دعوة باطلة لا سند لها من العلم وهى ظلم لكلا الجنسين. ألم تر أن المرأة تنفر من الرجل المخنث ، وأن الرجل ينفر من المرأة المترجلة ، فلو كانا فى الجنسين سواء فلم كان هذا النفور؟. وبالتدقيق العلمى فهما متساويان فقط باعتبارهما من نفس الجنس ، الجنس البشري. فكل من يدعو إلى تساوي المرأة والرجل في المدركات ، المهارات ، الاستعدادات ، السلوك ، فهو يدعو دون أن يدرك إلى بناء مجتمع على أساس كذب بيولوجي وعلمي.

وإنى فى هذا البحث آخذ بقلوبكم وعقولكم إلى مزية الإنصاف والصدق لتفنيد هذه الفرية ، فالجنسان متباينان ، والدماغان  مختلفان. فكما للمرآة جسد أنثوي فلها دماغ أنثوي ، وكما للرجل جسد ذكري فله دماغ ذكري. فيُصاغ دماغ الجنين الذكر إلى بنية ذكرية لتعرضه في الرحم إلى جرعات كبيرة من هرمون منشط للذكورة وهو هرمون التستوسترون ، حيث تقدر عمومًا كمية هذا الهرمون عند الذكر في سن البلوغ عشرة أضعاف الكمية عند الأُنثى، أو 1000% مما في المرأة. وأى أُنثى تتصرف تصرف الرجال ، فقد تعرض دماغها في الرحم إلى كميات غير اعتيادية من هرمون الذكورة.

والذين يريدون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا فى أى مكان كأنما يريدون من المرأة أن تكون سلعة رخيصة ، وملهاة للرجال ، ومشبعة لشهواتهم ، وأبى الله عز وجل إلا أن يجعل لها حياة كريمة بصون عرضها وعفتها وطهارتها.

ويتسائل هؤلاء الذين  يجهلون الحكمة من التشريع الإلهى أو الذين فسدوا فى اخلاقهم ودينهم لماذا التفريق فى الميراث؟ ولماذا لا تمارس المرأة حياتها مثل الرجال فتذهب للنوادى ، والملاهى الليلية ، وتلبس مثل الرجال وتتسكع فى الطرقات ، بل وتدخن الغليون والسيجار والشيشة ، وتشرب المخدرات والمسكرات مع أن كل هذه الموبقات محرمة على الرجال والنساء سواءا بسواء. إنهم طلبوا من المرأة ذلك لمرض فى أنفسهم ، ولقد حذر الله سبحانه وتعالى نساء النبى ﷺ والتحذير يشمل جميع النساء كما فى سورة الأحزاب (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32)،لأن الحكم الشرعى عام لجميع النساء ، فلا يفهم أبدا أن الحكم يخص نساء النبى فقط ، بل هن أمهات المؤمنين وقدوة لنساء العالمين ، وهل يكون بمفهوم المخالفة أن النساء من غير أزواج النبى يخضعن بالقول؟! (أى يرققن الكلام  ويليننه) فيَكُن نهبة للذين فى قلوبهم مرض ، وهذا فهم سقيم إذ ينادى بالفجور بين النساء ، وحاش لله عز وجل أن يطالب غير نساء النبى بالخضوع فى القول أو بالفجور أو السفور لأنها دعوة إلى الإباحية والفوضى.

  

مواضع المساواة بين الرجل والمرأة :

 

والذين ينادون بمساواة الذكر بالأنثى نقول لهم أأنتم أعلم أم الله؟ الذى بين فى كتابه العزيز مواضع المساواة بينهما ، كما بين عوامل التفرقة بينهما فى مواضع أخرى. فنجد الله سبحانه وتعالى وعز وجل جعل المساواة بينهما فى الأعمال والمجازاة عليها فى القرآن الكريم قال تعالى فى سورة آل عمران: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ(195)وقال تعالى فى سورة النحل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(97) وقال تعالى فى سورة غافر: (مَنْ عَمِـلَ سَـيّئَةً فَلاَ يُجْزَىَ إِلاّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ(40) فكل هذه الآيات تشير إلى مساواة الذكر والأنثى فى المجازاة على الأعمال لأن كلا منهما طولب بالصلاة والزكاة والصيام والحج وبالمعاملة الحسنة مع الآخرين. ولوكان ثمة تفريقا بينهم فى الأعمال التكليفية لهما لكان من الأولى أن يكون التفريق فى المجازة على الأعمال وحيث أنه لم يثبت التفريق فى الأعمال التكليفية ، فكانت المساواة بينهما فى المجازاة على الأعمال وهذا هو العدل الإنصاف. قد يقول قائل أن المرأة فى حال الحيض لا تصلى ولا تصوم!! وأقول هل يؤدى الرجل الصلاة وهو جنب ، أو يطوف بالبيت الحرام وهو جنب ؟ الجواب بالطبع لا إنه يغتسل أولا ثم يأتى بالعبادة على وجهها الصحيح بعد الطهارة ، فكذلك الحال بالمرأة تمنع من العبادة وهى فى حالة جنابة أو حيض أو نفاس يقول الله تعالى فى سورة البقرة: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222). فإذا كان النهى عن الصلاة والصيام والطواف  للنساء فى حال الحيض والنفاس ، فكان النهى مصاحبا أيضا للرجال بعدم القرب منهن فى هذه الحالات ولا يأتى الرجال النساء إلا بعد طهارتهن فتأمل هذا فإنه مفيد وفى غاية الأهمية.

تفسير قوله تعالى (وَلَيْسَ الذكر كالأنثى):

قال الفخر الرازى([5]) : فيه قولان الأول: أن مرادها (إمرأة عمران) تفضيل الولد الذكر على الأنثى، وسبب هذا التفضيل من وجوه:أحدها: فى شرعهم أنه لا يجوز تحرير الأناث دون الذكور.والثاني: أن الذكر يصح أن يستمر على خدمة موضع العبادة ، ولا يصح ذلك في الأنثى لمكان الحيض وسائر عوارض النساء.والثالث: الذكر يصلح لقوته وشدته للخدمة دون الأنثى فإنها ضعيفة لا تقوى على الخدمة.والرابع: أن الذكر لا يلحقه عيب في الخدمة والاختلاط بالناس وليس كذلك الأنثى.والخامس: أن الذكر لا يلحقه من التهمة عند الاختلاط ما يلحق الأنثى. فهذه الوجوه تقتضي فضل الذكر على الأنثى في هذا المعنى.

والقول الثاني: أن المقصود من هذا الكلام ترجيح هذه الأنثى على الذكر، كأنها قالت الذكر مطلوبي ، وهذه الأنثى موهوبة الله تعالى، وليس الذكر الذي يكون مطلوبي ، كالأنثى التي هي موهوبة لله، وهذا الكلام يدل على أن تلك المرأة كانت مستغرقة في معرفة جلال الله عالمة بأن ما يفعله الرب بالعبد خير مما يريده العبد لنفسه ا.هـ. وبمثله قال الزمخشريُّ([6]). وهذا ما تحقق من ولادة النبى عيسى بن مريم منهافكان وأمه آيتان للعالمين.  

 

من فوائد الشيخ الشعراوي([7]):

قال رحمه الله: قد قالت: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى)وقال الله:(وليس الذكر كالأنثى).إن الحق يقول لها: لا تظني أن الذكر الذي كنت تتمنينه سيصل إلى مرتبة هذه الأنثى ، إن هذه الأنثى لها شأن عظيم. أو أن القول من تمام كلامها: (إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى) ويكون قول الحق: (وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ)هو جملة اعتراضية ، ويكون تمام كلامها (وليس الذكر كالأنثى). أي أنها قالت: يارب إن الذكر ليس كالأنثى ، إنها لا تصلح لخدمة البيت.

وليأخذ المؤمن المعنى الذي يحبه ، وسنجد أن المعنى الأول فيه إشراق أكثر، أنه تصور أن الحق قد قال: أنت تريدين ذكرا بمفهومك في الوفاء بالنذر، وليكون في خدمة البيت ، ولقد وهبت لك المولود أنثى ، ولكني سأعطي فيها آية أكبر من خدمة البيت ، وأنا أريد بالآية التي سأعطيها لهذه الأنثى مساندة عقائد ، لا مجرد خدمة رقعة تقام فيها شعائر. إنني سأجعل من هذه الآية مواصلة لمسيرة العقائد في الدنيا إلى أن تقوم الساعة. ولأنني أنا الخالق، سأوجد في هذه الأنثى آية لا توجد في غيرها ، وهي آية تثبت طلاقة قدرة الحق. وهى أنثى وهي مريم ويأتي منها المسيح عيسى ابن مريم بلا ذكر. وهذه هي الآية في العالمين ، وتثبت قمة عقدية. فلا يقولن أحد: ذكرًا، أو أنثى، لأن نية امرأة عمران في الطاعة أن يكون المولود ذكرا، وشاء قدر ربكم أن يكون أسمى من تقدير امرأة عمران في الطاعة ، لذلك قال: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى).أي أن الذكر لن يصل إلى مرتبة هذه الأنثى أ.هـ.

وأقول هذا بيان فضلٍ لمريم عليها السلام إذ جعل الله لها حملا دون ذكر ، ومولودا دون أب ، فهل يأتى أحد من الرجال بمثل ماجاءت به مريم العذراء البتول؟ والجواب الذى لا مرية فيه لا يأتى أحد من الرجال بمثل هذا لأن الله فطرهم على عدم الحمل والولادة ، وهذا بيان فضل للأنثى لم يكن أبدا للرجال. وبيان فضل آخر لمريم عليها السلام أنها تلد نبيا بهذه الطريقة فيكون عيسى بن مريم نبيا من أنثى بلا زواج وهى عذراء بتول فلا نبى مثله إلا آدم عليه السلام إذ خلقه الله عز وجل من تراب وبلا أب أو أم ، ولذلك جاء قول الله عز وجل منبها على هذه الحقيقة لمن اتخذ عيسى ابن مريم إلها من دون الله ، لولادته بدون أب فقال سبحانه وتعالى وعز وجل فى سورة أل عمران (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)فتكون ولادته ونبوته عليه السلام معجزة ، كما أن خلق آدم عليه السلام معجزة وخلق كلاهما من التراب كما بين العليم الخبير سبحانه وتعالى وعز وجل.

التوجيه العلمى:

ذكر العالم ديل جوديك فى 2012  Del Giudice ([8]) أن المسافة بين المريخ وفينوس تعادل الفروق العالمية بين الجنسين.أثبت العلماء حديثا أن المرأة ليست كالرجل في أشياء كثيرة  اذ لها خصائص في بنيتها الجسمية,  والنفسية, والاجتماعية, ولها خصائص في قوة ادراكها, وفي طبيعة ادراكها. أهـ.

قال الدكتور/ محمد علي البار([9]) :إن الفروق الفسيولوجية الوظيفية والتشريحية بين الذكر والأنثى أكثر من أن تحصى وتعد،  وتظهر هذه الفروق على مستوى الصبغيات أو الكروموسومات التي تتحكم بالوراثة ، وكل خلية في جسم الإنسان توضح لك تلك الحقيقة الفاصلة بين الذكورة والأنوثة ، وتتجلى الفروق بأوضح ما يكون في نطفة الذكر (الحيوانات المنوية) ونطفة المرأة (البويضة)، ثم ترتفع الفروق بعد ذلك في أجهزة الجسم المختلفة من العظام إلى العضلات، وتتجلى كأوضح ما يكون في اختلاف الأجهزة التناسلية بين الذكر والأنثى ، ولا تقتصر الفروق على الجهاز التناسلي وإنما تشمل جميع أجهزة الجسم ، وجهاز الغدد الصماء هو أحد الأجهزة التي تتجلى فيها الفروق كأوضح ما يكون ، فهرمونات الذكورة تختلف عن هرمونات الأنوثة في تأثيرها اختلافا كبيرًا رغم أن الفرق الكيماوى بسيط ، ويتمثل في زيادة ذرة من الكربون وثلاثة ذرات من الهيدروجين إلى التركيب الجزئى في هرمون الأنوثة. وهذه ملاحظة أخرى هامة أشار إليها القرآن الكريمفى سورة البقرة (..وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ..(228) ، فهرمون الذكورة يساوي هرمون الأنوثة + مجموعة مثيلية ، وكذلك الجهاز التناسلي للرجل يساوى الجهاز التناسلي للمرأة + أعضاء اضافية.

والفروق بين الذكر والأنثى تتجلى في الجنين من الشهر الرابع ، حيث تتميز أعضاء الذكورة وأعضاء الأنوثة ، وحيث يكون المخ ومنطقة تحت المهاد قد تميزت تميزًا كاملًا بين الجنين الذكر والجنين الأنثى. وقد لاحظ العلماء والأطباء والمربون الاختلاف الشاسع في سلوك الأنثى، ولو كانا توأمين ، فالصبي عادة أكثر عنفا ونشاطًا وإدراكًا من أخته. وتستمر الفروق تنمو يوما بعد يوم حتى تبلغ أوج اختلافها عند البلوغ ، عندما تستيقظ الغدد التناسلية من هجعتها الطويلة وتنشط ، فترسل هرمونات الذكورة إلى الصبي ليصبح رجلا ، فينمو شعر عذاريه وذقنه وشاربه ، ويصبح صوته أجش غليظًا ، وتنمو عضلاته وعظامه وتقوى ، ويتوزع الدهن في جسمه توزيعًا عادلًا ، ويكون عريض المنكبين قوي الساعدين مفتول الذراعين. أما الفتاة فتنهمر عليها هرمونات الأنوثة ، فتنمو أثداؤها وأجهزتها التناسلية وتبدأ الحيض ، ويتوزع الدهن في جسمها بحيث يخفي أي نتوء أو حفرة لا ترتاح لها العين ، ويزداد الدهن في أرادافها وعجزها، وينعم صوتها ويصير رخيما، ليس هذا فحسب ولكن الهرمونات تؤثر في السلوك كما تؤثر في القوام والمشية ، فتجعل الفتى مقدامًا محبًا للمغامرة ، وتجعل الفتاة شديدة الخفر والحياء ، ميالة إلى الدلال والتغنج. اهـ.

ويقول الأستاذ عبد الرازق نوفل([10]): يصعب في جميع الكائنات الحية التمييز بين الذكر والأنثى بالشكل الظاهر، فغالبًا ما تتشابه الذكور مع الإناث تشابها يكاد يكون تامًا بحيث لا يمكن التفريق بينها إلا عن طريق الفحص الدقيق ، فيما عدا الإنسان إذ يختلف الذكر عن الأنثى في الشكل الظاهري اختلافًا كبيرًا بحيث يتبين الإنسان الذكر ، وتعرف الأنثى ، من النظرة العابرة السريعة. ولا يختلف الرجل عن المرأة في الشكل الخارجي فقط ولا في التركيب الداخلي علاوة على المظهر الخارجي فقط وإنما أثبتت الدراسات العلمية اختلاف الرجل عن المرأة اختلافًا كبيرًا في كل ناحية من النواحي وفي مختلف المناشط  أ.هـ.

يقول الدكتور الكسيس كاريل([11]) :

والواقع أن المرأة تختلف عن الرجل جد الاختلاف ، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها وهذا أيضا شأن أجهزتها العضوية وعلى الأخص جهازها العصبي. وأن دور الرجل في عملية التكاثر دور قصير الأجل ومحدود جدًا بينما دور المرأة يطول إلى تسعة أشهر تخضع فيها المرأة إلى هذا الكائن الجيني فتظل حالتها الفسيولوجية دائمة التأثر به والإناث لا تبلغ تمام نموها إلا بعد أن تحمل مرة أو أكثر فإذا لم تلد تصبح أقل اتزانا وأكثر عصبية.

ويقول الدكتور تيودر وايك:

 (لقد مارست التحليل النفسي خمسًا وأربعين سنة وأظن أنني يمكنني أن أقرر فيم يختلف الرجل والنساء. إن عواطف الغيرة في المرأة أكبر مما هي في الرجل، وقد يعتقد البعض أن الغيرة قد لا تكون شيئًا هامًا بحيث يلتفت إليه، ولكن ثبت أن الغيرة تصحبها انفعالات قاسية وتغييرات نفسية وجسدية معًا مما يؤدي تأثيرًا مباشرًا على اتزان الفكر ودقة الحكم. كما اثبت التحليل النفسي أن الرجال أكثر استعدادًا للاعتراف بالأخطاء من النساء، والاعتراف بالخطأ له تأثيره الكبير في خطة العمل في الحياة. ولا يقتصر الاختلاف بين الذكر والأنثى في ذلك فقط بل أنه يتعدى ذلك إلى السلوك في العمل فقد أثبتت التجربة لاسيما أخيرًا بعد أن شاركت المرأة بنصيب كبير في العمل أن هناك من الأعمال ما تجيده المرأة عن الرجل ، خصوصًا تلك التي تحتاج إلى صبر ووقت طويل ، وهناك من الأعمال مالا تستطيع المرأة وإن قامت بها كان إنتاجها فيها أقل من الرجل([12]).

وفى دراسة  لماكوبى وجاكلين من جامعة ستتانفورد عن الاختلافات الجنسية بين الذكر والأنثى: انّ علماء النفس, ولا سيما علماء نفس الطفولة والمراهقة يقرّرون أنّ الأنثى لها خصائص غير الخصائص البيولوجية المادية, أضف الى أنّ جسم الأنثى, وجسم الذكر يختلفان اختلافا بيّنا. فأبرز خصال سلوكية تميز الرجال عن النساء العدوانية والمغامرة ، والمخاطرة ، والمنافسة ، والجزم والإصرار والزعم ، والولوع إلى السلطوية ، هي خصال جُبلية غير مكتسبة: وإلى هذه الخصال تُعلّل هيمنة الرجال بدرجة كبيرة على مدار التاريخ. فالرجال لم يكتسبوا سلوكية المغامرة مثلًا عن طريق التعليم أو الممارسة أو نتيجة مؤثرات اجتماعية أو بيئية ؛ وليس في مدرسة درس يعلم المغامرة وتكتيكها ؛ بل حتى العلماء المختصين في مجال الفوارق بين الجنسين ، يقرون بأن هذه الخصال متميزة عند الرجال لأن نسبة هرمون التستوسترون عندهم عشرة أضعاف ما عند النساء([13]). 

وإليك دراسة حديثة في المملكة المتحدة مما يعزز خيار التعليم في مدارس لجنس منفرد وأفضليته على مدارس تعليم مختلط: أُجريت الدراسة على 100 مدرسة نموذجية ذات 12 درجة ، 10% منها فقط ذات تعليم مختلط و90% ذات تعليم منفرد (منها للذكور وأخرى للإناث). وبعد تفحص نتائج الاختبار السنوي ، ظهر أن النتائج لمدارس جنس منفرد للبنين 20% أفضل من نتائج بنين في مدارس مختلطة ، وذات الحال بالنسبة لإناث في مدارس للإناث مقارنة بنظيراتهن في مدارس مختلطة. وفي سنة 1996 أجريت مراجعة لنتائج اختبار سنوي لمدارس ثانوية للبنات ، فأظهرت تفوقهن على نظيراتهن لمدارس ثانوية مختلطة! لعلك أدركت أن المرأة بيولوجيًا تتميز على الرجل في نواحي تعدها لأداء الدور اللائق بها: فهي مثلًا تتميز في الإبصار المحيطي ، في الإبصار ليلًا ، السمع والتذوق واللمس ، الحدس ، مهارات اللغة واللباقة ، المقدرة على أداء أعمال متعددة ، التفاعل مع أفراد أعلى عن التفاعل مع أشياء ، النزعة نحو مجالات ذات طابع اجتماعي وشخصي ، أقل تقيدًا بالقواعد من الرجل ، ونحو ذلك: كل ذلك ضروري لأداء متطلبات البيت المتشابكة من ضمنها التربية والرعاية المباشرة للأطفال بخاصة تعلقهم الفطري الحاسم بالأم أكثر من الأب، بالإضافة إلى ممارسة نشاطات ذات طابع اجتماعي أو شخصي ، أو ذات طابع إنساني وخيري خارج قيود القواعد، أو القيام بأعمال مكتبية رتيبة. فدعنا نسلّم بحقيقة بيولوجية هي أن الرجل والمرأة لم يُخلقا متساويان؛ إنما خُلقا متكاملان، فتستمر الحياة على هذا المنوال.

قال ميشيل لَيفِن Michael Levin بروفيسور الفلسفة في جامعة مدينة نيويورك (New York city): أدركت أن معظم النساء يجدن في الأمومة رضاء تامًا، ومعظمهن كأمهات لا يتمتعن بالوالدية أكثر من الآباء فحسب ؛ إنما بالأحرى هن أفضل في أدائها ، أي هن أكثر ملائمة للوالدية من الآباء. فوقوف المرأة الأم على إطعام الجيل الخلَف وكساءهم وتربيتهم وتعليمهم هي مهمة رفيعة نبيلة ترقى على مهمة كسب المال من خلال العمل. اهـ.

قد يعجب كثير من الأزواج رجالًا ونساءً عندما يسمعون أن هناك فروقًا هامة بين الرجل والمرأة ، وأن فهم طبيعة هذه الفروق بين الجنسين من شأنه أن يغير حياتهم ، ويزيد من قدرتهم على التعايش الزوجي ، ويجنبهم الكثير من المشكلات والصعوبات ، والتي يمكن أن يؤدي عدم فهمها إلى تفكك هذه العلاقة الزوجية المقدسة. قد تستطيع المحبة وحدها حفظ الزواج لبعض الوقت، وإن كان زواجًا فيه الكثير من الخلافات والمشكلات ، وإنما لابد مع الحب من الفهم العميق والصحيح للفروق بين الرجل والمرأة ، ومعرفة الطريقة الأنسب للتعامل مع الجنس الآخر([14]).

 

الفروق بين الذكر والأنثى:

 

انّ قامة المرأة في جميع الأجناس أقصر من قامة الرجل وكذلك الوزن فهيكل المرأة العظميّ أخفّ من هيكل الرجل العظميّ وتركيب هيكلها يجعلها أقل قدرة على الحركة والانتقال, وعضلاتها أضعف من عضلات الرجل بمقدار الثلث, لكنها تفضله بنسيجها الخلويّ الذي يحتوي على كثير من الأوعية الدموية, والأعصاب الحساسة, ونسيجها الخلويّ يسمح لها باختزان طبقة دهنية,. وصدر المرأة, ورئتاها أقل سعة من صدر الرجل ورئتيه, لكنّ تنفسها أسرع من تنفّسه, وقلبها أصغر من قلبه, لكنّ نبضها أسرع من نبضه ([15]).

 

الفروق الإجتماعية والسلوكية بين الذكر والأنثى:

 

1- اختلاف القيم والنظرة إلى الأمور: فالرجل يخطئ عندما يبادر إلى تقديم الحلول العملية للمشكلات ، ولا يرى أهمية لشعور المرأة بالانزعاج أو الألم ، وهذا ما يزعج المرأة من حيث لا يدري. والمرأة تبادر إلى تقديم النصائح والتوجيهات للرجل ، وهذا ما يزعجه كثيرًا من حيث لا تدري. فالمرأة عندما ينتابها أمر أو تحل عليها مشكلة ، تحب أن تتكلم وتحب من يستمع إليها فإن ذلك يشعرها بالحب والرعاية ، ولا تطرح المشكلة للبحث عن حل وخصوصًا في بداية الطرح ولكن لتحس أن هناك من يهتم بها ويرعاها ويقدر ما هي فيه من البلاء. في حين أن الرجل عندما تنتابه مشكلة فهو يرى أن عليه المسئولية في حلها وأن أي نصح للمرأة في هذه الحالة دون طلب ذلك منه فإنه يشعره أنها ترى أنه عاجز وأنه غير قادر على حلها وهو بدوره يبحث عن الحل بنفسه أو يسأل من يظن أنه خبير ويستطيع الحل.

2- اختلاف الوسائل في التعامل مع المشاكل:فالرجل عندما يواجه مشكلة ما، فإنه يميل بطبعه إلى الانعزال بنفسه والتفكير بهدوء في مخرج من هذه المشكلة التي تواجهه ، بينما تميل المرأة إلى الرغبة في الجلوس مع الآخرين ، والحديث فيما يشغل بالها، والمرأة كلما كانت المشكلة كبيرة، شغلت بالها كثيرًا وكانت في حاجة إلى الكلام كثيرًا والعكس من ذلك الرجل.

3- اختلاف المحفزات والدوافع للعمل والعطاء: فالرجل يقوم ويعمل ويعطي ما عنده عندما يشعر أن هناك من يحتاج إليه. بينما تميل المرأة للعمل والتقديم والعطاء عندما تشعر أن هناك من يرعاها.

  1. القرب من الطرف الآخر:فعندما يقترب الرجل من المرأة يشعر بالحاجة الملحة للابتعاد لبعض الوقت ، وليعود للاقتراب من جديد ، مما يشعره باستقلاليته المتجددة ، بينما تميل المرأة في علاقتها ومشاعرها إلى الصعود والهبوط ، وفهم هذه الفروق يساعد المرأة على التعامل الأمثل مع الأوقات التي يميل فيها الرجل لبعض الابتعاد ، ويعين الرجل على التعامل الأفضل مع المرأة عندما تتغير فجأة طبيعة مشاعرها ، وكيف يقدم لها ما تحتاج في هذه الأوقات.

5- تقدير أعمال الآخر: حيث تقوم المرأة باعتبار تقدير كل العطايا وما يقدمه الرجل بنفس الدرجة تقريبًا، فمثلًا إذا اشترى لها مجوهرات بمبلغ كبير فقدره عندها كخاتم صغير من الذهب، بينما يميل الرجل إلى التركيز على عمل واحد كبير، أو تضحية عظيمة، ويهمل الأعمال الأخرى الصغيرة. وأخيرًا فالرجل يتصرف دائمًا وكأنه دومًا على حق، مما يشعر المرأة بعدم صحة مشاعرها وعواطفها.

6- اختلاف الحاجات العاطفية:فالرجل يحتاج إلى الحب الذي يحمل معه الثقة به وقبوله كما هو، والحب الذي يعبر عن تقدير جهوده وما يقدمه. بينما تحتاج المرأة إلى الحب الذي يحمل معه رعايتها وأنه يستمع إليها ، وأن مشاعرها تفهم وتقدر وتحترم. وبالطبع فهذه المعالم ليست كل الفروق بين الرجل والمرأة ولكنها أهمها ، وبداية حل أي مشكلة هي تفهم دوافع الطرف الآخر ما حملك على هذا؟ وفهم طبيعة وجبلة الطرف الآخر يعين على التفاهم معه.

.وقال عبدالله بن إبراهيم الطريقي ([16]):

خلق الله آدم عليه السلام ، وقدر أن يوجد له مخلوقًا يأنس به ويسكن إليه ، فخلق منه زوجه حواء ، كما أشارت إلى ذلك الآية من سورة الأعراف: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ(189). وجاء توكيد ذلك في أول سورة النساء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ...(1). وجاء في الأحاديث الصحيحة أن حواء خلقت من ضلع آدم ، كما في حديث: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا([17]وهذا يفيد أمرين:الأول: أن المرأة إنسان كالرجل. الثاني: أنها جزء من الرجل وفرع منه.

ولعل ما يؤكد هذه الحقيقة قوله عليه السلام: «إنما النساء شقائق الرجال([18].قال الخطابي في معالم السنن: أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شققن من الرجال. وعلى هذا لا فرق في القيمة الإنسانية بين الرجل والمرأة ، بل هما متساويان فيها ، مما يجعلهما مشتركان في جملة الفضائل الإنسانية ، التي أشارت إليها نصوص القرآن الكريم كقوله تعالى فى سورة الإسراء: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا(70). وقوله تعالى فى سورة التين: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(4) .وبرغم تلك المساواة في القيمة الإنسانية أو أصل التكوين ، إلا أنه مما تقتضيه الحكمة الإلهية، والخلقة الطبيعية أن يكون الزوجان- الذكر والأنثى- مختلفين في بعض الخصائص والمكونات، ولو كان الرجل والأنثى سواء في كل شيء لم يكن في التعددية فائدة ، لذلك لابد أن يقول العقل ومنطق الأشياء: إن بينهما اختلافًا في مجالي: الخلق والتكوين والخُلق والطبع.وقد يكون من غير الممكن هنا تفصيل ذلك عند علماء الطب والتشريح ، أو عند علماء النفس والأخلاق ، لكنني أشير إلى ماله صلة وثيقة بالتشريع، وهو علم اللغة الذي عني أصحابه بالموضوع عناية واضحة وبالغة.فابن سيده في (المخصص) بدأ بخلق الإنسان ، وذكر اسم كل جزء فيه ، ثم كل نعت فيه ، بما يشمل الذكر والأنثى ، ثم جاء بعنوان آخر هو: كتاب النساء ، حيث أورد ما فيهن من خصائص وسمات ، ثم نعوت وصفات ، مما يحمد أو يذم. وسبق ابن سيده علماء آخرون من أهل اللغة والأدب مثل الجاحظ وابن قتيبة ، كما يلحظ ذلك في كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة ، حيث خص النساء بكتاب مستقل سماه (كتاب النساء).

بل إن الأصل اللغوي لكل من لفظتي (الذكر، والأنثى) تعطي أبعادًا للمفاهيم، فالذكر: مأخوذ من الذكرة ، وهي القطعة من الفولاذ ، ويقال: حديد ذكر: أي يابس شديد ، ورجل ذكر: قوي شجاع. أما الأنثى، فمأخوذ من الأنوثة وهي الليونة ، يقال: أنّث في الأمر: لان ولم يتشدد، وأرض أنيثة: سهلة منبات([19]). ولعل من المناسب أن نتوقف عند بعض الخصائص التي وردت في الوحيين، والتي لا يختلف عليها مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر؛ لإيمانه وتسليمه بالوحي أولًا ، ثم لكون الخصائص هذه حقائق أكيدة ثانيًا.

 أن المرأة محل الزينة والجمال:(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ(14)الآية من سورة آل عمران. وفي الحديث: «حبب إلي من الدنيا النساء والطيب»، وهو ما عبرت عنه تلك المرأة التى سمعها عمر بن الخطاب رضي الله عنه تنشد

إن النساء رياحين خلقن لكم     وكلكم يشتهي شم الرياحين([20])

فأجابها عمر رضي الله عنه : 

إن النساء شياطين خلقن لنا     نعوذ بالله من شر الشياطين

      1.  والمرأة محل الحرث: وبيان ذلك من قوله تعالى فى سورة البقرة (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ(223). والجنين منذ مرحلة النطفة حتى ساعة الميلاد وهو يعيش في رحم أمه ، وهو معنى الحرث.
      2. وهي عرضة للطمث، والحمل والولادة والرضاع: لقوله تعالى فى سورة البقرة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ(222)، وقوله تعالى فى سورة لقمان (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ(14) ، وقوله تعالى فى سورة الأحقاف (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا(15)
      3.  وفي جنس النساء نقص أكثر منه في جنس الذكور: ففي الحديث الصحيح: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ" فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ" قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ" قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ" قُلْن َ: بَلَى، قَالَ: "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا([21])».وهذا النقص أمر نسبي ، في كل من الرجل والمرأة، ولكن في المرأة أكبر نسبة. ومما يؤكد وجود النقص في الرجل ، قوله ﷺ: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ([22]). فإذا كان كثير من الرجال قد كمل، فإنه يقابلهم كثير آخرون ناقصون. ومما يؤكد وجود خصائص في كل من الذكر والأنثى: قول الحق تعالى في سياق قصة مريم عليها السلام كما وردت فى سورة آل عمران: والشاهد هنا هو قوله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) وهو من تتمة كلام امرأة عمران، بعد الجملة الاعتراضية (وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ)وهي من كلام الرب تعالى. قال الطبري: فتأويل الكلام إذًا والله أعلم من كل خلقه بما وضعت، ثم رجع جل ذكره إلى الخبر عن قولها، وأنها قالت- اعتذارًا إلى ربها مما كانت نذرت في حملها فحررته لخدمة ربها (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)، لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمة بيت الرب، لما يعتريها من الحيض والنفاس.
      4. والنساء لهن خصيصة في اللباس تختلف عن الرجال: وبيان ذلك من سورة النور(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ(31).

مواطن التسوية والتفرقة([23]):

 

قال ابن القيم في رده على نفاة القياس عندما قالوا: إن الإسلام سوَّى بين الرجل والمرأة في العبادات البدنية والمالية كالوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج ، وفي العقوبات كالحدود ، ثم جعلها على النصف من الرجل في الدية والشهادة والميراث والعقيقة.فعلق ابن القيم على هذه المقولة بقوله: هذا من كمال شريعته وحكمتها ، ولطفها ؛ فإن مصلحة العبادات البدنية ومصلحة العقوبات، الرجال والنساء مشتركون فيها، وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة الصنف الآخر، فلا يليق التفريق بينهما، نعم فرقت بينهما في أليق المواضع بالتفريق، وهو الجمعة والجماعة. وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد التي ليس الإناث من أهلها، وسوت بينهما في وجوب الحج لاحتياج النوعين إلى مصلحته ، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة. وابن القيم يفصل هنا مواطن التسوية والتفرقة بين الجنسين. والنصوص الشرعية واضحة وقاضية في كلا الأمرين والمقام لا يتسع لإيراد التفصيلات ، لكن نشير إلى أهم مواطن الاختلاف بين الجنسين مما لا نزاع فيه بين أهل العلم في الجملة.ففي نظري أن القضايا والأحكام ذات العلاقة لها أنواع:

    1. تخفيف الحكم على المرأة من الوجوب إلى ما دونه ، مثل: صلاة الجمعة، والجماعة ، والجهاد.
    2. إسقاط الحكم التكليفي عنها ، مثل: عدم قضاء الصلاة بسبب الحيض والنفاس، وعدم النفقة على الزوج والأولاد.
    3. تأجيل الحكم التكليفي وتأخيره ، مثل: صيام رمضان بسبب الحيض والنفاس.
    4. تمييز المرأة بأحكام تتعلق بأنوثتها: كالحجاب، وإباحة التحلي بالذهب والحرير، وعدم حلق شعر الرأس ، وإرضاع الأطفال وتربيتهم.
    5. وضع أحكام احتياطية لصالح المرأة، مثل: عدم السفر إلا مع ذي محرم ، وعدم الخلوة بالرجل الأجنبي إلا مع ذي محرم ، وعدم التبرج ، وعدم الاختلاط في غير مواطن الحاجة.
    6. إسناد الأعمال القيادية للرجل دون المرأة، مثل: قوامة الرجل على المرأة ، ولزوم طاعة الزوج بالمعروف.ولاية النكاح.الولايات العامة للمجتمع (كالإمامة، والإمارة، والوزارة).

7- تحديد أنصبة أقل من الرجل، في الميراث، والديات والشهادة.

8- منحها حقوقًا مادية مثل: المهر، والنفقة.

وكل هذه الأحكام الخاصة بالمرأة، والتي تميزت بها عن الرجل هي عند التدقيق عين الحكمة ومقتضى العقل الصحيح.    

دراسات العلماء المحدثين:

لقد بدأت الدراسات على الاختلافات بين الجنسين الذكر والأنثى منذ عام 1966 على يد العالم Levine ليفين([24]).  وثمت اعتقادات ومفاهيم خاطئة كانت تدور بين الناس منذ القدم وحتى بعد دراسات العلماء  حتى نهاية القرن العشرين. وهذه المفاهيم الخاطئة([25]) نوجزها فيما يلى:

    • الفروق بين الجنسين الذكر والأنثى طفيفة وغير حقيقية
    • متوسط الفروق بين الجنسين ناتج من اختلافات فى التوزيع
    • أن الاختلافات فى الجنس الواحد أكثر من الاختلافات بين الجنسين
    • أن الاختلافات فى الجنسين من خلال الاختلاف فى هرمون الجنس وهذا المفهوم يشير إلى أن كل تركيب المخ فى الجنسين متشابهة إلا فى تأثير هرمونات الجنس
    • إذا لم يكن هناك اختلافات بين الجنسين فى السلوك يفترض أن المادة العصبية التى تحكم هذا السلوك متماثلة فى كليهما.  إلا أن قيام بعض العلماء بعمل مسح للمخ فى حال النشاط وحال الكسل بين الجنسين ،  ودراسة تركيب المخ بالرنين المغناطيسى وباستخدام تقنية البوزيترون للتفرقة بين الجنسين الذكر والأنثى فى أوائل القرن الحادى والعشرين قد صححت هذه المفاهيم ، وبينت بما لا يدع مجالا للشك أن الجنسين الذكر والأنثى مختلفين فى التركيب التشريحى للمخ ، وفى العمل الكيميائى والهرمونى للمخ ، وفى النواحى الوظيفة له.وللرد على هؤلاء الذين يشيرون إلى الفروق البسيطة بين الجنسين مما يجعلهما متساويين بنسبة كبيرة أحيلهم إلى نتائج الأبحاث العلمية فى أواخر القرن العشرين:

 

 

[1] ) الإمام الخطابي في معالم السنن

[4]) زيغريد هونكه هى كاتبة وأديبة ومفكرة تشهد لها أوروبا والعالم بذلك ، ( ولدت فى26  أبريل1913 في كيل – وتوفت فى  15  يونيو1999 في هامبورغ) كانت مستشرقةألمانية معروفة بكتاباتها في مجال الدراسات الدينية، وحصلت على شهادة الدكتوراه عام 1941.اشتهر عنها في آخر حياتها أنها كانت تنظر للإسلام نظرة معتدلة كما هو واضح من أشهر تراجم كتاباتها انتشارا في العالم العربي وهما )شمس العرب تسطع على الغرب) ، وكتاب )الله ليس كذلك)

 

[5]) تفسير مفاتيح الغيب للفخر الرازى

[6]) تفسير الكشاف للزمخشرى

[7] ) www.al-eman.com/الحاوي%20تفسير

[8] )Del Giudice, M.,Measuring Global Sex Differences in Personality, PLOS ONE, 2012; 7, 1-8.

[9]) خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د. محمد علي البار

[10] ) : من الآيات العلمية الأستاذ عبد الرزاق نوفل ...ص56 - 58

[12]) www.al-eman.com/.../الحاوي%20في%20تفسير

[13] ) Maccoby, & Jacklin,.The Psychology of Sex Differences Vol. 1 (Stanford Univ. 1974).

 

[14] ) www.al-eman.com/.../الحاوي%20في%20تفسير

[15] ) Geary, D. C. Male, Female: American Psychological Association, Washin.DC, 1998

[16] )  http://www.islamtoday.net/salman/services/saveart-43-3779.htm. عبدالله بن إبراهيم الطريقي هو الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء: وكتب هذا فى بحثه الأنوثة في نصوص الوحيين. وهذا البحث من موقع الشيخ سلمان بن فهد العودة

[17] ) رواه البخارى بسنده عن أبى هريرة :  4890 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الحديث

[18] ) قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 860 :قال في " الكشف " ( 1 / 214 ) تبعا لأصله : " رواه أحمد وأبو داود و الترمذي عن عائشة ، ورواه البزار عن أنس ، قال ابن القطان : هو من طريق عائشة ضعيف ، ومن طريق أنس صحيح " .

[21] ) رواه البخاري في صحيحه 1 /68 حديث رقم 304 بَابُ تَرْكِ الحَائِضِ الصَّوْمَ.، ورواه مسلم في صحيحه 1 /86 حديث رقم 79بسنده عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما: بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الْإِيمَانِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، وبَيَانِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْكُفْرِ عَلَى غَيْرِ الْكُفْرِ بِالله ِ، كَكُفْرِ النِّعْمَةِ وَ الْحُقُوقِ.

[22] ) هذا الحديث رواه البخاري (3411) ، ومسلم (2431) وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد والمصنفات من طريق شُعْبَةَ بن الحجاج، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،

[23] ) كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم – رد ابن القيم على نفاة القياس

[24]) Levine, S. Sex differences in the brain. Scientific American 214, 84–90 (1966).

[25] ) Larry Cahill1  Why sex matters for neuroscience Neuroscience 7, 477-484 (2006)

حنفي محمود مدبولى

- عضو الهيئة العالمية للإعجاز العلمي فى القرآن والسنة

  • 7
  • 4
  • 31,681

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً