{ قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض }
مّنْ يَألفُ الذُلَّ والاستعبَادَ، تَفسُدُ أخلاقُهُ وطِباعُهُ، وتهونُ عليهِ عِزَتُهُ وكَرامَتُهُ، ويَصعُبُ عليهِ البَذْلَ والتَضحِيةَ في سبِيلِها..
لقدْ دَعا مُوسَى عليهِ السلامُ قُومَهُ لدُخُولِ بيتِ المقدَّسِ، الذي كَتبهُ اللهُ لهم.. ولكِنَّهُم ارْتَدُوا ونَكَصُوا، ونَقَضُوا عَهدَهُم وتَراجَعُوا، وقَالوا مَقالتَهُم القَبِيحَةَ: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]..
لقَد تَنَكَروا لِرُبُوبِيةِ اللهِ، لأنَّهُ أمَرَهُم بالقِتالِ، ورِضُوا بالقُعُودِ، فلا يُرِيدُونَ رِضَا اللهِ، ولا يُريدونَ الـمُلكَ ولا الأرضَ الـمُقدَّسةَ.. فعاقَبَهُم اللهُ تعالى بجِنسِ عَملِهِم.. فكمَا تخلَّوا عن القِتالِ في سبيلِ اللهِ، فقد تخلَّى اللهُ عنهم، وكما ضَلُّوا باطِناً، فقد أضَلَّهُم ظَاهِراً، فجعَلَهُم يَتِيهُونَ في مَكانِهم الذي آثروا القُعودَ فيه، {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 26].. لقد حُرِموا دُخُولَ الأرضَ المقدَّسةَ، رَغْمَ أنَّها كانت مَكْتُوبةً لهم، وكانوا على وشَكِ دُخُولِها..
والحقِيقةُ أنَّ الذي حُرِمَ دُخُولَها، هوَ ذلكَ الجِيلُ الـمُعرِضُ الجبانُ.. الجيلُ الذي تَربَّي على الذُلِّ والهَوانِ، وألِفَ الخنُوعَ والإذْعَانَ..
وغَالِباً أنَّ مّنْ يَألفُ الذُلَّ والاستعبَادَ، تَفسُدُ أخلاقُهُ وطِباعُهُ، وتهونُ عليهِ عِزَتُهُ وكَرامَتُهُ، ويَصعُبُ عليهِ البَذْلَ والتَضحِيةَ في سبِيلِها..
وإلى أنْ يَنشَأَ جِيلٌ آخَرَ غَيرَ جِيلِ الذُلِّ والهوانِ.. جِيلٌ صَلْبُ الـمِراسِ، أَبُّي النفِسِ، حُرُّ الكرَامَةِ، عَاشِقٌ للعِزةِ والمعالي، قد تربَّى في خُشونَةِ الصَحراءِ، وعلى صَفاءِ البَداوةِ، وسَلامةِ المنهَجِ، ونَشأَ بعيداً عن كُلِّ ما قد يُكدِّرُ فِطرتَهُ، أو يُفسِدُ أخلاقَهُ وطبيعتَهُ..
إنَّها حِكمةٌ مَقصُودةٌ: فالأربعينَ سَنةً.. هيَ أقلُ فترةٍ زَمنيةٍ تَكفِي لفَناءِ جِيلٍ، ونَشأَةِ جِيلٍ آخرَ مكانهُ.. {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]..
فسُبحانَ اللهِ الحكِيم، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين..
________________________________________
الشيخ: عبدالله محمد الطوالة
- التصنيف:
- المصدر: