الإسلام دين يتجدد بالشافعي وأمثاله
قال الإمام أحمد لولا الشافعي ما تعلمنا فقه الحديث.. كان الفقه مغلقا علي أهله فقط حتى فتحه الله بالشافعي.. وقال ما مس أحد قلما ولا محبرة إلا وللشافعي في رقبته منه..
أيها الإخوة الكرام: اليوم موعدنا بعون الله تعالى لنتحدث عن منة من المنن وعن نعمة من النعم وهي بيان أن الإسلام بفضل الله تعالى دين يتجدد.. " {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق } " لن ينسى الإسلام يوما لن يندرس يوما ولن ينطفئ نوره يوما.
{يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}
قد يتشاغل المسلمون عن دينهم قد يتغافلون عن بعض أحكامه وقد يقصر المسلمون في بعض الواجبات وقد تكون علي تصرفاتهم بعض علامات الاستفهام.. لكن يبقي الدين في القلوب حيا إذا أنعشته انتعش وإذا حركته قام وانتفش
الذنوب تضعفه والتوبة تجبره
المعاصي تزلزله والاستغفار يرممه
الغفلة تفسده والانابة تصلحه يبقي قابلا للتجديد والإصلاح والترميم والحياة من جديد
ورد في سنن أبي داود وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال " «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها » "
قلت وأول مجدد فيما أري هو قائد هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله معلما وموسعا ومجددا ففتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وفي التنزيل الحكيم " يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم"
وضرب من نفسه المثل حين قال لأصحابه لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة فمنهم من أدركته العصر في الطريق فصلاها في الطريق وقال فهمت من كلام رسول الله أن نعجل المسير إلي بني قريظة
ومنهم من قال لن أصلي العصر الا في بني قريظة..فلما علم رسول الله أقرهم علي أن توسعوا في فهم النص ولم يعنف أحدا منهم..
والتوسع في فهم النصوص تجديد يؤكد سماحة الإسلام وسعته وقوته..
قال النبي عليه الصلاة والسلام " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها "
هذا الحديث من جهة الثبوت هو في أعلي درجات الصحة..ومن جهة الرواة فرجاله كلهم ثقات بفضل الله تعالى
أما عن كلمات الحديث " «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها» "
ففيها دلالات عظام وفيها بشارات كرام
فيها بيان أن هذا الدين محفوظ بحفظ الله تعالي إلي يوم القيامة
وفيها بيان أن الخير في أمة محمد صلي الله عليه وسلم باق ما بقيت السموات والأرض
وفيها بيان أن هذه الأمة أمة مرحومة لا يجمعها الله تعالي علي ضلالة " {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } "
وفي الحديث أيضا بيان أن رسالة الإسلام هي آخر رسالات السماء فلا رسالة بعدها ولا نبي بعد نبيها ولا كتاب بعد كتابها ومن هنا كان الإسلام وسطا وكان الإسلام مرنا وكان صالحا مصلحا لكل زمان ومكان..
قد يكون فينا تقصير قد نكون عنه في غفلة لكنه يبقي في القلوب حيا فطوبي لمن أحياه قال النبي عليه الصلاة والسلام " «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبي للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس.. وفي رواية فطوبي للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي» "
وهذا هو المقصود بالتجديد..( إصلاح ما أفسده الناس.. إحياء ما مات من السنن في تعاملات الناس وإحياء الفهم الصحيح لها وترجمة نصوص الشرع وتحويلها إلي واقع وإلي منهج حياة "
فليس معني التجديد أن نأتي بدين جديد وليس المقصود أن نهدم ثوابت الدين وليس المقصود أن نستبدل الدين بغيره وليس المقصود بالتجديد أن نميع الدين أو أن نخلع قلادة الإسلام من أعناقنا
وإنما المقصود بالتجديد أنه كلما انحرف الناس عن صحيح الدين سخر الله لهم من عباده المؤمنين علماء وفقهاء يبصرون الناس من جديد بكتاب الله وبسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي الحديث " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين "
فإذا نسي الناس فإذا غفلوا فإذا انشغلوا أيقظهم الله تعالي ببعض عباده المؤمنين علماء وفقهاء علي حد قول عمر " الحمد لله الذي امتن علي العباد في كل زمان فترة من الرسل ببقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلي الهدي ويصبرون منهم علي الأذي ويحيون بكتاب الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه بذلوا دمائهم وأموالهم دون هلكة العباد فما أحسن أثرهم علي الناس..
قلت يفعلون ذلك بحول الله تعالي وقوته ولسان حالهم ومقالهم عليكم بسنة رسول الله وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار..
إذا كانت النبوة قد ختمت وإذا كانت ختامة الرسالات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلايزال الله تعالي بفضله وكرمه وإنعامه يصطفي من بيننا علماء وفقهاء يقولون الحق ويصدعون به لا يخافون في الله لومة لائم يدعون الناس إلي ما كان يدعوهم إليه النبي محمد صلي الله عليه وسلم يضع الله لهم القبول ويفتح علي أيديهم القلوب والعقول والأسماع والأبصار قال رسول الله " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها "
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يستعملنا خدما لدينه وسنة نبيه وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضاةين ولا مضلين..
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن الإسلام وعن أنه دين واسع شامل كامل يتجدد ويصلح لكل زمان ومكان بقي لنا أن نقول إن من أبرز المجددين لهذا الدين ناصر السنة محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله..
طلب العلم والفقه والحديث علي يد كبار الفقهاء وقبل منهم فقههم وفهمهم واختلف معهم في بعض المسائل وأبي أن يكون مقلدا فنهض مجددا مؤسسا مذهبا جديدا في الفقه..
أسس في العراق مذهبا فقهيا يتناسب وأحوال الناس في العراق فلما قدم مصر أسس مذهبا جديدا يتناسب أيضا وأحوال الناس ومصالح العباد في مصر وذلك بما يتناسب مع شرع الله والفهم الصحيح الواسع لسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم والتي تراعي أحوال العباد والبلاد أسس هذا وذاك علي قال الله وقال رسول الله حتي قال إذا رأيتم كلامي يخالف حديث رسول الله فاعملوا بحديث رسول الله واضربوا بكلامي عرض الحائط..
قام شارحا ومؤسسا لأصول الفقه وفاتحا لباب الفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ملأ طباق الأرض علما
قال الإمام أحمد لولا الشافعي ما تعلمنا فقه الحديث.. كان الفقه مغلقا علي أهله فقط حتى فتحه الله بالشافعي.. وقال ما مس أحد قلما ولا محبرة إلا وللشافعي في رقبته منه..
وقال غيره كان أصحاب الحديث رقودا فأيقظهم الله بالشافعي فاستيقظوا..
رحم الله الشافعي وجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاء.
- التصنيف: