بعض مما قدمته الرسالة النبوية للمرأة
المرأة المسلمة كانت إلى جانب الرجل المسلم في مختلف مراحل الدعوة الإسلامية مهاجِرةً بدينها، ومشارِكة في إبداء الرأي والمشورة والبيعة للحاكم، والاعتراض عليه إن اعتقدتْ أنه أخطأ، وهناك أدلة عدة؛ أسوقُ منها ذلك الحوار...
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
المرأة مخلوق جميل وشفاف، وبين كل مخلوقات الله الذكور أجمل من الإناث؛ إلا في الجنس البشري المرأة هي الأجمل، والأكثر رقة، والأصدق عاطفة، وهي مادة الأدب العالمي عبر التاريخ، والفرق بينها وبين الرجل كالفرق بين الشعر والنثر؛ فالروح تتذوق الشعر بأقصى درجات الرهافة، وتتذوق النثر بدرجة أقل بكثير، والمرأة جمالها لوحة شاملة للجمال في الروح والجسد؛ ولأنها كذلك فهي مادة الأساطير، وقطرات الندى التي تمنح الحياةَ نضارةً لا تتوقف.
من هنا فإن حرمانها من خياراتها في الحياة؛ تلك الخيارات التي كفلها لها الإسلام بما أوحى الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من نص قرآني منزل، وبما أجرى على لسانه من حديث شريف، وعلى يديه من سلوك تطبيقي لذلك، وما تلا ذلك من تطبيقات ميدانية في عصور الإسلام الذهبية...
وأول تلك الحقوق وأهمها:
اختيار شريك حياتها؛ لأن حرمانها هذا الحق هو قتل بارد لروحها قبل جسدها.
وقاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتِه وقاتلُ الرُّوحِ لاتدري به البشَرُ
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: «الثَّيِّبُ أحقُّ بنفْسِها مِن وليِّها، والبِكْرُ يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنُها صمتُها»، ومن هنا سأضرب أمثلةً علَّ البعضَ المتعصِّبَ بجهالةٍ يستفيد منها؛ حيث وَرَدَ أنَّ فتاةً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو له أنَّ والدها يُجْبرها على القبول بمَن لا تريده، فأقرَّها النبيُّ على موقفها؛ (حيث روى البخاريُّ؛ أن خنساءَ بنتَ خدام الأنصاريةَ أَنكحها أبوها كارهةً، فرَدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك). وهذا درسٌ يهمله الكثيرون ممَّن يجلدون المرأةَ بعصَا تَصَلُّبِهم، وفي التعامل مع المرأةِ زوجةً الكثيرُ مِن التوصيات النبوية، التي تحضُّ على مُراعاةِ طبيعتها، فأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرجلَ بأن يُحسن مُعاشرتها، وأنْ لا يَقَعَ عليها كالبهيمةِ؛ بل اعتَبَرَ أنَّ مِن نواقِص الرجولةِ أنْ يَبْلغ الرجلُ النشوةَ دُون أنْ يُبلغها لزوجته، وفي ذلك نصوصٌ صريحة ....
وفيما يخُص استمرارَ الحياةِ الزوجية بين زوجين غير منسجمين؛ فإنَّ الإسلام الذي أعطى للرجل حقَّ الطلاقِ، فهو لأن الرجلَ أكثرُ تحكُّمًا بالشأنِ العاطفيِّ، وجعَله؛ أي: الطلاقَ، أبغضَ الحلالِ كي لا تصبح المرأةُ أُلعوبةً بيدِ الرجل، وأعطى للمرأة أيضًا حقَّ طلبِ التطليق والمخالعة:
عن ابن عباس: أنَّ زوجَ بريرةَ كان عبدًا يُقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خَلْفَها يبكي، ودموعُه تسيل على لحيتِه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعباس: يا عباس! ألا تعجب مِن حُبِّ مغيثٍ ببريرةَ، ومِن بُغضِ بريرةَ مُغيثا؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أرجعتِه؟» قالت: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: «إنما أنا أشفع» قالت: فلا حاجةَ لي فيه. لمَّا علمَتْ أن كلامه ليس أمرًا، وإنما هو مشورة تخيَّرَتْ.
وجاءت امرأةُ ثابتِ ابنِ قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دِين، ولا خُلُق؛ إلا أني لا أحبه. فقال صلى الله عليه وسلم: «فتردين عليه حديقته»؟ فقالت: نعم. فردت عليه حديقته، وأمَره ففارقها.
إن الإسلام الذي أَمَرَ الزوجَ بإحسانِ معاشرةِ زوجتِه في مثل قوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف}، وفي قوله أيضا: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «استَوصُوا بالنساء خيرًا»، وقوله: «خيرُكم خيرُكم لأهله»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «رِفْقًا بالقوارير»، وأَمَر بأن لا يُضارَّ الرجلُ امرأتَه؛ فيُمسكها إيذاءً لها، وتعذيبًا لإنسانيَّتِها، وإهدارًا لكرامتها، فقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].
أما التعددُ فهو حقٌّ أعطاه الإسلام للمرأة وفق منهج سليم يكفل للمرأة أن تكون زوجة ثانية، لها ما للأولى من حقوق، بدلاً من التعدد المقنَّع بتعدُّد الخليلات الذي مِن خلاله تَمنح المرأةُ المتعةَ لرجلٍ متزوج مِن غيرها، وتحصد الخيبة؛ فلا حقوق لها، وإن حملتْ أُجهضَت وعرَّضت نفسها للموت.
واشترط الإسلام العدل بين الزوجات؛ قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن كانت له امرأتان يميل لإحداها على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطًا أو مائلًا».
وفي صدرِ الدولِ الراشدة أمثلةٌ لحُسْن التعامل مع حاجات المرأة؛ منها مايُروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ أنه كان يتفقَّد أحوالَ الرعية ليلًا، فسمع صوت امرأةٍ تُنشد:
تطاوَل هذا الليلُ وازورَّ جانبُه وأرَّقني ألا خليل أُلاعُبه
فواللهِ لولا اللهُ تُخشى عواقُبه لحُرِّك مِن هذا السرير جوانبُه
فسأل عمرُ رضي الله عنه عنها؟ فقيل له: إنها زوجةُ فلان، وله في الغزو ثمانية أشهرٍ، فأمَر عمرُ رضي الله عنه؛ أن لا يغيب الرجلُ عن زوجته لفترات طويلة، وكان ذلك أول نظام إجازات في تاريخ الجيوش.
هذا وفي تفقدٍ آخرَ سمِع امرأةً تُنشد:
فمنهنَّ مَن تُسقى بمسكٍ وعنبرٍ ومنهنَّ مَن تُسقى بنافخِ كير
فاستدعاها عمر رضي الله عنه، وسأل عن الموضوع؟ قالت: يا أمير المؤمنين، زوجي فيه ازورارٌ في وجهه، ورائحة فمه كريهة!! فطلب منه أن يأخذ مبلغًا مِن المال ويطلقها، فوافق. وذلك درس يدل على أهمية إيلاء العلاقة الإنسانية الحميمة بين الرجل والمرأة ما تستحق من أهمية؛ جنبًا إلى جنب مع قضايا المجتمع، ومِن أعلى مستويات الدولة؛ ذلك لأن هذه العلاقة أساسُ استقرارِ الأسرة، وبالتالي، وببساطة أساس استقرار المجتمع.
وكما قال الشاعر:
مخافة ربِّي والحياءُ يعفُّني
وإكرام بَعْلي أن تُنال مراتبُه
والمرأة للصفات تلك يجب أن تعامل بما يناسب تلك المزايا، التي تجعلها لا تعطي عصمتها إلا لمن يستحق من الرجال، وهي شجاعة بإبداء مايعتلج، فيقلبها مِن عاطفة، ولكن بطريقتها بحيث لا يخطئ فهمها أحد.
هذه أمثلة ليست إلا غيضًا مِن فيضٍ عن بعض حقوق المرأة في الإسلام، أعمتِ الثقافةُ الاستشراقيةُ أعيُنَ أبنائها عن رؤيةِ هذه الأمثلة وغيرها. و في المقام الثاني هناك حقوق أخرى للمرأة في الإسلام أيضًا؛ منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- حق التملك والميراث: وهنا نستعرض عدة نماذج:
النموذج الأول:
في توريث الأب لأبنائه: للذكر مثل حظ الأنثيين، كما في قوله تعالى:
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]
وهنا نحن أمام قاعدة ذهبية؛ فالذكر في الإسلام مسؤول عن دفع مهر الزوجة، وعن الإنفاق عليها؛ فأعطاه الله من ميراث أبيه حصة له، وحصة لامرأة أخرى من غير صلب أبيه؛ وهي زوجته، وأعطى لأخته نصف حصته؛ لتعيش كريمة إن لم تتزوج، وإن تزوجتْ فإن رجلًا آخر سينفق عليها، وتبقى حرة في حصتها من أبيها ....
أيها الناس، هاتوا لي شريعة أكثر إنصافًا للمرأة من الإسلام!!
النموذج الثاني:
إذا تَرَكَ الميتُ أبًا وأُمًّا، ورث كلٌّ مِن أبويه سدسَ التركة، دون تفريق بين ذكورة الأب، وأنوثة الأم، وذلك عملًا بقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11].
النموذج الثالث:
إذا تَرَكت المرأةُ المتوفاةُ زوجَها وابنتَها، فإنَّ ابنتها ترث النصفَ، ويرث والدُها الذي هو زوج المتوفى الربعَ؛ أي: إن الأنثى ترث هنا ضعف ما يرثه الذكر.
إذا ترك الميتُ زوجةً وابنتين وأخًا له، فإن الزوجة ترث ثمن المال، وترث البنتان الثلثين، وما بقي فهو لعمِّهما، وهو شقيقُ الميت، وبذلك ترث كل مِن البنتين أكثر مِن عمِّهما وهو ذَكَر.
ولأن الإنفاق على المرأة في الإسلام مسؤولية الزوج إن كانت متزوجة، ومسؤولية الأب، وبعد وفاته مسؤولية الإخوة فإن المرأة تكون حصلت على حصتها من الميراث؛ مُعفاة مِن أي التزام؛ ذلك لأن مجالات التكسب والعمل عند الرجل أكثر اتساعًا منها عند المرأة.
2-حق العمل:
وقد أَوْكل الشرعُ الإسلامي للمرأة أقدَس الأعمالِ على الإطلاق؛ فهي مربية الجيل، وبالتالي صانعة مستقبلِ الأمَّة - هذا داخل المنزل - أما خارجه فلم يمنع الإسلام المرأة من القيام بالعمل الذي يناسب طبيعتها كالتمريض، حتى في ساحات القتال؛ مثل رفيدة رضي الله عنها التي كلفها النبي صلى الله عليه وسلم بتمريض سعد بن معاذ رضي الله عنه، الذي أصيب بجروح بليغة في غزوة الخندق.
كما أن نساء الأنصار كنَّ يعملن بالزراعة جَنْبًا إلى جنب مع أزواجهن.
3- حق التعليم:
عن أبي سعيد الخدري، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ذهبَ الرجالُ بحديثك؛ فاجعل لنا من نفسك يومًا فقال: «اجتمِعن في يوم كذا وكذا...» فاجتمَعن فأتاهنَّ. رواه البخاري، ومسلم.
هذا والنصوص التي تحض على العِلم كانت موجهة للمسلمين ذكورًا وإناثًا.
4- الحقوق السياسية:
المرأة المسلمة كانت إلى جانب الرجل المسلم في مختلف مراحل الدعوة الإسلامية مهاجِرةً بدينها، ومشارِكة في إبداء الرأي والمشورة والبيعة للحاكم، والاعتراض عليه إن اعتقدتْ أنه أخطأ، وهناك أدلة عدة؛ أسوقُ منها ذلك الحوار الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وهندِ بنتِ عتبة، عندما رآها بعد فتح مكة مع بعض النساء اللواتي اعتنقن الإسلام، وذكر لهن ما لهن وما عليهن، وسألته سؤالها الشهير: أوَتزني الحرةُ، يا رسول الله؟
ومثال آخر عن المرأة التي وقفَت تردُّ على عمر رضي الله عنه؛ قائدِ أقوى دولة في ذلك الحين، فقال: أخطأ عمر، وأصابت امرأة. والحوار كان في المسجد؛ وهذا يعني أن المرأة كانت تذهب للمسجد لتصلي وتناقش.
أما موضوع القوامة، فهو ضرورة أن يكون للأسرة التي هي مؤسسة تربوية منسِّق وقائدٌ، والرجلُ أحقُّ؛ لأنه المطلوب منه أن ينفق على الأسرة؛ زوجة وأبناء، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
هذا بعضُ ما أعطَى نبيُّ الإسلام للمرأة عبر ما أُوحيَ إليه مِن النص القرآني بهذا الخصوص، وما تركه لنا من الحديث النبوي، والتطبيق الفعلي لذلك في زمن النبي، وصحابته مِن بعده. أما مَن يفهم تلك الآثار فهمًا مغلوطًا فهو أول مَن يُسئ للإسلام قبْل أعدائه مِن الخارج، لأننا مطلوب منا أن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء؛ لأن الله أمرنا بذلك في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فمطلوبٌ مِنا طاعته لأنه إمامنا، وقائدنا، وشفيعنا، وهو معلم الناسِ الخيرَ، ونفديه بأرواحنا وأموالنا وآبائنا وأمهاتنا وأزوجنا وأبنائنا:
بأبي وأمي يا رسول الله إن هزئت بقدرك ثلة السفهاء
تبًّا لما زعموه من حريةٍ تفضي إلى الحرية الحمراءِ
أرواحنا تهدى إليك رخيصةً إن أمعن السفهاء باستهزاءِ
ولمن يدفن أحاسيسَه في رُكام رجولةٍ كاذبةٍ مِن أبناء ديننا - أقول: المرأةُ أمٌّ، الجنةُ تحت أقدامها، أو أختٌ جارةٌ في رحم واحد، أوبنتٌ ثمرة قلبٍ خافق، أو زوجةٌ تهب الحياةَ الدفءَ والحنانَ والسكينة.
ولضحايا الثقافة الغربية من أبنائها ومن أبنائنا أقول: إن الثقافة الغربية مليئة بالمغالطات حول حقوق المرأة في الإسلام؛ ذلك لأنها ثقافة تريد النزول من مقام حرية الروح والمضمون إلى درك حرية الشكل فقط، والغرب نفسه اليوم يدرك إلى أي مدًى وصلت إليه حضارته المعتمدة على ذلك - رغم اعترافنا للغرب بأنه قدَّم مدنية علمية غير مسبوقة؛ إلا أنها كما أعطت الدواء الجيد لكل مريض، ووسائل الحياة المرفهة؛ إلا أنها أي: هذه المدنية اخترعت وسائل التدمير الشامل بشكل غير مسبوق، ومن أبرز مميزات هذه المدنية الغربية القائمة على حرية الشكل والغريزة: هو ما نراه اليوم من أمراض فتاكة وفي مقدمتها الإيدز؛ فمن يقفز على قيم الإسلام فهو ينتمي لقلة حاقدة، أو لكثرة منقادة بجهل، لا تعرف من الإسلام إلا الاسم، وعلينا تبصيرُها. والله الموفق.
____________________________
د. محمد رائد الحمدو