من مواقف النبل والشرف فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم
إن المسلم النبيل يتواضع وهو عظيم ، ويؤثر وهو محتاج ، ويذكر أحبابه وإخوانه حين تبتسم له الحياة ، فيمنحهم رفده ، ويؤثرهم بمعروفه
- التصنيفات: السيرة النبوية -
لاتجدها فى سيرة غيره ولو كان من الأنبياء فضلا عن أن يكون من الدعاة والمصلحين .
ولو أردنا أن نتتبع مواقف النبل والشرف فى سيرة النبى ﷺسيهولنا كثرة المواقف فى سيرته ﷺ.
فمن مواقف نبله ﷺ : أنه كان مع علو قدره وعظيم شرفه يتواضع لأصحابه ، فيجلس معهم كأحدهم ، حتى يأتى الغريب فلا يعرفه أيهم هو حتى يسأل أيكم محمد بل من عظمته ونبله ﷺ أنه كان يقول آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد .
أرأيتم نبلا كهذا النبل ؟
إن النبى ﷺ كان من اشرف بيت من بيوت العرب ولو شاء أن يفخر بانتمائه إليه لما أنكر أحد عليه ،ثم نبوته ورسالته التى لا مكانة فوقها ، لكن النبى ﷺلم يفخر على أحد بل تواضع حتى جلس جلسة العبد وأكل كما يأكل العبد .
ولما أتى إليه رجل فجعل ترعد فرائصه قال له النبى ﷺهون عليك فإنى لست بملك أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد ، إنه يخفف من الهيبة التى ألقيت فى قلب الرجل حتى كادت تهلكه ، ولا يدع الرجل تتملكه الهيبة حتى تذهب بعقله .
ومن مواقف نبله وشرفه ﷺ ماورد أنه ﷺ لمانسجت له امرأة من أصحابه بردة وجاءت يها إليه فأهدتها إليه ، فلبسها النبى محتاجا إليها ، فقال رجل من أصحابه : ما أجمل هذه البردة أكسنيها ، فقال النبى ﷺ أفعل ، فقام فخلعها ثم أعطاها للرجل . فانظر إلى قول الراوى : لبسها محتاجا إليها ، فرسول الله كان محتاجا لها ، ومع ذلك يؤثر صاحبه بها ، ويقدمه على نفسه ، هذا لعمرى أعظم النبل والشرف ، أن تمنح غيرك ماتشتد حاجتك إليه ، هذا فى دنيا الناس قليل ، بل ربما يكون معدوما .
ومن مواقف نبله ﷺ ماورد أن جابربن عبدالله رأى مايعانيه النبى ﷺ من الجوع وهو يحفر الخندق ، فاستأذن رسول الله فى الذهاب إلى بيته وأمر زوجته أن تعد طعاما فأعدت طعاما قليلا لا يكفى إلا لرجلين أوثلاثة فجاء جابر فأسر إلى رسول الله ﷺ وطلب منه أن يأتى وينتقى رجلين أو ثلاثة ، فصاح النبى فى أهل الخندق : ياأهل الخندق لقد صنع لكم جابر طعاما فقاموا جميعا مع رسول الله فأكلوا.
فهنا نرى النبى ﷺ يأبى أن يستأثر بالطعام دون أصحابه ، ولو فعل لكان له عذر ، إذ أن صاحب الدار قد خصه بالدعوة ومعه رجلين أوثلاثة فقط ، والمدعو إلى دار غيره لايملك أن يصرف الأمور فى دار غيره كما يفعل فى داره ، فلو قام النبى وحده لما لامه أحد(وحاشاه ) على فعله فله فى فعله لو فعله حجة قوية ، لكن النبى ﷺ يدعوا أصحابه ، ليأكلو كما سيأكل هو ، وهذه من أمارات عظمته ﷺ .
وأيضا قد ورد فى صحيح مسلم عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ، فَصَنَعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ: «وَهَذِهِ؟» لِعَائِشَةَ، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا» ، فَعَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذِهِ؟» ، قَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا» ، ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذِهِ؟» ، قَالَ: نَعَمْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَامَا يتدافعان حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ . فهذا الجار الفارسى قد صنع لرسول الله طعاما وأراد أن يختصه به ، وطعام الرجل شهى ، وربما تتوق نفس عائشة إليه ، أوربما لم يكن فى بيت عائشة طعام ، أيتركها رسول الله ويذهب إلى طعام تتوق نفسه ونفسها إليه ، لا يفعل رسول الله ذلك ، بل يرفض الدعوة مرارا من أجل عائشة رضى الله عنها .
إن الرجل النبيل هو الذى لايترك صاحبه حينما تبتسم له الدنيا ، وحينما تعرض له الأطماع .
أين المسلمون اليوم من خلق النبل ؟
إن المسلمين اليوم بمبعدة عن خلق النبل والشرف ، فلا هم يتواضعون ولا هم يؤثرون ، ولا هم فى مواقف الطمع لغيرهم يذكرون .
إن المسلمين اليوم يفهمون الإسلام على أنه مجموعة من العبادات تؤدى آليا كما تؤدى الآلة عملها دون أ ن يكون لما تعمله أثر عليها فى تغيير باطنها .
إن الدين ليس عبادة لله فقط وإنما معاملة لغيرك من المسلمين وغير المسلمين حتى الحيوانات والدواب ، حتى الطيور السارحة فى جو السماء يوم أن يتقن المسلمون ذلك سيتغير وجه الحياة ، وستتغير نظرة الناس للعالم الإسلامى .
إن المسلم النبيل يتواضع وهو عظيم ، ويؤثر وهو محتاج ، ويذكر أحبابه وإخوانه حين تبتسم له الحياة ، فيمنحهم رفده ، ويؤثرهم بمعروفه . أسأل الله عزوجل أن يهدينا وإياكم لأحسن الأخلاق ، وأن يصرف عنا سيئها
كتبه
المعتز بالله الكامل