وَنِعْمَ فَتَى الْعَشِيرَةِ

منذ 2020-12-01

ومن كرامات خالد بن الوليد -رضي الله عنه- أنه لما نزل الحيرة، فقيل له: احذر السم لا تسقك الأعاجم، فقال: "ائتوني به، فأُتي به، فالتهمه، واستفه، وقال: بسم الله، فما ضره".

{بسم الله الرحمن الرحيم }


 

روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، عَلَى الشَّامِ، وَعَزَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، قَالَ: فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: بُعِثَ عَلَيْكُمْ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  «خَالِدٌ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنِعْمَ فَتَى الْعَشِيرَةِ» [صحيح]

 

** في فتح الشام كَانَ عَمْرُو بْنُ العاص أَحَدَ الْأُمَرَاءِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَيْضًا، وَقَدَّمَ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ لِشَجَاعَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ فِي الْجِهَادِ.

فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا عُبَيْدَةَ أَمِيرًا عَلَى الْجَمِيعِ؛ وما فعله كل منهما كان أصلح في وقته، لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ شَدِيدًا فِي اللَّهِ فَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ لِأَنَّهُ كَانَ لَيِّنًا. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيِّنًا وَخَالِدٌ شَدِيدًا عَلَى الْكُفَّارِ، فَوَلَّى اللَّيِّنَ الشَّدِيدَ وَوَلَّى الشَّدِيدَ اللَّيِّنَ؛ لِيَعْتَدِلَ الْأَمْرُ وَكِلَاهُمَا فَعَلَ مَا هُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ.

** أول من سمى خالد بن الوليد -رضي الله عنه-: «سيف الله» رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

// وكان بدء تسمية الرسول -صلى الله عليه وسلم- له بذلك في غزوة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة، كانت بين المسلمين وقوامهم ثلاثة آلاف وعدوهم مائة ألف من الروم، ومائة ألف أخرى من نصارى العرب، فقد روى البخاري وغيره بأسانيدهم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نعى زيداً، وجعفراً، وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: «(أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ بن رواحة فأصيب) .. وعيناه -صلى الله عليه وسلم- تذرفان. (حتى أخذها سيف من سيوف الله عليهم) وفي رواية: (حتى أخذها سيف من سيوف الله؛ خالد بن الوليد)»

بعد استشهاد القواد الثلاثة اختار المجاهدون خالد بن الوليد قائداً فأعاد تنظيم الجيش وبدل الميسرة بالميمنة وجعل قسماً من الجيش يتقدمون من الخلف وكأنهم أمداد جديدة، وتم الانسحاب المنظم وظهرت عبقرية خالد العسكرية، وكانت الخسائر في الانسحاب ثلاثة عشر شهيداً، مع إيلام الأعداء قتلاً وتجريحاً حتى انكسرت تسعة أسياف في يد خالد -رضي الله عنه-.

ولقد كرر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إطلاق هذه التسمية على خالد -رضي الله عنه- في غير ما موضع.

فمن ذلك: قوله -عليه السلام-: «نعم عبد الله، وأخو العشيرة خالد بن الوليد، وسيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين» .

ولما بلغه -صلوات ربي وسلامه عليه- أن أحد الصحابة تكلم في خالد، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تؤذوا خالداً، فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار». [حديث فيه ضعف]

** عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه: قال خالد بن الوليد: " «اعتمرنا مع النبي -صلى عليه وسلم- في عمرة اعتمرها فحلق شعره فاستبق الناس إلى شعره فسبقت إلى الناصية فجعلتها في مقدم هذه القلنسوة فلم أشهد قتالاً وهي معي إلا رزقت النصر» " [أخرجه أبو يعلى والحاكم وقال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح].

** وكانت «الْعُزَّى» صنما لأهل مكة في موضع قريب من عرفات، وهي عبارة عن شجرات ثلاث من السَّمْر، وعندها بَنِيَّة عليها أستار، وكانوا يعبدونها من دون الله عزّ وجلّ، يذبحون عندها ويدعون. ولهذا قال أبو سفيان في يوم أحد بعد أن انتهت المعركة: "لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم". فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أجيبوه، قولوا: "الله مولانا، ولا مولى لكم»، وهذا هو الرد الشافي، وفيما بعد منّ الله على أبي سفيان بالإسلام فأسلم، والإسلام يَجُبُّ ما قبله، فلما فتح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة أرسل إليها خالد بن الوليد فهدمها وقطّع الأشجار، ثم رجع إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره، قال: ( «لم تفعل شيئاً» )، فرجع خالد رضي الله عنه، إليها مرّة ثانية فوجد عندها السَّدَنة، فلما رأوه هربوا إلى الجبال، فجاء فإذا بامرأة عريانة ناشرة شعرها [وهي الكاهنة التي كانت تخدم ذلك الموضع الشركي، وتحضر الجن لإضلال الناس بذلك]، فعلاها بالسيف وقتلها، ثم رجع إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبره، قال: ( «تلك العُزَّى» ). [يعني: أن حقيقة العزى هي تلك المرأة التي تغري الناس بذلك الشرك، وإلا فهي بالأصل شجرة]

** ومن فقهه -رضي الله عنه- ما ذكره الواقدي أن خالد بن الوليد، لما قدم العارض، قدم مائتي فارس، فأخذوا مُجَاعَةُ بن مرارة في ثلاثة عشر رجلاً من قومه بني حنيفة، فقال لهم خالد بن الوليد: ما تقولون في صاحبكم؟ [أي مسيلمة الكذاب] فشهدوا أنه رسول الله، فضرب أعناقهم، حتى إذا بقي سارية بن عامر قال: "يا خالد إن كنت تريد بأهل اليمامة خيرًا أو شرًا فاستبق مُجَاعَةُ"، وكان شريفًا فلم يقتله، وترك سارية أيضًا، فأمر بهما فأوثقا في مجامع من حديد، فكان يدعو مُجَاعَةُ وهو كذلك فيتحدث معه وهو يظن أن خالدًا يقتله، فقال: يا ابن المغيرة إن لي إسلامًا والله ما كفرت.

فقال خالد: "إن بين القتل والترك منزلة وهي الحبس، حتى يقضي الله في أمرنا ما هو قاض"، ودفعه إلى أم متمم زوجته، وأمرها أن تحسن أساره، فظن مُجَاعَةُ أن خالدًا يريد حبسه ليخبره عن عدوه، وقال: "يا خالد قد علمت أني قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعته على الإسلام، وأنا اليوم على ما كنت عليه بالأمس، فإن يك كذاب قد خرج فينا الله يقول: { {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} } [الأنعام: 164].

فقال" "يا مُجَاعَةُ، تركت اليوم ما كنت عليه أمس، وكان رضاك بأمر هذا الكذاب وسكوتك عنه - وأنت من أعز أهل اليمامة - إقرارًا له ورضا بما جاء به، فهل أبديت عذرًا فتكلَّمت فيمن تكلَّم؟ فقد تكلَّم: ثمامة فرد وأنكر، وتكلم اليشكري، فإن قلت أخاف قومي فهلا عمدت إليَّ أو بعثت إليَّ رسولاً؟"

فتأمل كيف جعل خالد سكوت مُجَاعَةُ رضا بما جاء به مسيلمة وإقرارًا، فأين هذا ممن أظهر الرضا وظاهر وأعان وجدَّ وشمَّر مع أولئك الذين أشركوا مع الله في عبادته وأفسدوا في أرضه؟

وخالد أنكر على مُجَاعَةُ لكونه؛ كان من أعز أهل اليمامة، ولم يبد عذراً، ولم يرسل له رسولاً يخبره إن كان خائفاً من قومه ومن مسيلمة أم لا، مما دل أن خالد بن الوليد -رضي الله عنه- كان يقيل عثرة من كان هذا وصفه، ومع ذلك فخالد -رضي الله عنه- لم يحكم بردة مُجَاعَةُ وعفا عنه، وقال له: (قد عفوت عن دمك، ولكن في نفسي حرج من تركك)، لما رأى من صدق لهجته!

** ومن فقه أيضا -رضي الله عنه- ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن خالد بن الوليد -رضي الله عنه-: أنه قال: "الفتنة: أن تكون في أرض يعمل فيها بالمعاصي وتريد أن تخرج منها إلى أرض لم يعمل فيها بالمعاصي فلا تجدها".

// وعن خالد بن الوليد -رضي الله عنه-؛ قال: "كتب إلي أمير المؤمنين - يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه- حين ألقى الشام بوانيه [أي: خيره وما فيه من السعة والنعمة] بَثَنِيَّةً وعسلا [بَثَنِيَّةً: حنطة منسوبة إلى بلدة معروفة بالشام، أو هي الزبدة .. أراد أن الشام لما سكن وذهبت شوكته وصار لينا لا مكروه فيه خصبا كالحنطة والعسل] عزلني فأمرني أن أسير إلى الهند -والهند في أنفسنا يومئذ البصرة- قال: وأنا لذلك كاره. قال: فقام رجل، فقال: اتق الله يا أبا سليمان! فإن الفتن قد ظهرت.

فقال: وابن الخطاب حي؟! إنما تكون بعده، والناس بذي بِلِّيان وذي بِلِّيان [البِلِّيان إذا بعد عنك حتى لا تعرف موضعه،، وهذا مثل للبعد والتفرق]، فينظر الرجل فيفكر هل يجد مكانا لم ينزل فيه مثل ما نزل بمكانه الذي هو به من الفتنة والشر فلا يجد، وتلك الأيام التي ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين يدي الساعة، أيام الهَرْجِ، فنعوذ بالله أن تدركنا وإياكم تلك الأيام". [أراد ضياع أمور الناس بعده، وتفرقهم، وأن يكونوا طوائف وفرقا من غير إمام يجمعهم]

[رواه: الإمام أحمد، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي : ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف"].

 عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: أنه قال: "كان عمر بن الخطاب حائطا حصينا على الإسلام، يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فانثلم الحائط، والناس يخرجون منه ولا يدخلون فيه".

** ومن كرامات خالد بن الوليد -رضي الله عنه- أنه لما نزل الحيرة، فقيل له: احذر السم لا تسقك الأعاجم، فقال: "ائتوني به، فأُتي به، فالتهمه، واستفه، وقال: بسم الله، فما ضره". قال الذهبي رحمه الله: "هذه والله الكرامة وهذه الشجاعة" [سير أعلام النبلاء1/376].

** هاجر خالد بن الوليد مسلما بعد الحُديبية وقبل فتح مكة .. عن أبي سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرّحمن بن عوف شيء فسبّه خالد فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:  «لا تسبّوا أحدًا من أصحابي، فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَهُ» . [مسلم]

فخَصَّ -صلى الله عليه وسلم- المُتَقَدِّمْ باسم الصُّحْبَةْ فَكَأَنَّ الذي أسلم من بعد الفتح وقاتل لقِصَرِ إسلامه وقِصَرْ صحبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقِلَّةِ نُصْرَتِهِ بالنسبة إلى من قبله، كأنَّهُ صارَ تَحْقِيقُ اسم الصحبة عليه ليس كتحقيق من كان قبله، بل هذا هو الواقع، ولهذا خَصَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- السابقين باسم الأصحاب دون غيرهم مع اشتراك من أسلم بعد ذلك باسم الأصحاب؛ ولكن لأجل طول الصُّحْبَةْ صار عبد الرحمن بن عوف وسُلِبَ الاسم عن خالد بن الوليد لأجل هذه الحيثية، وإلا فالكل صاحب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا فيه تخصيص بالاسم لأجل مزيد الفضل وتَحَقُّقْ الصفة اللازمة في مقتضى الصحبة.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْيَأْسُ مِنْ بُلُوغِ مَنْ بَعْدَهُمْ مَرْتَبَةَ أَحَدِهِمْ فِي الْفَضْلِ فَإِنَّ هَذَا الْمَفْرُوضَ مِنْ مِلْكِ الْإِنْسَانِ ذَهَبًا بِقَدْرِ أُحُدٍ مُحَالٌ فِي الْعَادَةِ لَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ وَبِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ, وَإِنْفَاقِهِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ لَمْ يَبْلُغْ الثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ ثَوَابَ الْوَاحِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إذَا تَصَدَّقَ بِنِصْفِ مُدٍّ وَلَوْ مِنْ شَعِيرٍ، وَذَلِكَ إذَا طُحِنَ وَعُجِنَ لَا يَبْلُغُ رَغِيفًا عَلَى الْمُعْتَادِ، وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَجِدْ فِي مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ شَيْئًا أَبْلَغَ مِنْهُ.

** روى مالك في "الموطأ" عن يحيى بن سعيد قال: بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني أروّع في منامي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  «قل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشرّ عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون» . [قال الألباني: حسن لغيره]

** في فتح الشام، لما جمع خالد -رضي الله عنه- الجيوش يوم اليرموك لقتال الروم قام فيهم خطيبا فقال: "إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، وإن هذا يوم له ما بعده".

** ومن مواقفه –عفا الله عنه- ما رواه البخاري من حديث سالم عن أبيه قال: «بَعَثَ النبي -صلى الله عليه وسلم- خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بني جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ؛ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا، وَجَعَلَ خَالِدٌ قَتْلاً وَأَسْرًا، فَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ أَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ يَوْمُنَا، أَمَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقُلْتُ وَالله لاَ أَقْتُلُ أسيري وَلاَ يَقْتُلُ أَحَدٌ .. فَقَدِمْنَا عَلَى النبي -صلى الله عليه وسلم- فَذُكِرَ لَهُ صُنْعُ خَالِدٍ، فَقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وَرَفَعَ يَدَيْهِ: (اللهمَّ إني أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ) مَرَّتَيْنِ، وأمر بدفع دية القتلى» .

قال الخطابي: «أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا»

** وتزعم الشيعة أن خالد بن الوليد قتل مالك بن نويرة صبراً ونزا على زوجته، ويتجاهل الشيعة أن خالداً استدعى مالك بن نويرة فأنّبه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة وقال: ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟ فقال مالك: إن صاحبكم يزعم ذلك، فقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ يا ضرار اضرب عنقه، فضربت عنقه [تاريخ الطبري2/273 تاريخ ابن الأثير2/217 البداية والنهاية6/326].

وهناك رواية وهي: أن خالد بن الوليد رضي الله عنه لما كلم قوم مالك بن نويرة، وزجرهم عن هذا الأمر وأسَرَ منهم من أسر، قال لأحد حراسه: أدفئوا أسراكم؟ وكانت ليلة شاتية، وكان من لغة ثقيف (أدفئوا الرجل) تعني: اقتلوه، فظن الحارس أن خالداً -رضي الله عنه- يريد القتل، فقتلهم وفق فهمه بدون أمر خالد بن الوليد رضي الله عنه.

أما القول بأن خالدا رضي الله عنه قتل مالك بن نويرة، ثم تزوج امرأته في تلك الليلة، فهو قول تافه وباطل لا يستند على رواية صحيحة، ولا يستحق أن يضيع عليه شيء من مداد الحق، ويكفي في بيان تفاهة القول أننا نسأل كل إنسان يريد الإنصاف والعدل، فنقول له:

من أين عرفت أن خالد بن الوليد دخل على امرأة مالك بن نويرة في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها؟ هل تستطيع أن تأتي بإسناد واحد صحيح يدل على زعمك؟

وفي كتاب وفيات الأعيان يقول: "وقبض خالد امرأته، فقيل إنه اشتراها من الفيئ وتزوج بها، وقيل إنها اعتدت بثلاث حيض ثم خطبها إلى نفسه فأجابته!"

بل المقرر في الروايات المعتبرة عند ابن جرير وفي البداية والنهاية لابن كثير أن خالداً لم يدخل بهذه السبية إلا بعد انقضاء عدتها. وللأستاذ الشيخ أحم شاكر تحقيق نفيس في أمر مالك بجزء شعبان سنة 1364 من مجلة الهدي النبوي لسنتها التاسعة

وعلى كل حال فخالد أتقى لله من أن يظن به مثل هذه الرذالة التي لا تصدر من أدنى المؤمنين فكيف بسيف الله المسلول على أعدائه.

لقد جاهدوا في الله حتى وصل إلى المدينة من سبايا الأمم ما عجز الناس عنها، حتى أصبحت أجمل بنات الفرس والروم من بنات الملوك تباع بدينار وبدينارين، فهل هؤلاء ناس يريدون الشهوات؟!

يتركون هذا البيع المعروض ويذهبون إلى تلك البلاد، ويموتون على أسوار القسطنطينية وعلى حدود الصين وفي الأندلس وهدفهم النساء -سبحان الله!

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

[email protected]

 

 

 

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 6
  • 0
  • 5,594

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً