حفظ الأعراض
محمد سيد حسين عبد الواحد
ومن بشارات من كف نفسه وأذاه عن أعراض العباد :- حديث السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله «ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله »
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباداً لله إخواناً المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره والتقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم من حق الشريعة الغراء السمحاء التى جاءنا بها الإسلام على يد خير الأنام صلى الله عليه وسلم أن نفهمها وأن نتعرف على غاياتها ومقاصدها ونستفيد منها ففيها الخير كل الخير للعباد فى دنياهم وفى أخراهم
من مقاصد الشريعة الغراء حفظ حقوق الإنسان حفظ (الدين والعقل والنفس والمال والعرض )
حقوق لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا حقوق تكفل للناس السعادة في معاشهم ومعادهم بحيث إذا حرم الناس من تلك الحقوق فسدت عليهم الدنيا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت
حقوق الإنسان مجتمعة ذكرها ربنا في آيات الوصايا العشر التى وردت في سورة الأنعام:-
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } .
هذه الآيات تحدثت بكل وضوح عن حق ابن آدم فى حفظ حقوقه كاملة غير منقوصة
أما حفظ الدين فأشار إليه قول ربنا {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}وأشار الى حفظ العرض قوله سبحانه {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } وأشار الى حفظ النفس قوله تعالى { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وفى قوله {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} وحصلت الإشارة الى حفظ العقل فى قوله عز من قائل { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
وإلى حفظ المال أشار قول الله تعالى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ}
وإذا كنا فى لقاء سابق أيها المؤمنون قد تحدثنا عن حق ابن آدم الأصيل فى أن يأمن لنفسه فلا تمس ولا تزهق نفسه إلا بحق فاليوم نحن على موعد لنتحدث عن حق ابن آدم فى أن يأمن على عرضه
من أجل المقاصد التي جاءت بها واتفقت عليها شرائع السماء صيانة الأعراض والحفاظ عليها من عبث الفساق والجهال لما فى العدوان على أعراض العباد من مفاسد تشيب لها الولدان :-
يأتى على رأسها فكُّ عرى الإيمان وانهيار القيم والأخلاق وضياع الدين برمته ومن مفاسد العدوان على الأعراض سفك الدماء وإزهاق الأرواح ومنها اختلاط الأنساب وقطع النسل وانتشار الفساد الأخلاقى ونزول المصائب وحلول الكوارث والمحن من حيث لا يحتسب ابن آدم
ما من أمةٍ ولا مجتمع أيها المؤمنون يظهر فيهم وينتشر بينهم العدوان على الأعراض إلا ويمقتهم الله تعالى قال الإمام ابن القيم رحمه الله :-ليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من الزنا فلها خاصيةٌ في إبعاد القلب عن الله عز وجل وإنها من أخبث الخبائث قلت ولو لم يرد في الزجر والترهيب عن العدوان على الأعراض إلا قول الله تعالى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} لكان ذلك كافياً
يكفى أن تعلم أخى أن الله تعالى قرن بين الشرك بالله وبين قتل النفس البريئة وبين الجُرأة على أعراض الناس فى آية واحدة ليستشعر الناس الى أى حَدٍ الله يغضب ويمقت من أتى الحرام
{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا }
حرمت شرائع السماء المساس بشئ من أعراض العباد إلا فى الحلال بحق الله تعالى وعلى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قال «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِى النِّسَاءِ فإنكم أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِة اللهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ»
عند اليهود وعند النصارى وعندنا نحن المسلمين
حُرِّمت الفواحش ما ظهر منها وما بطن وجاء التحذير من العدوان على أعراض العباد شديد اللهجة ليفكر الإنسان ألف مرة قبل أن يقع فى الحرام جاء ذلك صراحة فى صدر سورة النور قال الله تعالى :-
{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}
لأن العدوان على الأعراض أمر جلل تهتز لفحشه وبشاعته السموات السبع ما ترك التشريع الحكيم خطوة تضمن الصيانة والحفاظ على أعراض العباد إلا دَلَّنا عليها تجفيفاً لمنابع الشر والفساد وتقليماً لأظافر العابثين الذين لا يرقبون فى أعراض العباد إلا ولا ذمة
جاءت الآيات فى كتاب ربنا وفى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم تقطع طريق الشر والفساد على ضعاف النفوس والإيمان من بادئ الأمر أمر الله كل مؤمن ومؤمنة أن يحفظ عينيه عن فضول النظر إذ النظرة سهم مسموم من سهام الشيطان وكم من نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل والآلام والحسرات
حرم الإسلام كل ما يسهل الوقوع فى الحرام ابتداءً وحرم المقدمات فقال{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ }وقال {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}
وحرم الإسلام الخلوة بالمرأة الأجنبية سداً لباب الشر إذ لا ينتج الخلوة خير؟ ولاينتج عنها براءة ؟
فالشيطان يجمل ويزين ويقرب ويؤنس وعند ذلك لا فلاح ولا نجاح فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما كما قال النبى صلى الله عليه وسلم
صيانة لأعراض العباد من أن يتجرأ عليها عابس أو فاسق جاء حديث رسول الله «لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ والأمراض الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا»
حفاظاً على أعراض العباد جائت نصوص تقول :-
إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء فإذا زنى العبد نزع الله منه سربال الإيمان وما من ذنب بعد الشرك بالله أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له.
صيانة لأعراض العباد من أن يتجرأ عليها ضعيف إيمان شرع الإسلام من العقاب الشنيع ما يردع كل من تسول له نفسه أن يأت من الحرام شيئاً فالشاب الذى ليس له زوجة أو لم يسبق له الزواج إن زلت قدمه فى الحرام فعقابه جلد مائة ويغرب عن أهله وبلده سنة ومن كانت له زوجة أو سبق له الزواج وزلت قدمه فى الحرام فعقابه الرجم بالحجارة حتى يموت
قال أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه :-
«كنت عند النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ ومعه خصمه فَقَالَ الرجل أَنْشُدُكَ اللَّهَ يا رسول الله إِلا قَضَيْتَ بَيْنى وبين خصمى بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ خَصْمُهُ وَكَانَ أَفْقَهْ مِنْهُ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ وائذن لي أن أتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قُلْ فقَالَ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا يعنى أجيراً عنده وَإِنَّهُ خلى بامرأته فزَنَى بِها فَافْتَدَيْتُ ابنى من ذلك الرجل بِمِئَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ وَإنى سَأَلْتُ رِجَالا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَعَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَّنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمَّا الوليدة والغنم والخادم فردٌّ عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ثم أمر النبى رجلاً من أسلم فقال اعمد يا أُنَيْس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا إليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت بالحجارة حتى فاضت روحها الى بارئها»
صيانة لأعراض العباد من أن يتجرأ عليها عابس أو فاسق جاء القرآن يقول ( {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ) وجاء الحديث يقول « اعمل ما شئت فإنك مجزى به »
وجاء كلام الحكماء يقول من الكأس الذى سقيت منه الناس ستشرب حتى تتضلع قال الإمام الشافعي رحمه الله من يزن يزن به ولو بجداره ..... إن كنت يا هذا لبيبا فافهم نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل ..
الخطبة الثانية
أما بعد فيأيها الإخوة المؤمنون كما جاءت شرائع السماء ترهب وتحذر من العدوان على أعراض الناس وتتحدث عن سوء العاقبة فى الدين والدنيا والروح والبدن
فى المقابل جاءت شرائع السماء ترغب وتحبب فى الطهر والعفاف وتبين أن حياة الأزواج الأطهار حيث السكن والحب والأمان والأجر نعمة من نعم الله تعالى عليهم :-
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}
جاءت شرائع السماء تأمر بالكف عن الحرام وحفظ النفس من الوقوع فى تلك الدنايا ليرجع من صان نفسه عن تلك الدنايا بـ رضا ربه وكمال دينه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه
جاءت شرائع السماء تبشر من كف عن الحرام بصفاء نفسه وزكاة بدنه وحسن سيرته
حدث ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أكثر من سبع مرات كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت فبكت فقال ما يبكيك أكرهت قالت لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملني عليه الحاجة قال فتفعلين هذا ولم تفعليه قط قال ثم قام فقال اذهبي والدنانير لك قال ثم قال والله لا يعصي الكفل ربه أبدا فمات من ليلته وأصبح مكتوبا على بابه أن الله قد غفر للكفل
ومن بشارات من كف شره عن أعراض العباد أنه :-
لن يقع فى هم أو غم إلا فرج الله عنه الهم والغم وفى حديث الثلاثة أصحاب الغار قال أحدهم «اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة ٌ من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه قال النبى صلى الله عليه وسلم فانفرجت الصخرة»
ومن بشارات من كف نفسه وأذاه عن أعراض العباد :- حديث السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله «ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله »