جربت التدين ولكن
لن تذوق حلاوة الإيمان إن كنت تريد أن "تجرب" الاستقامة فترة، فتطرد السكان السيئين من قلبك لكنك تقول لهم: (ابقوا قريبين، فقد أحتاج إليكم من جديد إذا جفَّت حياتي ولم أحصل ما أرجوه من راحة مع العلاقة بالله) !
تصور رجلا لديه شقة تقع فوق منزله، يريد أن يؤجرها مجانا لمن يجلب له راحة البال ويُرَفِّه عنه. حتى الآن اجتمع في الشقة:
ممثلة عوجاء السلوك لكنها "مسلية"...
ورجل أجرب كريه الرائحة لكنه "خفيف الظل"...
ومطرب منحرف لكنه وسيم جميل الصوت...
لم يحقق هؤلاء له راحة البال، لكنه تعود عليهم ويخاف أن "تجف حياته" إن طردهم...
سمع عنك وعن حسن أخلاقك فأراد أن "يكمل الطاقم" بك لعله يأنَس بوجودك، فجاءك يعرض عليك أن تسكن مع هؤلاء في الشقة. هل ستقبل العرض؟
ماذا؟ ضايقك السؤال؟ وجدت العرض بحد ذاته مسيئا؟
معذرةً! لكن دعنا نواجه الحقيقة: من يقول منا: "جربت التدين ولكن لم تتغير حياتي" هو أقل لباقة !
قد كنا واهمين إذ ظننا أنا أدخلنا "الدين" في حياتنا حين "جربناه"!
قد كنا واهمين إذ ظننا أن هذا الذي "سمحنا له" أن يتدخل في جزء من قلوبنا، ويزاحم المستأجرين "المنافِسين" الذين لا نريد التخلص منهم لأنهم "مُسَلُّون" تعودنا عليهم...قد كنا واهمين جدا إذ ظننا أن هذا هو دين الله !
فإن كنت تعاليتَ عن سكن شقة هذا حالها فدين الله أعلى وأجل، وإن كنت غِرتَ على نفسك أن تزاحم هؤلاء المنافسين الأراذل فما أحد أغير من الله...يغار سبحانه أن يختلط في قلب واحدٍ حبه والأنسُ به والشوق إليه مع حب المعاصي والأنس بها والشوق إليها!
لن تذوق حلاوة الإيمان إن كنت تريد أن "تجرب" الاستقامة فترة، فتطرد السكان السيئين من قلبك لكنك تقول لهم: (ابقوا قريبين، فقد أحتاج إليكم من جديد إذا جفَّت حياتي ولم أحصل ما أرجوه من راحة مع العلاقة بالله) !
فتحفظ "خط الرجعة"، وتبقي على ما يصلك بحياة الغفلة، وتعطي النموذج المحجم (الذي ظننته الدين) فرصة، وتجلس تنتظر منه الفتوحات والتَّجَلِّيات والنفحات...حتى إذا لم يحصل من ذلك شيء عذَرْتَ نفسك وقلت: "جربت التدين ولم يحقق لي السعادة"، ثم ناديت على سكان السوء لينساحوا في الشقة من جديد!
خدعت نفسك يا مسكين! فالله يوقَنُ به ولا يُجرَّب!
فمن أراد بصدقٍ أن يَعْمُر الله قلبه....فعليه أن يُنَظف قلبه ويهيئه ويطيبه ثم يـُملِّكه لله طواعيةً، تمليكا أبديا لا تأجيراً مؤقتاً...قائلا: رب أسلمت نفسي إليك... رب إني نذرت لك ما في صدري محررا فتقبل مني... وهو في ذلك مستحٍ من هذه البضاعة المزجاة، خائف ألا يقبله الله، باحثٌ عن أي خلل في هذا القلب يمكن أن يسقطه من عين الله...قد أحرق سفنه على شاطئ الاستقامة لئلا يفكر في العودة إلى ماضي الغفلة...
حينئذ سيَعْمُر الله قلبَه حقا، وسيذوق حلاوة الإيمان حقا، ولن تجف حياته.
نعم، سيهجم على قلبك لصوص السوء، فأنت في النهاية بشر، لكنك تراهم لصوصا وتعاملهم كلصوص، فتستعين بالله على طردهم.
أما أن تستأنس بهؤلاء اللصوص، وتُسكنهم قلبك طواعية، ولا تبذل الجهد في طردهم وقطع العلائق بهم، ثم تمن على الله بقلب خَرِب كهذا تريد أن يعمره، فقد أسأت بالله الظن إذ ظننت أنه تعالى يقبل أن تزاحم العلاقة به هؤلاء! ((وما قَدَروا الله حق قدره)).
لذا، فيا من تقول: "أريد أن أجرب الاستقامة ولكن..."، ستفشل التجربة، والسبب معروف من جملتك! فالله يوقن به، ولا يـُجَرَّب. فأيقن، وأقبل على من قال –في الحديث القدسي-: «إذا تقرَّبَ العبد إليَّ شبرا تقربتُ إليه ذراعا، وإذا تقرب إليَّ ذراعا تقربتُ منه باعا، وإذا أتاني مشيا أتيته هَرولةً» (البخاري).
- التصنيف:
- المصدر: