موت الخلايا المبرمج
وهو حقيقة علمية أنبأ عنها القرآن بقوله تعالى: (نحن قدرنا بينكم الموت)
النص الشريف : {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ(60)} [ سورة الواقعة] .
الدلالة اللغوية: قدرنا بينكم: أى صرفناه بينكم، وقيل : كتبنا ، قدّرنا :علِمنا أو قضينا وحكمنا قال تعالى فى سورة الحجر {إلا إمرأته قدرنا إنها لمن الغابرين(60)} ، وقال تعالى فى سورة سبأ: {قدّرنا فيها السّير(18)} جعلناه على مراحل متقاربة ([1])
أقوال المفسرين: قال ابن جرير الطبرى: يقول تعالى ذكره: نحن قدرنا بينكم أيها الناس الموت، فعجَّلناه لبعض، وأخَّرناه عن بعض إلى أجل مسمى ، وقال مجاهد، في قوله: {قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} قال: المستأخر والمستعجل.وقال الشيخ سيد طنطاوى أى : نحن وحدنا الذين قدرنا لموتكم آجالا مختلفة ، وأعمارا متفاوتة ، فمنكم من يموت صغيرا ، ومنكم من يموت كبيرا ، وما نحن بمسبوقين ، أى : وما نحن بمغلوبين على ذلك ، بل نحن قادرون قدرة تامة على تحديد آجالكم ، وقال الطاهر بن عاشور: وجه التعبير ب { {قدرنا بينكم الموت} } دون : نحن نميتكم ، أي أن الموت مجعول على تقدير معلوم مراد ، مع ما في مادة { قدرنا } من التذكير بالعلم والقدرة والإرادة لتتوجه أنظار العقول إلى ما في طيّ ذلك من دقائق وهي كثيرة ، وفي كلمة { بينكم } معنى آخر ، وهو أن الموت يأتي على آحادهم تداولاً وتناوباً ، فلا يفلت واحد منهم ولا يتعين لحلوله صنف ولا عُمُرٌ فآذن ظرف ( بين ) بأن الموت كالشيء الموضوع للتوزيع لا يدري أحد متى يصيبه قسطه منه ، فالناس كمن دعوا إلى قسمة مال أو ثمر أو نعم لا يدري أحد متى ينادى عليه ليأخذ قسمه ، أو متى يطير إليه قِطُّه ولكنه يوقن بأنه نائله لا محاله.
الحقيقة العلمية:
الموت حقيقة قدرية كتبه الله على كل نفس مخلوقة فلا خلود لها فكل شيء في الكون تم تصميمه ليموت في النهاية. قال تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(88)} [سورة القصص] . والموت يتحقق بخروج الروح وموت الدماغ وتوقف القلب. وقد يحدث الموت فى بعض خلايا الأبدان الحية وسماه العلماء موت الخلايا المبرمج (programmable cell death - apoptosis) وهو حقيقة علمية أنبأ عنها القرآن بقوله تعالى: (نحن قدرنا بينكم الموت) ولم يتمكن أحد حتى الآن من إثبات عكسها. يقول العلماء إن أي خلية ومنذ خلقها تسير باتجاه الموت حتميا ، لأن تصميم الخلية بالأساس هو أنها صُممت لتموت بتأثير برنامج وراثي منظم موجود ضمن الخلية بتفعيل الانزيمات القادرة على تحطيم DNA النووي والبروتينات النووية والبلازمية مما يؤدي لتلاشي النواة وموت الخلية([2]). فلا يمكن لخلية أن تدوم للأزل وإن انقسمت لمئات المرات كما فى الخلايا السرطانية. وعملية موت الخلايا لا يمكن إيقافها وتسير ببطء في البداية ولكن بعد منتصف حياة الخلية (شبابها) تبدأ عملية الموت تسير بوتيرة أسرع بكثير ، ويصيب الموت المبرمج خلية واحدة فقط وهو موت ذاتى لها ، وليس تنخراً نسيجياً (tissue necrosis) نتيجة حالة مرضية([3]). ويحدث بشكل طبيعي أثناء الحياة ويهدف للتخلص من الخلايا المسنة أو غير المرغوب بها أو الضارة. وتتحول الخلايا إلى ما يسمى apoptotic bodies وهي تحوي أجزاء من هيولى ونواة الخلية ، ويبقى الغشاء الخلوي سليماً ولكنه يتغير كيميائيا بحيث يصبح هدفاً للبلاعم ولذلك يتم ابتلاع وإزالة هذه الأجزاء بسرعة قبل أن تتسرب المكونات الخلوية ولذلك لا يحدث رد التهابي([4]) ,عكس ما يحدث في النخر يحدث غالباً تخرب الغشاء الخلوي وتسرب محتويات الخلية وإثارة الرد الالتهابي.
وجه الإعجاز العلمي:
كلنا يعلم أن الزمن الذي بُعث فيه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كان مليئاً بالخرافات وقصص الخالدين وأن فكرة الخلود تراود الناس حتى الآن ، ومنهم من يسعى لتحقيقها ويدفع فى سبيل ذلك الملايين من الدولارات. وفي ظل هذه الأساطير لا يمكن لإنسان أن يقرر أن كل مخلوق حى سوف يموت وأن خلايا أجسامنا تموت ونحن أحياء نأكل ونشرب ونتنفس، ولكن القرآن بين أن الموت مقدر حتى فى الأجسام الحية فهل كان النبى محمد صلى الله عليه وسلم دارسا لعلوم الخلية وللعلوم الطبية حتى يقول هذا الكلام المعجز فى معناه ومحتواه؟ أم أنه وحى من العليم الخبير مما يوقن فى النفس صدق رسالة النبى محمد صلى الله عليه وسلم.
[1] ) المعجم: كلمات القران
[2] ) Hengartner MO. The biochemistry of apoptosis. Nature. 2000;407:770–6
[3] )Joza N, Susin SA, Daugas E, Stanford WL, Cho SK, Li CY, Sasaki T, Elia AJ, Cheng HY, Ravagnan L, Ferri KF, Zamzami N, Wakeham A, Hakem R, Yoshida H, Kong YY, Mak TW, Zuniga- Pflucker JC, Kroemer G, Penninger JM. Essential role of the mitochondrial apoptosis-inducing factor in programmed cell death. Nature. 2001;410:549–54.
[4]) Klionsky DJ, Emr SD. Autophagy as a regulated pathway of cellular degradation. Science. 2000;290:1717–21
- التصنيف: