مصطلح الشيع في القرآن الكريم
من معاني الشيع في القرآن الكريم: الأهواء المتفرقة. فأخطر ما يصاب به العقل البشري لوثة الهوى وعدم التجرد، فتحكم العاطفة والنفس الأمارة بالسوء حتى تختل الموازين وتنعدم الرؤية.
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
في اللغة:
شاع الخبر يشيع شيوعاً: ذاع وانتشر. وأشاع الخبر: أذاعه. وسهم مشاع وشائع: أي غير مقسوم. وشاع الإناء: ملأه. ويقال في الدعاء: شاعك الخير: صحبك وغمرك. وأشاع بالقوم: نادى وصاح. وأشاع الله تعالى القوم بالسلام: عمهم به. وشيَّع فلاناً: خرج معه ليودعه. وشايعه مشايعة: تبعه. وشيعة الرجل: أتباعه وأنصاره. والشيعة: الفرقة والجماعة. والشيعة: كل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع. والشيعة: فرقة من الفرق الضالة ادعوا حب علي رضي الله عنه وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم . وتشيّع: ادعى دعوى الشيعة. والأشياع: الأمثال والأشباه[1].
معاني الشيع ومشتقاتها في القرآن الكريم:
المعنــى الأول: الأهواء المتفرقة:
في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65].
أي: الأهواء والاختلاف والفرقة، وسفك الناس دماء بعضهم بعض[2].
المعنــى الثاني: اليهود والنصارى:
في قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]، أي: اليهود والنصارى الذين اختلفوا في دينهم[3].
المعنــى الثالث: أمم الأولين:
في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ} [الحجر: 10]، أي: ولقد أرسلنا يا محمد من قبلك في الأمم الأولين رسلاً[4].
المعنــى الرابع: الجماعة المتعاونون على الكفر:
في قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69].
أي: ثم لننزعن من كل جماعة تعاونت على الكفر بالله أشدهم على الله جل ذكره عتواً، فلنبدأن بإصلائه نار جهنم[5].
المعنــى الخامس: أهل الكفر من القرون الخالية:
في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 51]، أي: أهل الكفر من الأمم الماضية والقرون الخالية[6].
وقوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ} [سبأ: 54]، أي: من كان على شاكلتهم ومثلهم من قبلهم من كفار الأمم[7].
المعنــى السادس: الفِــرَق:
في قوله تعالى: {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْـمُفْسِدِينَ} [القصص: ٤]، أي: إن فرعون تجبر في أرض مصر وتكبر، وجعل أهلها فرقاً، يذبح طائفة منهم، ويستعبد طائفة[8].
المعنــى السابع: الانتساب إلى نفس الدين:
في قوله تعالى: {وَدَخَلَ الْـمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15]، أي: هذا من أهل دين موسى من بني إسرائيل[9].
المعنــى الثامن: اتباع منهاج وسنة الأنبياء:
في قوله تعالى: {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ 79 إنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُحْسِنِينَ 80 إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْـمُؤْمِنِينَ 81 ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ 82 وَإنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ} [الصافات: 79 - 83]، أي: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان على منهاج وسنة نوح صلى الله عليه وسلم [10].
بيان المعاني والدلالات:
من معاني الشيع في القرآن الكريم: الأهواء المتفرقة. فأخطر ما يصاب به العقل البشري لوثة الهوى وعدم التجرد، فتحكم العاطفة والنفس الأمارة بالسوء حتى تختل الموازين وتنعدم الرؤية. ولذلك حذرنا الله عز وجل من الهوى وبيّن خطره الذي قد يصل إلى حد العبودية: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23].
وقد نهى الله عز وجل عن اتباع الهوى لأنه سبب في الضلال، وفي اختلاف الناس وتفرقهم حتى صاروا أحزاباً وفرقاً ينازع بعضهم بعضاً ويقاتل بعضهم بعضاً، فقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [القصص: 50]، وقال جل شأنه: {مُنِيبِينَ إلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْـمُشْرِكِينَ 31 مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31، 32].
وفي هذا تحذير للمسلمين لئلا يسيروا على خطى المشركين، فيتفرقوا ويتحزبوا فرقاً وأحزاباً، كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل، فيكونوا بذلك مشابهين للمشركين في التفرق والتحزب، ولا عذر لهم في ذلك؛ لأن الدين واحد، والرسول صلى الله عليه وسلم واحد، والإله سبحانه واحد.
على أن أكثر الأمور والمسائل في أصول وكليات الدين قد وقع فيها الإجماع بين العلماء والأئمة، والأخوة الإيمانية قد عقدها الله عز وجل وربطها أتم رباط، فما بال ذلك كله تلغيه الأهواء المتفرقة، ويُبنى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية أو فروع خلافية، يضلل بعضهم بعضاً ويكفر بعضهم بعضاً؟! فهل هذا إلا من أكبر نزغات الشيطان وأعظم مكائده التي كاد بها للمسلمين؟! وهل السعي في جمع كلمتهم وإزالة ما بينهم من الشقاق والخلاف المبني على ذلك على الأصل الباطل إلا من أفضل الجهاد في سبيل الله، وأفضل الأعمال المقربة إلى الله تعالى؟[11].
ولقد عرفت البشرية في فترات كثيرة من تاريخها ذلك اللون من العذاب المبني على الخصومة والنزاع والاقتتال بسبب انحرافها عن منهج الله تعالى، وتُرِكَ لأهواء البشر تصريف الحياة وفق تلك الأهواء. فوقع الناس في التخبط، وقادتهم ورؤساؤهم يضعون أنظمة للحياة وأوضاعاً وقوانين وقيماً وموازين من عند أنفسهم، يستعبد بها الناس بعضهم بعضاً، ويريد بعضهم أن يُخضع لأنظمته وأوضاعه وقوانينه البعض الآخر الذي يأبى ويعارض، ويبطش القادة المتحكمون بمن يأبى ويعارض، فتتصارع رغباتهم وشهواتهم وأطماعهم وتصوراتهم، فيذوق بعضهم بأس بعض، ويحقد بعضهم على بعض، وينكر بعضهم بعضاً؛ لأنهم لا يفيئون جميعاً إلى ميزان واحد، وهو ميزان الوحي الذي وضعه الإله المعبود بحق للناس جميعاً، حيث لا يجد أحدهم في نفسه استكباراً عن الخضوع له، ولا يحس في نفسه صغاراً حين يخضع له[12].
ومن معاني الشيع في القرآن الكريم: أهل الكفر من القرون الخالية، والجماعة المتعاونون على الكفر.
فحين أرسل الله تبارك وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى والدين الحق إلى قريش فكذبوه أمره تعالى بالصبر والثبات، إذ لم يزل هذا الصنيع دأب الأمم الخالية والقرون الماضية التي استهزأت برسلها وكذبتهم، فعاقبهم الله عز وجل بالحرمان من الإيمان والهدى لَمَّا اشتبهت قلوبهم وتماثلت في الكفر والتكذيب، وتشابهت معاملتهم لأنبيائهم ورسلهم بالاستهزاء والسخرية وعدم الإيمان.
ولما كانت علة المرض واحدة في السابقين واللاحقين من أهل الكفر وهي الاستكبار والعناد والصد عن سبيل الله، فقد أوحى الله جل ذكره لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن لا ييأس ولا يحزن، بل يصبر وينتظر وعده له بالنصر. فإن الهزيمة والهلاك والدمار هو مصير المتعاونين على الكفر في الحياة الدنيا. وقد أهلك الله جل ثناؤه أمثالهم من الأمم السابقة لكن لا يتعظون.
أما في الآخرة فإن عاقبتهم وخيمة وفظيعة، إذ أقسـم الله تقدست أسمـاؤه بربوبيته ليحشرن هؤلاء الكافرين، أممهم وفرقهم وأحزابهم فيجمعهم لميقات يوم معلوم، وهم في حالة من الفزع جاثين على ركبهم حول جهنم من شدة الأهوال وكثرة الزلازل وفظاعة الأحوال. ثم يأخذ الله من كل فرقة من تلك الفرق التي أحضرت حول جهنم، وهي جاثية تنتظر حكم الله تعالى فيها، أيهم كان أشد على الرحمن تمرداً عن طاعته وتكبراً عن الإيمان به وبرسله ووعده ووعيده، فيؤمر به ليلقى في سواء الجحيم. وهكذا يُقَدَّمُ إلى العذاب أعظمهم ظلماً وأكبرهم كفراً وعتواً، وهم في تلك الحال من الهوان والذلة والخزي والندامة[13].
ومن مشتقات الشيع: الشيعة. ومن معانيها في القرآن الكريم: أتباع منهاج وسنة الأنبياء. فالمرسلون والأنبياء جميعاً نهلوا من معين الوحي، فكلهم على الهدى والحق والصراط المستقيم، لذلك فالرسالات يصدق بعضها بعضاً ويشهد بعضها لبعض. فكل كتاب منزل من عند الله تعالى هو موافق لمن قبله ولمن بعده في كل ما دل عليه من الحق ومهيمناً عليه.
ويخبر الله عز وجل أنه أخذ ميثاق النبيين وعهدهم المؤكد بسبب ما أعطاهم من كتابه المنزل، والحكمة الفاصلة بين الحق والباطل والهدى والضلال، أنه إن بعث سبحانه وتعالى رسولاً مصدقاً لما معهم أن يؤمنوا به ويصدقوه، ويأخذوا ذلك على أممهم.
فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد أوجب الله تعالى عليهم أن يؤمن بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضاً؛ لأن جميع ما عندهم هو من عند الله جل ذكره، لذلك وجب على كل واحد منهم أن يقتفي أثر من قبله من الأنبياء ويسير على منهاجهم ويتبع سنتهم.
وهذه أكبر منة أنعم الله عز وجل بها على عباده، أن شرع لهم من الدين خير الأديان وأفضلها وهو دين الإسلام الذي شرعه للمصطفين المختارين من عباده وهم الأنبياء، بل شرعه لخيار الخيار وصفوة الصفوة وهم أولو العزم من المرسلين، ووصّاهم أن يقيموا جميع شرائع الدين أصوله وفروعه، وأن لا يتفرقوا فيه أحزاباً وشيعاً يعادي بعضهم بعضاً، بل يحصل منهم الاتفاق على أصول الدين وفروعه[14]: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْـمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ} [الشورى: 13].
[1] الرازي: مختار الصحاح، ص307. والزاوي: مختار القاموس، ص346. وإبراهيم مصطفى وآخرون: المعجم الوسيط، ص503.
[2] الطبري: جامع البيان، 4/3209.
[3] المصدر السابق، 4/3420.
[4] المصدر السابق، 6/4868.
[5] المصدر السابق، 7/5523.
[6] المصدر السابق، 9/7759.
[7] المصدر السابق، 8/6776.
[8] المصدر السابق، 8/6338.
[9] المصدر السابق، 8/6357.
[10] المصدر السابق، 8/6903.
[11] السعدي: تيسير الكريم الرحمن، ص753.
[12] سيد قطب: في ظلال القرآن، 2/1125.
[13] السعدي: تيسير الكريم الرحمن، ص580. وأبو بكر الجزائري: أيسر التفاسير، 3/324 (بتصرف).
[14] السعدي: تيسير الكريم الرحمن، ص888.
____________________________________________
أ.د. محمد أمحزون