عصمنا الله بفضله من تفريط هؤلاء وإفراط أولئك
بلغ اليهود الغاية في التفريط، وبلغ النصارى الغايةَ في الإفراط.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79].
بلغ اليهود الغاية في التفريط، وبلغ النصارى الغايةَ في الإفراط.
فظن اليهود أن نبي الله يمكن أن يفتري على الله كذبًا أو أن يدعو الناس إلى عبادته من دون الله، ولم يكن عندهم توقير لرسل الله عليهم السلام؛ فقتلوا من قتلوا، وآذوا من آذوا منهم، حتى رموا بعضهم بالكفر ورموا بعضهم بالزنا.
وظن النصارى أن بعض البشر قد يرتقي حتى يكون إلهًا أو ابنًا لله تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا؛ كما هو اعتقادهم في عيسى عليه السلام.
ولما اجْتَمَعَ الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ: أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ نعبدكَ كَمَا تَعْبُدُ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيٌّ يقال له الرئيس: أوَ ذاك تُرِيدُ مِنَّا يَا مُحَمَّدُ، وَإِلَيْهِ تَدْعُونَنَا؟
ونسي هؤلاء السفهاء، وأولئك الضلال أن سوء الظن برسل الله قدح في علم الله وحكمته، فإن الرسل هم صفوة الله من خلقه، وقدْ اختَارَهُم الله عَلَى عِلْمٍ مَنْ بَيْنَ أَهْلِ زَمَانِهِمْ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدخان: 32].
وَهُوَ أَعْلَمُ سبحانه وتعالى مَنْ يَصْلُحُ لرِسَالَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124].
فلا عجب أن يلعنهم أنبياء بني إسرائيل؛ قَالَ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78].
ويتبرؤوا منهم؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 116].
وهدى الله تعالى هذه الأمة لما اختلف فيه الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فعصمهم بفضله من تفريط هؤلاء وإفراط أولئك.
- التصنيف: