تاريخ الفقه الاسلامي: أهميته وأهم المؤلفات فيه
من دقيق الفوائد المستنبطة من قصة نبي الله موسى مع الخضر : أن السبب الكبير لحصول الصبر: إحاطة الإنسان علمًا وخبرة بذلك الأمر الذي أمر بالصبر عليه.
أولاً: أهمية علم تاريخ الفقه:
للتاريخ بشكل عام أهمية كبيرة في حياة الأفراد والأمم، لخصها ابن حميد النجدي (ت: 1295 هـ) في قوله: التاريخ فنّ طريف، يشتاقه كلّ ذي طبع لطيف، وقد قال الإمام الشّافعيّ رضي الله عنه: «من حفظ التّاريخ زاد عقله»، وفيه فوائد عظيمة ومنافع جسيمة، أجلّها الاعتبار بمن مضى، والاقتداء بمن سار على منهاج الرّضى، وتنشيط الهمّة في طلب العلم عند الاطّلاع على كيفيّة أحوال العلماء، واجتهادهم، وصبرهم، وقناعتهم، إلى غير ذلك من الفوائد، الّتي هي بالخير إن شاء الله عوائد([1]).
وعلم تاريخ الفقه الإسلامي من صميم الدراسات والتخصصات الفقهية، لذا فمن الضروري والمتعيِّن على طالب العلم أن يكون على دراية بهذا العلم، وأن يتضلع منه، فهو علمٌ جليل، عظيم النَّفع، وهو جزء لا يتجزّأ من علم الفقه ذاته، وله أهميته، فمن فوائده للمتفقه ما يلي:
- الصبر على التفقه وعدم الملل أوالانقطاع، ومن دقيق الفوائد المستنبطة من قصة نبي الله موسى مع الخضر : أن السبب الكبير لحصول الصبر: إحاطة الإنسان علمًا وخبرة بذلك الأمر الذي أمر بالصبر عليه. وإلا فالذي لا يدريه، أو لا يدري غايته ولا نتيجته، ولا فائدته وثمرته ليس عنده سبب الصبر ، لقوله: { {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} }، فجعل الموجب لعدم صبره : عدم إحاطته خبرا بالأمر([2]). أو كما يقول الفخر الرازي (ت: 606هـ) : استبعد الخضر حصول الصبر على ما لم يقف الإنسان على حقيقته([3]).
- إثراء الملَكة وتوسيع المدارك ، فمما لا شك فيه أن المطلع على تاريخ علم من العلوم يزداد به بصيرة، ويتسع أُفُقُه، ويعلم ما طرأ عليه في مختلف العصور، وقد مَرَّ قول الإمام الشافعي (ت: 204هـ) : من حفظ التاريخ زاد عقله.
- الثقة والاطمئنان لما توصل إليه من أحكام ، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ): "إن معرفة أصول الأشياء ومبادئها ومعرفة الدين وأصله وأصل ما توَلَّد فيه من أعظم العلوم نفعًا، إذ المرء ما لم يُحِطْ علمًا بحقائق الأشياء التي يحتاج إليها يبقى في قلبه حَسَكَة"([4]). والحَسَك:الشوك، وحَسَكُ الصَّدْر: الحِقْد والعداوة، والمقصود هنا : القلق والتردد.
-معرفة أقدار الفقهاء ومراتبهم، وفي ذلك يقول الفخر الرازي (ت: 606هـ) : "فكل من كانت إحاطته بالعلوم أكثر ؛ كان علمه بما فيها من البهجة والسعادة أكثر ، فكان طلبه لها أشد، وكان تعظيمه لأرباب العلم أكمل وأشد"([5]).
ثانيًا : موضوع علم تاريخ الفقه:
يعنى هذا العلم بمصادر التشريع وبدء تدوينها وتاريخ تشريع بعض الأحكام، وأدوار التشريع ومراحله، وأصول مدارس الصَّحابة في الفقه والفتيا ، وأهم القضايا التي اختلفوا فيها، وما نشأ بعد ذلك من مذاهب متبوعة ومندثرة، والتعريف بأئمة الفقه ومناهجهم في الاجتهاد والاستنباط والترجيح؛ وأسباب اتِّفاقهم واختلافهم، وطريقة تعاملهم مع المستجدات والقدرة على فهم طبيعة هذه الاجتهادات ضمن ظروفها وبيئتها، وغير ذلك.
ثالثًا : المؤلفات فيه :
مفردات هذا العلم ومباحثه مبثوثة في علوم شتى كعلوم القرآن والحديث وأصول الفقه وكتب الفتاوى، ولـم يظهر التأليف فيه- كعلم ومادة مستقلة- إلا في أواسط القرن الرابع عشر الهجري، وبالأخص بعد نشأة الكليات الشرعية، حيث وُضِعَت مادة (تاريخ الفقه) لتكون مدخلًا ومقدمة لدراسة الفقه، من هذه المؤلفات: الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، للشيخ محمـد بن الحسن الحجوي ، تاريخ التشريع الإسلامي، للخضري، وخلاصة تاريخ التشريع الإسلامي، لعبدالوهاب خلاف، المدخل لدراسة الفقه الإسلامي، للدكتور محمـد يوسف موسى، تاريخ المذاهب الإسلامية،للشيخ محمـد أبو زهرة، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، للدكتور عبدالكريم زيدان، تاريخ التشريع الإسلامي، للشيخ مناع القطان، المدخل لدراسة الشريعة والفقه الإسلامي، للدكتور عمر سليمان الأشقر، ويتميز الكتابان الأخيران، بسهولة العبارة وحسن الترتيب.
([1]) السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة (1/ 4(.
([2])تفسير السعدي (ص: 484(.
([3]) تفسير الرازي (21/ 485(.
([4])مجموع فتاوى ابن تيمية (10/368).
([5]) تفسير الرازي (21/ 484(.
- التصنيف: