إلى البائسين فقط
تماسك قليلًا، هيا أفِقْ، وخطِّطْ، واخدع آلامك، وجارِها.
حينما تضيق بك الأرض، وتجثم على صدرك الهموم، ويخنقك الكرب، ويسوطك الألم والندم، فتظن أنك أبأس الخلق وأتعسهم، وحيدًا يائسًا وشاكيًا في الحضيض، تذكر نصيحتي هذه:
وتماسك قليلًا، هيا أفِقْ، وخطِّطْ، واخدع آلامك، وجارِها.
واسقط على وجهك أرضًا حينما تدفعك، اسقط مرة تتلوها مرة ومرات.
ثم تجلَّد قليلًا، وعدِّل وجهتك، وتماسك، وحاول، واجعل الألم لمرة أو أكثر يُقيمك ولا يُلقيك، ويرفعك ولا يُخفضك.
هيا اقفز عاليًا، وانظر خارج سورك المظلم قليلًا.
أصغِ سمعك لصمت البائسين، وتأمل أجسامهم الصابرة، يعلوها الذباب الذي جاور ضعفهم.
واسمع حكايات أقدامهم الحافية، وأيديهم المتشققة، ووجوهم المغبرَّة.
ولكن لا تنسَ أن تلاحظ شفاههم، وهي تُتَمْتِمُ ببسمات الحمد.
انظر إلى ذاك الطفل يجري وتلمع عيناه، ضاحكًا غير عابئ بالدنيا؛ منتعلًا بقايا حذاء ممزق، وهو فرِحٌ به، ويتِيهُ به على أقرانه الحفاة.
الكل يلعب ويضحك، ويلعب ويضحك.
وما أدري فيمَ وممَّ وعلامَ يضحكون؟
أغلب الظن أنهم يضحكون ساخرين ومتعالين على حزننا الأجوف، وبؤسنا الموهوم، وحرماننا المزعوم، وكآبتنا المرفَّهة.
فهل تخجلنا ضحكاتهم، فتجلو طرفًا من بصيرتنا، حتى نُبصر نعمًا عظيمة بأيدينا؟ نعم، كثيرة حولنا، لكننا عمينا عنها؛ لأننا ألفناها طويلًا.
هل نستحيي من بقايا حذاء ممزق، ولعب أقدام صغيرة، وبطون هزيلة، وضحكات جَذلى من الأعماق؟
لعل قليلًا من جلاء البصيرة وبعض الحياء المنسيِّ يُنبِّهنا من غفلتنا، وتنشر على ألسنتنا أغنية الحمد الخَجلى، لك الحمد يا رب، لك الحمد يا رب.
- التصنيف:
- المصدر: