إحصاءات عمر

منذ 2021-02-01

والليل - فاعلم - والنهارُ كلاهما  ***  أنـفاسُنا فيه تعد وتحسب لم ينـسه الملكـان حين نسيتــه  ***  بـل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعب

في لحظة تفكرٍ لثلاثيني، والتفاتةٍ منه للوراء، ونظرةٍ لقافلة الأيام التي يجرها من ورائه، قرر أن يحاول أن يحصيها – ساعاتٍ وأيامًا - عددًا، فوجدها:

312901 ساعة!

 

كان هذا عدد الساعات التي شكلت أكثر من 13 ألف يومٍ سلفت من حياته إلى الآن.. إلى بحر الثلاثينات فقط!

 

يا له من عدد كبير للغاية!.

تفرقت تلك الساعات على أيام الطفولة، والصبا، وريعان الشباب!

تفرقت تلك الساعات على النوم والأكل والشرب واللهو واللعب، والجد -أحيانًا قليلة-..

 

ومن خلال ضرب عدد الأيام في المعدل الطبيعي التقريبي للتنفس وَجَد أنه تنفّس (260.740.000) مئتان وستون مليونا وسبعمئة وأربعون ألف نفس إلى الآن – ولا زال الله يمهله -!

 

وهذا ما عناه الشاعر العباسي صالح عبدالقدوس حين قال:

والليل - فاعلم - والنهارُ كلاهما  ***  أنـفاسُنا فيه تعد وتحسب

لم ينـسه الملكـان حين نسيتــه  ***  بـل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعب 

 

يقول من قام بتلك الحسابات:

وقفت هنا مع تلك الأنفاس التي عفى عليها الزمنُ: فإذا بي لم أشعر بثقل واحد منها لحظة، ولم أدفع ريالًا واحدًا مقابل أي منها، وأقسى من هذا: الله أعلم كم خرج منها في سياق الباطل لفظًا أو عملًا! فيا رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين!

 

ثم عزمت على المسير في اكتشاف الأرقام الأخرى المتعلقة بتلك الأيام والليالي المتصرمة..

 

فوجدت أن عدد ضربات القلب التي أنعم الله بها علي دون أن أتألم من واحدة منها يساوي (1.501.862.400) أكثر من مليار وخمسمئة ومليون وثمانمئة واثنين وستين ألف وأربعمئة نبضة! كل تلك النبضات قبل كتابة هذا النص!

 

لقد حملت تلك النبضات في طياتها مشاعر ونوايا وهمومًا وعزائم وظنونًا وأعمالًا للقلوب أنواعًا وأشكالًا وألوانًا شتى.. كلها {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52].

 

وحتمًا ستأتي لحظة لآخر نبضة ويتوقف العداد عن المضي! 

{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]

هذا ما قام هذا الشاب بحسابه – إن صحت الحسابات -!

فماذا نقول عن عدد الومضات الفكرية، واللحظات التأملية؟!

وعن عدد ما طرفت العين، أو طرق السمعَ صوتٌ؟!

 

ثم اضرب تلك الإحصاءات بعدد الخليقة كلهم، من أصحاب القرون الماضية، ثم امض قدمًا حتى تصل للقرون الأولى الذين كانوا يعمّرون مئات السنوات فكم هي أعداد تلك الساعات والأنفاس والنبضات التي طوتها الدهور؟! نسيها العالم.. نسيها الكل.. إلا ربي: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6].

 

وعودًا على بدء فإنها والله من ناحية أخرى تذكرك بسرعة تصرم تلك الأيام والليالي التي مضت بتلك الإحصاءات ولم نشعر بها، حتى كأن السنة كما جاء في الحديث: «كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة» رواه أحمد (2 /537) (10956). قال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): إسناده صحيح على شرط مسلم، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1460).

 

وإذا كان ابن حجر عبر عن سرعة أيام زمانهم فقال: (فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم يكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا) (فتح الباري 16/13) فما ذا نقول نحن عن زماننا الذي أتى بعد أكثر من 590 سنة من وفاة ابن حجر – رحمه الله-؟! قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].

 

" قيل: كان توبة بن الصمة بالرقة، وكان محاسبًا لنفسه، فحسب يومًا فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي واحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلتا! ألقى الملك بأحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب! كيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب! ثم خر مغشيًا عليه فإذا هو ميت، فسمعوا قائلًا يقول: يا لها ركضة إلى الفردوس الأعلى!

 

فهكذا ينبغي للعبد أن يحاسب نفسه على الأنفاس، وعلى معصية القلب والجوارح في كل ساعة، فإن الإنسان لو رمَى بكل معصية يفعلها حجرًا في داره، لامتلأت داره في مدة يسيرة، ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي وهي مثبتة" انتهى من "مختصر منهاج القاصدين" (ص373).

_____________________________
الكاتب: عبدالله بن سعود آل معدي

  • 2
  • 0
  • 1,105

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً