المناهج الصهيونية
المناهج الصهيونية (عنصرية أكثر وديمقراطية أقل)، إصرار الكيان الصهيوني على تعزيز العنصرية داخل المجتمع، عبر غرس مفاهيم دينية وقومية تتعارض كلياً مع الديمقراطية وحقوق الإنسان
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
يتفاخر كثيرون في المنطقة بديمقراطية دولة الاحتلال ومستوى الحريات وحقوق الإنسان فيها، ويقارن آخرون بين تلك الديمقراطية المزعومة وما يُحيط بها من نظم تسلطية لا تقيم وزناً لشعوبها ومقدراتها. فلتلك الشعارات والبروباغندا التي صاحبت دولة الاحتلال منذ السنوات الأولى لنشأتها دور ليس بالقليل في جعلها واحدة من أقوى دول المنطقة عسكرياً وتجارياً وتكنولوجياً وثقافياً، ولا ريب في أن هذا التطور السريع الذي عرفه الكيان الصهيوني كان بفضل التميز عن الجيران أو الأعداء العرب.
لم تكن ذريعة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة تُستخدَم في الدعاية الصهيونية فحسب؛ إنما يستخدمها حلفاء الكيان وأعوانه لتبرير دعمهم وانحيازهم ويغض الجميع الطرف عن حقيقة الكيان الصهيوني العنصري الذي يفرق بين اليهود أنفسهم (الاشكناز والسفرديم)، وإذا كانت العنصرية متجدرة داخل القومية اليهودية على هذا النحو؛ فماذا عن حال القوميات والديانات غير اليهودية التي تعيش في كنف دولة الاحتلال؟
لعل العديد من القوانين والتشريعات التي تصدر من حين لآخر عن الكنيست تجيب عن هذا السؤال؛ فقانون القومية الذي أُقِر في يوليو 2018م، ليس مجرد قانون يُعرِّف دولة الاحتلال على أساس قومي أو ديني، بل يحتاج إلى مزيد من الانتشار داخل المجتمع الصهيوني، لأن التنوع القومي والثقافي والديني يمثل معضلة حقيقية أمام تعزيز مضامين هذا القانون.
في مقال مهم لصحيفة هآرتس العبرية 25 أكتوبر 2019م جاء بعنوان «سيادة القانون لا تشمل حقوق الإنسان» ركز المقال على قرارات وزارة التربية والتعليم الصهيونية بشأن المناهج الدراسية؛ فقد أجرت الحكومة الصهيونية خلال الموسم الدراسي الماضي تعديلات جديدة جوهرية على المناهج التعليمية، لا سيما في منهج التربية الوطنية، فالنصوص التي جاءت في المنهج الجديد تعمل بلا شك على التخلص من نصوص الدولة متعددة الثقافات الواردة في المناهج التعليمية السابقة، والمتعارضة مع كثير من القوانين العنصرية الجديدة.
فدولة الاحتلال التي تجمع اليهود من جميع أصقاع الأرض لم تعد تعترف بتنوعهم الثقافي، فضلاً عن العرب وغيرهم من الأقليات والعرقيات الأخرى، فتلك النصوص القديمة التي كانت تُشير إلى التعددية الثقافية، تخلصت منها وزارة التربية والتعليم الصهيونية بتلك التعديلات التي أُجريَت على المناهج التعليمية قبل بَدْء الموسم الدراسي الماضي 2019م بأيام قليلة.
ربما يعود الفضل في التوجه الصهيوني الساعي لنزع أي مكون اجتماعي متعارض أو غير مُكمل للثقافة اليهودية الصهيونية، إلى المديرة السابقة في وزارة التربية والتعليم، المسؤولة عن تعليم التربية الوطنية للفتيات (إينات أوهايون) التي سبق أن أوصت، باستحداث مناهج تعليمية من شأنها أن تُعرِّف الطلاب بقانون القومية وغيره من القوانين التي تعزز قوانين الدولة العنصرية؛ فمن أهم التعديلات التي ظهرت في منهج التربية الوطنية مؤخراً هو التعارض بين سيادة القانون وحقـوق الإنسان، أو بعباره أخرى: سيادة القانون مُنفصلة عن مبادئ حقوق الإنسان وتتعارض معها!
المعروف أن سيادة القانون لا تتعارض مع حقوق الإنسان، بل يُكمِّل كلٌّ منهما الآخر، وهذا ما ركزت عليه بعض منتديات حقوق الإنسان في ردها على ما يجري من تعديلات على المناهج التعليمية؛ إذ تقول إحدى الجمعيات التي تدافع عن الحقوق المدنية: «إن إحدى الخصائص الأساسية للديمقراطية هي حماية الأقلية من استبداد الأغلبية، وطالبت وزارةَ التربية والتعليم الصهيونية بتوجيه المعلمين نحو حماية حقوق الجميع بدلاً من محاولات الفصل بينهما.
يظهر في كتاب التربية الوطنية السابق (القديم) حالة التوافق بين القانون وكافة قيم الديمقراطية الحامية لحقوق الإنسان، بما فيها حقوق الأقليات والعرقيات المختلفة، ويظهر أيضاً طبيعة ما يحتاجه الفرد واحتياجات العامة وما تحققه قيم الديمقراطية من توازن بينهما، كما يؤكد على حماية المجتمع من استبداد الحكومات، لكن مع إلغاء هذه النصوص من منهج التربية الوطنية الصهيونية، يصبح التطرف سمة مجتمعية عامة، وتصبح أصوات المتطرفين من الحاخامات مُعبرة عن المزاج الاجتماعي العام داخل الكيان الصهيوني، وهذا ما عبَّر عنه أحد قادة التيار الديني الصهيوني (يسرائيل هرئيل) بقوله: «إن مناهج التعليم في إسرائيل سوف تنتج داعش يهودية».
تصاعُد حدَّة التطرف والعنصرية يظهر بشكل واضح داخل المجتمع الصهيوني، وتعلو الأصوات الدينية المطالبة بمنع أي طقوس دينية غير يهودية داخل الكيان الصهيوني، وهو تعبير صريح عن قوانين متعارضة تماماً مع حقوق الإنسان، لأن المناهج الدراسية تعكس حقيقة المجتمع، وخير استدلال على ذلك يأتي في تصريحات الصهيوني في حكومة نتنياهو (ديفيد إمسلم) الذي تعهد بمنع المنظمات المسيحية التبشيرية من العمل داخل الكيان الصهيوني، في الوقت نفسه يدعو الحاخام (بنيتسي غوفيشتين) الذي يتزعم منظمة (لاهافا) لحرق الكنائس المسيحية معتبراً أن المسيحية وثنية لا يجوز لها مواصلة طقوسها الدينية داخل الكيان الصهيوني.
بالعودة إلى التعارض بين مبدأ سيادة القانون وحقوق الإنسان الذي تضمَّنه منهج التربية الوطنية الجديد؛ فإننا سنلاحظ بما لا يدع مجالاً للشك أن التعديل الجديد هو لسان حال الوزراء والحاخامات وكثيرٍ من أقطاب اليمين المتطرف داخل الكيان الصهيوني؛ فالوزيرة الليكـودية المتطرفة (ميري ريغيف) تحدثت كثيـراً عن إمكانية صياغة قوانين غير أخلاقية أو غير عادلة ويمكن أن تنتهك مبادئ حقوق الإنسان تحت ذريعة سيادة القانون؛ فقوانين الجنسية والقومية بمثابة تطبيق عملي لأصوات هؤلاء المتطرفين الذين تمكنـوا من الزج بتطرفهم في المناهج التعليمية، وهذا ما علق عليه الكاتب الصهيوني (عيلي يسيف) بقوله: إن الحرص على تجذير الهوية اليهودية في مناهج التعليم من شأنه أن يُعزز التطرف القومي والديني في إسرائيل.
ولا شك في أن ما يشجع على التطرف في هذا السياق هو أن مثل هذه القوانين - لا سيما قانون القومية - تدمج خصائص الكيان الصهيوني كدولة يهودية، وفي الوقت نفسه يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من الأسس الدستورية للدولة، دون أي إشارة للقوميات الأخرى غير اليهودية، أو حقوق الأقليات وغيرها من أشكال التنوع الثقافي؛ فالمنهاج يزرع الهـوية اليهودية دون سواها، ولا يشر إلى أي حقوق لمواطنين آخرين من غير اليهود.
خطوة تعديل منهاج التربية الوطنية لم تكن الأولى من نوعها، بل سبقها العديد من الخطوات خلال الأعوام القليلة الماضية، ووَفْقَاً لما ورد في مقال نشرته صحيفة هآرتس للكاتب (يسرائيل هارئيل) في 22 إبريل 2016م، فإن وزارة التربية والتعليم الصهيونية وضعت نصوصاً جديدة تتعلق بالهوية اليهودية والدين وتعليم الصلاة والأعياد اليهودية وتاريخ الشعب اليهودي والتراث وشخصيات يهودية وغيرها داخل المدارس العلمانية أو غير الدينية، وبسبب غزارة النصوص الدينية التي أُدخلت على المناهج التعليمية خلال السنوات الأخيرة، يعلق أحدهم بالقول: «لا يوجد لدينا وزارة تربية وتعليم في إسرائيل؛ لدينا وزارتان دينيتان». الجدير بالملاحظة هنا أن المسؤول عن صياغة هذه النصوص الدينية والقومية العنصرية هو البروفيسور (رون مارغولين) الذي يقدم نفسه على أنه ليبرالي وفي الوقت نفسه يقود مشروع (أوفاكيم) في جامعة تل أبيب!
ختاماً: إصرار الكيان الصهيوني على تعزيز العنصرية داخل المجتمع، عبر غرس مفاهيم دينية وقومية تتعارض كلياً مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، بات بحاجة إلى الاهتمام ولا بد من تسليط الضوء عليه بشكل مستمر، لأن السلاح الغربي على العالم الإسلامي وُجِّه إلى المناهج الدراسية وأفقدها كثيراً من المضمامين التي تُعزز الهوية العربية والإسلامية، بينما يتجاهل الجميع عنصرية الكيان الصهيوني.