قبل الساعة
خالد سعد النجار
** وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "إذا وقع الناس في الفتنة، فقالوا: اخرج؛ لك بالناس أسوة. فقل: لا أسوة لي بالشر".
- التصنيفات: الحديث وعلومه -
{بسم الله الرحمن الرحيم }
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «يوشِكُ أنْ يأتِيَ زمانٌ يغَرْبَلُ فيه الناسُ غرْبَلَةً، وتَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ الناسِ، قدْ مَرَجَتْ عهودُهُمْ، وأماناتُهم، واختلَفُوا فكانُوا هكَذَا –وشبَّكَ بينَ أصابِعِهِ– قالوا: كيفَ بنَا يا رسولَ اللهِ؟ قال: تأخذونَ ما تعرِفونَ، وتَدَعونَ ما تُنْكِرونَ، وتُقْبِلونَ على أمرِ خاصَّتِكُمْ، وتذَرونَ أمْرَ عامّتِكُمْ» [رواه أحمد وأبو داود] .
** (يغربل فيه الناس غربلة): إشارة إلى أنه يهلك الصلحاء ويبقى ما لا منفعة فيه، كما أن الغربال ينقى الدقيق ويبقى الحثالة بلا منفعة .. أي يذهب خيار الناس ويبقى أرذالهم وسفلتهم.
** (قدْ مَرَجَتْ عهودُهُمْ، وأماناتُهم، واختلَفُوا فكانُوا هكَذَا –وشبَّكَ بينَ أصابِعِهِ–) أي اختلطت وفسدت، وأصل المرج: الخلط والإرسال والاضطراب والقلق، ومنه قوله تعالى: { {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} } [ق:5] أي مضطرب، أي: بعضُهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: شاعر، إلى غير ذلك من تخليطهم.
«المارج» اللهب المضطرب من النار. قال ابن عباس: وهو أحسن النار المختلط من ألوان شتى.
** (وشبك بين أصابعه): أي يمرج بعضهم ببعض، وتلبس أمر دينهم فلا يعرف الأمين من الخائن ولا البر من الفاجر.
** (وتُقْبِلونَ على أمرِ خاصَّتِكُمْ، وتذَرونَ أمْرَ عامّتِكُمْ) وتقبلون على خاصتكم: رخصة في ترك أمر المعروف إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار.
وفي رواية: (خذ ما عرفت ودع ما أنكرت، وعليك بخويصتك، وإياك وعوامهم)
** في رواية لأحمد وأبي داود والنسائي والحاكم عنه -رضي الله عنه-؛ قال: بينما نحن حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ ذكر الفتنة، فقال: (إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا -وشبك بين أصابعه-!). قال: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك قال: (الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة).
قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
** وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "إذا وقع الناس في الفتنة، فقالوا: اخرج؛ لك بالناس أسوة. فقل: لا أسوة لي بالشر".
** قَالَ ابنُ مُفلِح الحنبَلِي -رحِمهُ الله تَعالى-: منْ عَجِيب مَا رَأيْتُ ونَقدت مِن أحْوَال النَّاسِ: كَثرة مَا ناحُوا علَى خَراب الدِّيَار، ومَوتِ الأقَارِب والأَسلاَف، والتَّحَسُّر عَلى قِلَّة الأرزَاق، وذَمِّ الزَّمَان وأهلِه، وذِكر نَكدِ العَيشِ فِيه، والحَدِيث عَن غلاَء اﻷسعَارِ، وجُورِ الحُكَّام.
وقدْ رَأوا مِن انهِدَامِ الإِسلاَم، والبُعدِ عَنِ المَسَاجِد، وموْتِ السُّنن، وتفّشِي البِدَع، وارتِكَابِ المَعاصِي، فلاَ أجدُ منهُم مَنْ ناحَ علَى دِينِه، ولاَ بَكَى علَى تقصِيرِه، ولا آسَى علَى فائِتِ دَهرِه، ومَا أرَى لذَلكَ سَببًا إلاَّ قلَّة مُبالاتِهِم بِدينِ اﻹِسلاَم، وعِظمِ الدُّنْيَا فِي عيُونِهِم. [الآدابُ الشَّرعِية]