فن الكتابة فى الصفحة البيضاء - مُقَدِّمة: النيةُ من التربية.. ووقودُ التربية..

منذ 2021-02-08

بينما لو اصطبرَ على طريقِ موسى و الخَضِر، لأوشكَ أن يلتقطَ بشِغافِ قلبِهِ وعقلِه كنوزًا تربويةً فريدةً ومدهشة، تَبْرُزُ لهُ لآلِئُها من أصدافِها، جزاءً وِفاقًا على اصطبارِه، تُنافِسُ وتتفوقُ باكتساحٍ على أعظمِ المدارسِ التربويةِ الحديثةِ وأدبياتِ تعديلِ السلوكِ الإنسانيِّ كافة..

 

بَعضُ الناس يقولون أن ديننا ليست فيه أدواتٌ وقواعدُ لتعديلِ السلوكِ الإنسانيِّ بالشكلِ الموجودِ في أدبياتِ التربيةِ الغربيةِ الحديثة..

ومن يقول ذلك، إما أنه لم ينَلْ شرفَ إتمامِ ولو خَتمةٍ واحدةٍ للوحيَينِ: القرآنُ وصحيحُ السُّنةِ،

وإما أنه قد قرأَ منهما عشوائيًا ثم فَتَرَتْ هِمّتُهُ وانجذبَ أكثَرَ لبريقِ التربوياتِ الغربية..

 بينما لو اصطبرَ على طريقِ موسى و الخَضِر، لأوشكَ أن يلتقطَ بشِغافِ قلبِهِ وعقلِه كنوزًا تربويةً فريدةً ومدهشة،  تَبْرُزُ لهُ لآلِئُها من أصدافِها، جزاءً وِفاقًا على اصطبارِه،

 

تُنافِسُ وتتفوقُ باكتساحٍ على أعظمِ المدارسِ التربويةِ الحديثةِ وأدبياتِ تعديلِ السلوكِ الإنسانيِّ كافة..

فما التربيةُ إلا قرآنٌ وسُنة..

 وهذا ما سوف أجتهد في إظهاره للقاريء الكريم من خلال هذه السلسلة بإذن الله..

أضع فيها بين أيديكم أفكارًا عَمَليةً طبقتُها فى تربية أبطالي الثلاثة على مدار أكثر من ستة عَشَر عامًا بحول الله وقوته، تخص مشاكلنا معهم ومشاكلهم معنا.. مع عرض لتجربتي المتواضعة في حلها وفك تشابكاتها بفضل الله وحده وتوفيقه، عساها تنفعكم..
وأسأل الله أن يحفظ أولادَنا ويهديَهم ويصنعَهم على عينه ويقر بهم العين والقلب يوم الجزاء... فإنما هي أسباب نُتبِعُ بعضَها بعضًا... وإنما علينا البلاغ.. والله يهدي من يشاء إلى سواء الصراط..

 أبدأ فأبين النيةَ والغايةَ المَرصُودةَ للتربية، ووسائلَها... 

أولا::: غايةُ منهجي التربوي:
منهجي في التربية يستهدفُ العبارةَ الذهبية في حديث السبعة الذين يُظِلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله:
.."و شابٌ نشأ في طاعة الله"..

وضَعتُ لتلك الغايةِ الأصيلة عشر غايات فرعية من ورائها، أجتهد في تحصيلهم بحول الله وقوته لأبلغ الغاية الكبرى بسلام بإذن الله..
تتمثل تلك العشر في تخريج ذرية:
1.عالِمَةٍ بأمور الشريعة والعربية متقنة لها عارفة بحقوقها وواجباتها..
2.تَحملُ القرآنَ علمًا وعملاً وتبليغًا وجهادًا به جهادًا كبيرًا..
3. تَحرُسُ الدين وتطبقه كمنهج حياة كامل وتنشره عزيزًا دون أن تجد في نفسها حَرَجًا منه..
4.تملك عقلية فاحصة ناقدة قد درست مواطنَ الفتن وتحصنت بأسلحتها وحصنت غيرها..
5.خالية من الدنس والدناءات والتفاهات والعلائق والشهوات والشبهات، موَفَّقة لشروط الضبط والعدالة التي اتفق عليها العقلاء لتعريف خير الرجال، مُنزهة حتى عن خوارم المروءة بإذن الله، وليست كأي ذرية..
6.عالية الهمة، تتحرى النوافلَ والمندوبات كما تتحرى الفرائض والواجبات، وتطبق كل شِعَب الإيمان من أعلاها -لا إله إلا الله- إلى أدناها -إماطة الأذى عن الطريق- دون تباطؤ عن أي بر..
7.واعية بتحديات الواقع غير منعزلة عن هموم المسلمين..
8.زاهدة في الدنيا..
9.تُحِب الموتَ في سبيل الله كما يحبُ أهل الدنيا الحياة..
10.تُحَررُ الأقصى والأمة بأسرها..

ثانيا::: وسائل منهجي التربوي لتحقيق تلك الغاية:
ببساطة وبحولِ الله وقوته:
▪️ تطبيقٌ مستمر للقرآن والأحاديث والآثار الصحيحة، بفهم السلف الصالح في القرون الثلاثة الأولى ومن وافَق خُطاهم في العصور التالية إلى يومنا هذا، في الحياة كمنهجٍ عام أولًا مع نفسي لأجل نفسي، وثانيًا مع الأولاد أنفسهم، لتتصل سلسلة الاتباع بخير القرون بإذن الله، ولكي يجدوا توافقًا بين كلامي النظري و تطبيقي العملي كقدوة..
 وأبتعد تماما عن نظريات التربية الغربية، ولا آخذ منها حتى ما لا يتعارض مع نص شرعي، فديننا أولى بالفَخار والانبهار، بل أخالفها أحيانا بقوة حين تخالف قاعدة تربوية معلومة من الدين مهما دَقَّ شأنُها.. فالخير كل الخير في اتباع السلف... وخير القرون هي التي زكاها النبي ﷺ الذي لا ينطِق عن الهوى وإنما يُوحَى إليه الخيرُ كله من رب العالمين، والتي أخرجت لنا شموسًا لم تُشرق على الأرض مثلُها حتى يومنا هذا: القرون الثلاثة الأولى...
ولو كان ثمةَ خير تربوي نزعُم أنه في أيدينا لَسبَقونا إليه.. {
{فبهداهم اقتده} }..

▪️ وبالطبع هناك أمور لا يوجد نص شرعي واضح فيها، أو هي من أمور دنيانا المتروكة لاجتهاد كل فرد أو تَتْبَعُ قوانينَ علميةً تجريبيةً نافعةً وثابتة، وليست من أمور ديننا ولا من ميراث النبوة في شيء، فأجتهد حينها كذلك مع أبنائي تحت مظلة الأصول والمقاصد الكلية للشرع وقواعده العامة والجزئية، فلا أستأنسُ ولا أسكنُ إلا تحت ظل الشرع، كي يطمئن قلبي أني على صواب أو أقرب ما أكون إليه ما استطعتُ، وأني لست أتبعُ الهوى المُضِلّ المُزِل، ولو في أقل توجيه لأبنائي أو لنفسي، قدر الجهد والعلم المتواضعَين...
فاللهم اعصمنا وسددنا واجعلنا وذريتنا أئمة للحق والمتقين..

✔️ فمن توافَقَت غايتُها ووسيلتُها التربوية وخَطُ اجتهادِها الفكري التربوي مع هذا الطريق، فلتركب معنا مرحبًا بها ولتُدلِي معنا بخبراتها على نفس المسار الذي يتخذُ الآخرةَ قبلتَه والشرعَ النقيَّ مَطِيَّتَه -حتى وإن كانت خبراتُها العمليةُ كأم تختلف عن خبرات بعضٍ منا فيما يسعُنا فيه الاختلاف تبعًا للفروق الفردية- فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه..

✔️ ومن خالفَ هواها هذا المنهجَ، فلتتركنا و منهجنَا وتدعو لنا بالتوفيق إن كان خيرًا، و لتكفِنا شرَ الجدالِ المحسومِ -بلا شك- لصالح منهج السلف القويم المتين. إلا إن رأت في كلامي ما يُخالِفُ مَنهجَ السلفِ فلا تتردد في تنبيهي قطعًا فكما قال الشافعي: إن صح الحديث فهو مذهبي..
والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا..
اللهم هذه همتي و عزمي.. وعليك توكلي و بك حولي وقوتي.. فأعني بحولك وقوتك.. فلا حول ولا قوة إلا بك.

ثالثًا::: وَقُودُ التربية:

وقفةٌ تأسيسيةٌ قبل أي كلام تربوي..
ما الذي تحتاجه الأمومة؟.. ما هو وقود التربية؟

 

التربية تحتاج في الأساس إلى صبر.. وحكمة.. وحنان..

أي: حِلمٍ وعِلمٍ ورحمة..

وإنما العِلم بالتعلم...

وإنما الحِلم بالتحلم...

والرحماءُ يرحمهم الله....

 و يعينكِ على الثلاثة أيتها الأم الطيبة، بجانب إخلاص النية لرب العالمين:

 

..الاستعانةُ بالله..

بصدقِ افتقارٍ إليه عز وجل، وتجَرُّدٍ تام من حولِك وقوتِك إلى حولِه وقوتِه سبحانه وتعالى، وتذلل في الدعاء بقلبٍ خاشع مُنكَسِرٍ بضعفِه مُعترفٍ بعجزِه، بين يدي القوي المتين..

 

وللاستعانةِ بالله طرقٌ كثيرة.. أعظمُها أثرًا:

- الدعاء.

- الذِكر بشكل عام.

- استغفار/ وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم/ وحوقلة = بشكل خاص.

 - قضاء حوائج الناس.

- صلوات النوافل (كثرة السجود)..

 

وأحبُّها إلى القلب وأسرُعها أثرًا: كثرة السجود والاستغفار...

 1= فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا حارثة:

 

"أعني على *نفسك* بكثرة السجود"...

وأولادكِ قطعة من *نفسك*، حقيقةً ومجازًا..

فاستعيني على نفسِك وقِطَعِ نفسِك، بكثرة السجود..

 

2= وكما قال الله عز وجل: { { لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكم تُرْحَمُون} }

فاستعيني على استخراج ثمرتِِك بأمطار الاستغفار..

 

باختصار أيتها الأم الطيبة..

تلك "روشتة" وقائية علاجية في ذات الوقت، أكتبها دوما لأي أم تأتيني باكية والعجز ينهش فلبها وتكاد تنهار من اليأس:

استغفري.. وصلي على النبي.. وحوقلي.. وأكثري من النوافل وأطيلي فيها السجود والدعاء...

 

حتى يعجز عدادك عن العد..

و حينها: سترين عجبا... بإذن الله..


رابعا:::: خريطة السلسلة بحول الله وقوته:
القسم الأول: قواعدُ تريوية
القسم الثاني: أدوات/وسائل تربوية
القسم الثالث: ممنوعاتٌ تربوية
القسم الرابع: إيمانياتُ ابنكِ
القسم الخامس: أخلاقياتُ ابنكِ
القسم السادس: ابنُكِ ومُعتَرَكُ الحياة..

سأضع إن شاء الله في مقدمة عنوان كل مقالة، اسمَ القسمِ الخاص بها، تيسيرا على القاريء الكريم عملية تصفحَ السلسلة..

والبداية في المقالات القادمة مع قسم القواعد التربوية بحول الله وقوته..

أسماء محمد لبيب

كاتبة مصرية

  • 25
  • 0
  • 3,340
المقال السابق
أزمةُ "رصيد" أم أن "مُنشِدُ الحَيِّ لا يُطرِبُ"..؟
المقال التالي
قواعد: (1) مَعذِرَةً إلى رَبِّكُم ولعلهُم يتقون..

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً