أعراض جائحة كورونا على المحاضن التربوية

منذ 2021-02-11

الغرض من هذا المقال هو الإشارة السريعة إلى الخلل الحاصل خلال هذه الجائحة؛ والمحاضن التربوية أَوْلى بإعمال دراساتٍ دوريةٍ لما يمكن تسميته بالخسائر أو الأضرار خلال الجوائح والكوارث، ثم السعي لتدارك وتعويض هذه الخسائر وإصلاح ما يمكن إصلاحه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد...
ففي شهر رجب من عام ١٤٤١هـ الموافق شهر مارس من عام  ٢٠٢٠م أصيب العالم بجائحة كورونا والتي أوقفت وعطّلت العالم لعام كامل تقريباً، وقد تأثر العالم بهذا على جميع الأصعدة، سواءً في المجال الاقتصادي أو التعليمي أو غيرها، ومن أهم الأمور التي توقفت كلياً أو جزئياً- هي المحاضن التربوية والحلقات القرآنية.
 
وإن كان بعضها قد استمر عبر "وسائل التواصل"، إلا أنه ينبغي عمل رصد للآثار التربوية خلال تلك الفترة، والسعي إلى تدارك ما يُمكن اعتباره خسائر لتلك المرحلة بآليات مدروسة، مع العمل على التعامل مع المرحلة التي تلي مرحلة التوقف بطريقة تربوية استثنائية يتم فيها مراعاة هذه المرحلة وظروفها.
 
وإن كانت الشركات الكبرى تقوم بدراسات طارئة لخسائرها من الجوائح والكوارث؛ فإن مصانع الرجال ومُقوِّمات الفِكْر والعقول "المحاضن التربوية" - أَوْلى بهذه الدراسات.
 وفي هذه الورقة أحاول معالجة شيءٍ يسيرٍ من إشكاليات هذه المرحلة، ولعل هذه الورقة تكون بوابة للعالمين في هذا الحقل لدراسة وتقييم الواقع مع إيجاد حلول تربوية مدروسة.
 
الفراغ التربوي والمدخَلات الجديدة:
مما هو معروف أن المحضن التربوي هو ذلك الطالب وذلك المربي وتلك البيئة التي تتم خلالها العملية التربوية، فإذا نظرنا إلى الواقع التربوي خلال هذه الفترة –فترة التوقف- نجد أن هناك فراغاً تربوياً كبيراً قد حصل نتيجة لتوقف البرامج التربوية ونتيجة لتوقف أهم عملية تربوية وهي المعايشة بين المربي والمتربي؛
 
والإشكال الكبير الذي لا ينبغي التهاون فيه هو الكمية الكبيرة للمُدْخَلات المعرفية الجديدة (مجهولة الحال) التي حصلت للطلاب خلال فترة الفراغ التربوي، وهذه المُدْخَلات الجديدة للطالب هي نتيجةٌ حتميةٌ لتوقف العملية التربوية للمحضن بالإضافة إلى الفراغ الذي أدى إلى لجوء الطالب إلى مؤثّرين سلبيين أو فارغين على الأقل سواءً على وسائل التواصل أو غيرها.
 
والخطير في هذه المدْخَلات الجديدة على الطالب- أنها جاءت كوجبة دسمة متتابعة خلال عام تقريباً، لا يكاد يوجد مُعارضٍ لها، وإن وُجِد فهو قليلٌ لا يكاد يؤثر على ما يقابلها من المُدْخَلات الجديدة.

إشكالية العادات الجديدة:
هذه المدْخَلات المتكررة في فترة وجيزة، هي بيئةٌ خصبةٌ لتكوّن العادات الجديدة لدى المتربي، فيبدأ هنا المتربي بالتأثّر في الواقع الجديد الذي دخل عليه خلال هذه الفترة، وكلُ متربٍ سيتأثرُ بالبيئةِ الافتراضيةِ الجديدةِ سواءً كانت بيئة شهوات أو بيئة شبهات، أو بيئة طلب علم،
فيبدأ المتربي بالتأثّر بتلك البيئة حتى يظهر على الطالب شيئاً فشيئاً أثر ذلك التغيّر، سواءً في أخلاقهِ أو تعاملاتهِ أو ديانتهِ، وقد يصل الحال إلى تغيّر بعض القناعات المهمة التي كانت تعتبر هي الأساس في بقائه في المحضن التربوي.
 
مما ينبغي التنبّه له، أن التغيّرات الطارئة والجديدة على المتربي والتي جاءت كأثرٍ لتلك الفترة، قد لا تظهرُ في البدايةِ بشكلٍ واضحٍ لدى المربي، لكون المربي سيُعاملُ الطالبَ بناءً على آخرِ تحديثٍ خالطهُ فيهِ أي: قبل فترة الانقطاع، إلى أن تبدأ التغيّرات تظهر شيئاً فشيئاً كلٌ بحسب ما طرأ عليه من تغيّرات سلبيةٍ أو إيجابيةٍ.
 
التعامل الأمثل للمربي مع مرحلة الاستئناف:
 
مما لا شك فيه أن المربي يُراوح في أساليبهِ بحسب الواقع ومستجداته، وحين النظر إلى الواقعِ الحالي بعد هذه الجائحة، نجدُ أن الواقعَ يتطلب من المربي عدةَ أمورٍ على سبيلِ الاستحداثِ أو التأكيدِ، وأهمها التالي:
 
أولا: محاولةُ تحديث الخلفيةِ المسبقةِ للمربي حولَ كل طالب، أو ما يمكن تسميته "بإعادة دراسة الحالة"، سواءً في أخلاقه او التزامه أو قناعاته أو مستواه العلمي أو غيرها، حيث أن هذه الجائحة –كما قلنا سابقاً- قد أثّرت في حال الكثير إما سلباً أو إيجاباً، فينبغي عمل إعادة نظرٍ حول تقييمنا للطلاب، وينتج عن هذا: محاولة انتشال من ضَعُفَ التزامهُ، ورَفعُ من حَسُنَ حالهُ .
 
ثانياً: السعي للإكثار من المدْخَلات التربوية، ومزاحمة غيرها من المدخلات، والواقع يشهد أن صاحب المدخلات الأكثر هو الذي ينجح في التربية وفي تكوين العادات، فالنجاح الحقيقي في التأثير يكمن في مزاحمة الطالب بالمدخلات التربوية مع مراعاة الجوانب الحاجيّة والضروريّة للمتربي، لِيَكونَ هذا أدعى لقبولِ الطالبِ لتلكَ المدْخَلات، وحتى يؤْثر الطالب المدْخَلات التربوية على غيرها.
 
ثالثاً: التاكيد على مسألة المعايشة التربوية وإعمالها بصورة يتمكن فيها المربي من انتشال المتربي من المدْخَلات الجديدة التي أثّرت سلباً عليه، وليكون المربي قادراً على تنفيذ ما ذُكر في النقطة الثانية بشكل يتناسب مع الواقع الجديد.
 
رابعاً: ينبغي للمربي أن يتهيأ للتغيّر الحاصل للمتربين، سواءً كان هذا التغيّر سلباً او إيجاباً، ونشير هنا إلى أن المربي ينبغي عليه أن يتعامل مع التغيّر السلبي بشكل أكثر لطفاً من السابق، وذلك لأن دواعي التغيّر السلبي للطالب كثيرةٌ ومتنوعةٌ خلال تلك الفترة، فينبغي مراعاة هذا الأمر، والسعي لإصلاح هذا التغيّر، واستبعاد طريقة الطرد والتعنيف الشديد خلال هذه الفترة؛
 
وأما عن التغيّر الإيجابي، فينبغي عدم الاستعجال في الحُكم على أصحاب هذا التغيّر، سواءً بالسعي لتصدير هذا المتربي، أو تكليفه أو غيرها، حتى يتأكد المربي من صحة ما ظَهر له من تغيّرات إيجابية لدى ذلك المتربي، ومن رسوخ تلك التغيّرات فيه.
 
خامساً: محاولة إصلاح الخلل الناتج من الصراع حول النمط المنزلي الإلكتروني ونمط التفاعل الواقعي مع البيئة الدعوية، فالفترة الآنفة قد رسخت لدى الطالب: النمط المنزلي وتلبية رغبته بالتفاعل مع بيئته بطريقة التفاعل عن بعد بالوسائل المختلفة بدلاً من الحضور الواقعي للبيئة الدعوية،
 
ومما لا شك فيه أن هذا النمط هو نمط انسحابي بطريقة غير مباشرة، فينبغي السعي إلى انتشال الطالب من هذا النمط، عبر التواصل معه مباشرة أو عن طريق من يميل لهم من أصدقائه ليتفاعل مباشرة مع المحضن التربوي، لأن بقاء الطالب على هذا النمط سيؤدي به إلى الموت البطيء من الوجود في المحضن التربوي.
 
سادساً: توقفُ المحضن التَربوي لعامٍ كاملٍ، يعني توقفُ عامٍ كاملٍ من الطُلابِ الجددِ، مما قد يؤثّر في المخرجات النهائية للمحضن التربوي من ناحية الكم، فينبغي مراعاة هذا الأمر والسعي إما بتركيز الجهد على الموجود، أو -إن كان هناك وفرة بالكوادر- بالسعي إلى استجلاب طلابٍ جددٍ، بطريقةٍ يَدرُسها المحضن لتعويض النقص العددي؛ والغرض هنا هو الإشارة فحسب إلى هذه الثغرة.
 
سابعاً: السعي الحثيث من المربّين للتأكيد على أهمية صلاة الجماعة وما فيها من الثواب والأجر، والتذكير أن فتوى التوقف عن الجمعة والجماعة كانت للضرورة، وبزوال الضرورة يرجع الحكم إلى ما كان عليه،
إضافة إلى معالجة ما في النفوس من تبريرٍ لعدم حضور الجماعة،  والتأكيد على مسألة صلاة الجماعة ليس فقط لكونها فريضة، بل لكون الصلاة أيضاً من مُهذِّبات النفس، فهي ناهيةٌ للعبد عن الفحشاء والمنكر؛ لذلك تتأكد أهمية هذه المسألة.
 
العاملون في المحضن والجائحة:
 
مما لا شك فيه، أن الانقطاع الحاصل في المحاضن قد تسبب بشيءٍ من الفتور لدَى المربين، بل قد يكون المربي ممن تأثّر سلباً في تلك الفترة، فلا يَأمن أحدنا الفتنة، فينبغي هنا إلى محاولة استنهاض الهمم وبث الروح في نفوس العاملين، واستحضار وحشد المحركات القرآنية والنبوية لدى العاملين، والتذكير بمسألة الإخلاص فهي من أعظم محركات العمل.
 
ومما ينبغي للقائمين على المحضن التربوي: السعي لإشاعة الروح الأخوية بين العاملين، والعمل على تنقية الأجواء من الخلافات التي قد تطرأ نتيجة التباعد وقلة الالتقاءات وتوقّف العمل، وهذه من المهام الأساسية للقائمين على المحضن التربوي في احتضان الكوادر ورعايتهم وإزالة ما يُعكّر صفوَ علاقاتهم.
 
الخاتمة:
الغرض من هذه الورقة هو الإشارة السريعة إلى الخلل الحاصل خلال هذه الجائحة؛ والمحاضن التربوية أَوْلى بإعمال دراساتٍ دوريةٍ لما يمكن تسميته بالخسائر أو الأضرار خلال الجوائح والكوارث، ثم السعي لتدارك وتعويض هذه الخسائر وإصلاح ما يمكن إصلاحه؛
 
 وأسأل الله عز وجل بمنّه وكرمه أن أكونَ قد وُفّقتُ بعرض هذه الورقة، وأرجو من الله أن أكون مخلصاً في كتابتها ونشرها بين العاملين في حقول الدعوة؛ وكُلِّي سعدٌ بتقويمكم ونصائحكم للكاتب –عفا الله عنه-.
والحمد لله رب العالمين

__________________________

الكاتب: معاوية جهاد العايش

  • 3
  • 3
  • 1,539

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً