رعاية الطفل في الإسلام
محمد سيد حسين عبد الواحد
يكفي أن تعلم أخي أن من الأبناء أبناء يأتون يوم القيامة فيقول قائلهم يا رب إن كنت قد كتبت لي أجرا وثوابا فأجره أولا علي أمي وأبي {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ } {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ}
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
يقول رب العالمين سبحانه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلي الله عليه وسلم اليوم موعدنا بعون الله تعالي لنتحدث عن ضرورة أن يكون المؤمن أبا صالحا مصلحا وعن ضرورة أن تكون المؤمنة أما صالحة مصلحة ..
وفي مستهل الحديث أقول إن الأبوة والأمومة نعمة من نعم الله سبحانه وتعالي إن الأبوة والأمومة هبة وعطية من الحكيم العليم سبحانه وتعالي {يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}
الأبوة والأمومة ليست وجاهة وليست ميزة يتميز بها الآباء والأمهات
وإنما هي مهمة عظمي وإنما هي مسئولية كبري فيها إصابة وفيها خطأ فيها نجاح وفيها رسوب
يكفي أن تعلم أخي أن من الأبناء أبناء يأتون يوم القيامة فيقول قائلهم يا رب إن كنت قد كتبت لي أجرا وثوابا فأجره أولا علي أمي وأبي {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ } {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ}
{رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
ومن الأبناء من يأتي يوم القيامة فيقول يا رب إن كنت كتبت عليّ عقابا وعذابا فعاقب أولا أمي وأبي عذب أولا أمي وأبي ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ )
الأبوة والأمومة أيها المؤمنون مسئولية ثقيلة:
قبل أن تكون مسئولية أمام النفس وأمام الناس هي مسئولية أمام الله عز وجل من الناس من فيها ينجح ومن الناس من فيها يرسب
وفي صحيح السنة بيان واضح يقول:
الأب راع ومسئول والأمة راعية ومسئولة قال النبي عليه الصلاة والسلام
( إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ) يسأل الله الأب عن أولاده ما الذي دار بينه وبينهم حفظ أمن ضيع نصح أم غش اعتني أم أهمل وجه أم لم يوجه دقق أم لم يدقق حاسب أم لم يحاسب وكما سيسأل الأب ستسأل الأم
« وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَامْرَأَةُ الرَّجُلِ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ بَعْلِهَا وَرَعِيَّتِهَا»
الأبوة والأمومة حمل ثقيل لكنه يسير علي من يسره الله تعالي عليه
نجاحك فيه أن تكون قدوة حسنة يقتدي بها أن تكون معلما مربيا مؤدبا مهذبا قال علي رضي الله عنه "علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم"
مجموعة من شباب الصحابة:
نزلوا في وقت من الأوقات ضيوفا علي النبي عليه الصلاة والسلام يقولون : أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلينا سألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم رحيما رفيقا فقال « ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم» )
الأبوة والأمومة نصح وتوجيه
بمحبة وصدق ثم هي تأديب وتدريب وتعويد علي محاسن الأخلاق والأعمال {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
هذا حديث بين والد وبين ولده الوالد يعلم والولد يتعلم الوالد يعظ والولد يتعظ الوالد ينصح والولد يتقبل الوالد يحلب والولد يشرب (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ )
وجهه أول ما وجهه لأن يخلص فيما بينه وبين الله { يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ثم بعدها دعاه بنفس الدرجة من المودة والمحبة إلي أمهات العبادة فقال {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }
وحتي يتوازن النصح كان مع الترغيب ترهيب
ومع التحبيب تحذير وإنذار من مساوئ الأخلاق والأعمال {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}
صدق محبة الوالد للولد أفعال وليست فقط أقوال
صدق محبة الوالد للولد أن تعلمه ما ينفعه أن تجعل منه رجلا .. أن تجعل منه مؤمنا يعرف ربه يحب ربه ويبذل المعروف وينفع الناس {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}
في سورة الأحقاف أورد الله تعالي حديثا وحوارا:
دار بين أب وأم وبين ولد لهما كان الولد كافرا شرد عن الحق وحاد عنه أما أبواه فكانا مؤمنين حبهما لولدها خوفهما عليه رأفتهما به صورها القرآن الكريم تصويرا دقيقا في قول الله عز وجل
{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}
المشهور بين الناس أن هذه الآية {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} المشهور أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر .. وهذا غير صحيح .
فعبد الرحمن أسلم وحسن إسلامه وكان من خيار أهل زمانه وفي الصحيح أن معاوية استعمل علي الحجاز مروان بن الحكم فخطب مروان الناس يوما فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايعه الناس بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا فقال مروان للجند خذوه ..
فدخل عبد الرحمن بيت عائشة فلم يقدروا فقال مروان إن هذا الذي أنزل الله فيه{والذي قال لوالديه أف لكما} . فقالت عائشة من وراء الحجاب يا مروان ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل برائتي من فوق سبع سموات ..
وعند النسائي أن عائشة لما سمعت باتهام مروان لعبد الرحمن بأنه نزلت فيه {والذي قال لوالديه أف لكما} قالت كذب مروان والله ما هو به ولو شئت ان أسمي الذي أنزلت فيه لسميته ..
وهذا نفهم منه أن الآية لم تنزل في عبد الرحمن كما هو مشهور وإنما نزلت في حق كافر جمع بين الكفر وبين انكار البعث وبين عقوق الوالدين وقد عرفته عائشة ولو شاءت أن تسميه لسمته {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}
هذه هي الأبوة رحمة وحنان ورأفة لم يحرم منها مخلوق خلقه الله تبلغ هذه الرحمة ذروتها إذا الولد مرض أو مسه سوء والحديث الأبرز في هذا الباب حديث القرآن عن أن موسي عليه السلام
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}
وقع الولد في يد الفرعون وجاءت الرياح بغير ما تشتهي السفن وهنا طار قلب الأم خوفا علي ولدها حتي كادت أن تقول للناس هو ولدي لولا لطف الله سبحانه وتعالي
{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}
هذه هي الأمومة رحمة هذه هي الأمومة رأفة وشفقة حتي بين العجماوات أعزكم الله الأب أب والأم أم قال النبي عليه الصلاة والسلام «جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ مَائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ » .
وإذا كان في صحيح السنة أن بر الوالدين سبب من أسباب دخول الجنة ففيها أيضا بيان واضح أن حسن رعاية الوالد للولد سبب من أسباب الخلود في الجنة قال النبي عليه الصلاة والسلام
«لأنْ يُؤَدِّبَ الرجلُ وَلَدَه ، خيرٌ من أن يتصدق بصاع» وقال (من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجا من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس ويكسى والديه حلتان لا يقوم بهما الدنيا فيقولان بما كسينا فيقال بأخذ ولدكما القرآن ) هذه الأحاديث ماذا تقول ؟
هذه الأحاديث تقول إن مفاتيح الجنة بين يديك وفي بيتك فتنبه لها . نسأل الله ....
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن الأبوة والأمومة أن نقول إن أبنائنا وبناتنا هم ثمار قلوبنا وهم نور عيوننا وهم عماد ظهورنا سعادتنا من سعادتهم وفرحتنا من فرحتهم
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ..
أعظم فرحة في الدنيا أن نري أولادنا وقد نجحوا وقد تفوقوا وتألقوا أعظم فرحة في الدنيا أن نلمس فيهم الأدب والحياء والخلق الحسن هذا رجاؤنا في أولادنا وهذه هي أمانينا ..
لكن يأتي الواقع فيهدم بعض آمالنا ..
الأب يبني والأم تبني والمعلم يبني والمربي يبني ودعاة الشر من وراءنا يهدمون كل ما بنيناه رفيق السوء يهدم جليس السوء يهدم قنوات الشر تهدم فماذا عسانا أن نفعل ؟ أنا بان ومن ورائي ألف هادم ماذا يراد مني وأنا أغرد في الميدان وحدي وأعدائي لا أحصيهم عددا ؟
يراد مني أن أثبت يراد مني ألا أكل ولا أمل لسان حالي ومقالي ( {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} )
أخلص النية لله وراقب ووجه وعلم ما استطعت إلي ذلك سبيلا واستعن بمولاك يعنك مولاك لا تحرم ولدك من صالح دعواتك فمن الدعوات المستجابات دعوة الوالد كن لهم أرضا ذليلة وسماء ظليلة , لو أن حاجزا بينك وبين ولدك حطم هذا الحاجز وصاحبه وشاوره واسمع له حتي يألفك ويألف القرب منك ..
واعلم أن عملك الصالح تسري بركته حتي تنفعك وتنفع ولدك وتنفع الأحفاد من بعدك ( {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا } )