الحرب الإلكترونية

منذ 2021-02-23

ثورة تكنولوجيا الإلكترونيَّات واستخدامها في الأغراض العسكرية - نقطة تحوُّل كبيرة؛ سواء في فنِّ الحرب، أو في إدارة الصراع المسلَّح، فقد أخَذت أسلحة القتال الحديثة ومعداته مكان الصدارة في حسْم أيِّ صراعٍ مسلَّحٍ..

الحرب الإلكترونية

يُعَدُّ ظهور ثورة تكنولوجيا الإلكترونيَّات واستخدامها في الأغراض العسكرية - نقطة تحوُّل كبيرة؛ سواء في فنِّ الحرب، أو في إدارة الصراع المسلَّح، فقد أخَذت أسلحة القتال الحديثة ومعداته مكان الصدارة في حسْم أيِّ صراعٍ مسلَّحٍ، وخاصة أسلحة الهجوم الجوي الحديثة؛ لاعتمادها على نُظم السيطرة والتوجيه الإلكتروني، التي تمكِّنها من تنفيذ المهام المطلوبة منها بكفاءة، وإصابة أهدافها بدقَّة عالية؛ نظرًا لاستخدامها نُظُمَ ووسائل الكشْف والتوجيه والتحكُّم، وقيادة النيران وتصحيحها لاسلكيًّا، وراداريًّا، وحراريًّا، وليزريًّا، وتليفزيونيًّا، وهي النُّظم التي يستوي تشغيلها واستخدامها ليلاً ونهارًا، هذا إضافة إلى النُّظم الحديثة والمتقدِّمة للتصوير التليفزيوني باستخدام آلات التصوير ذات الحساسية العالية، التي يُمكنها العمل في مستوى الضوء المنخفِض بكفاءة ودقَّة عاليتَيْن.

 

نبذة تاريخيَّة عن الحرب الإلكترونية:

كانت أساليب الحرب الإلكترونيَّة تستعمل منذ بداية هذا القرن، وبالأخص عندما استُخْدِمت أجهزة الاتِّصالات اللاسلكية في الحروب، ولكن منذ الحرب العالمية الثانية أصبَح موضوع الحرب الإلكترونية محلَّ الاهتمام، من حيث المعدات والأساليب.

 

تفيد المصادر أن أوَّل عمليَّة في مجال الحرب الإلكترونية كانتْ في عام 1905م خلال الحرب الروسية اليابانيَّة في معركة (tsushima)، عندما كانت سُفن الاستطلاع اليابانية تُراقب الأسطول الروسي عن كثبٍ، وتُرسل جميع المعلومات بالراديو إلى القيادة الرئيسية اليابانية، وفي هذه الأثناء الْتَقَط أحد قادة الزوارق الروسيَّة هذا الإرسال، فطلب الإذنَ باستعمال جهاز الإرسال الموجود بزورقه؛ لإعاقة تلك الإرساليات، ولكنَّ طلَبَه قُوبِلَ بالرفض من قِبَل القيادة الروسية، فاستمرَّ إرسال المعلومات الروسيَّة، وبعد فترةٍ وجيزةٍ استطاعَ أحد قادة الزوارق الروسيَّة - دون إذنٍ مِن قيادته - التشويشَ على هذه الإرساليات، ولكن بعد فَوَات الأوان؛ إذ كانت المعركة قد وقَعَت وخَسِرها الروس!

 

أمَّا في الحرب العالميَّة الأولى، فقد استُعْمِلَت أجهزة الاتِّصالات وأجهزة نقْل معلومات الاستطلاع بكثرة؛ إذ استطاعَت إحدى السفن الإنجليزية عام 1914م أن تُرسل بالراديو معلومات عن تحرُّك بعض القطَع الحربية الألمانيَّة في البحر الأبيض المتوسط، ولكن بعد أن رصَد الألمان تلك الإرساليات، تمكَّنوا من التشويش الكامل عليها.

 

وفي عام 1916 وضَع الإنجليز بعض موجدات اتجاه الإرسال قُرب الأسطول الألماني، وخلال معركة "جوتلاند" حدَّدت تلك الأجهزة موقع الأسطول، وأبْلَغَت القيادة الإنجليزية بذلك.

 

كانت البداية الحقيقيَّة في الحرب العالمية الثانية لاستخدام أجهزة الحرب الإلكترونيَّة المتخصِّصة، ففي عام 1939م استخدم الألمان طريقة تقاطُع موجات الإرسال فوق الهدف (beam-intersection) ؛ لكي يقصفوا المدن الإنجليزيَّة، وخاصة أثناء الليل، فوضَع الإنجليز جهاز الإرسال (bromide)؛ ليقوم بتشويش مخادع، ويجعل هذا التقاطع فوق مكان غير حيوي، واختاروا لذلك بحر "المانش"، وفعلاً وقَع قصْف الطائرات الألمانيَّة على بحر "المانش"، ولَم تتضرَّر المُدُن الإنجليزية التي أراد الألمان قصْفها!

 

 

واستخدم الحلفاء أجهزة التشويش والنصلات (chaff) للتشويش على الرادارات الألمانية عند الساحل الغربي الفرنسي، كما استُخْدِمت في الحرب العالمية الثانية المناطيد والبالونات؛ للتصنُّت والمراقبة والتصوير في عُمق أراضي العدو.

 

مفهوم الحرب الإلكترونية:

ليس هناك من إجماع واسعٍ على تعريف محدَّد ودقيق لمفهوم الحرب الإلكترونية الآن، وعلى الرغم من ذلك، فقد اجتهَد عدد من الخُبراء ضمن اختصاصاتهم في تقديم تعريفٍ يُحيط بهذا المفهوم:

• فعرَّف كلٌّ من "ريتشارك كلارك" و"روبرت كناكي" الحرب الإلكترونية على أنها: "أعمال تقوم بها دولة تحاول من خلالها اختراقَ أجهزة الكمبيوتر والشبكات التابعة لدولة أخرى؛ بهدف تحقيق أضرار بالغة أو تعطيلها".

 

• فيما يعرِّف آخرون مصطلح الحرب الإلكترونية بأنها: "مفهوم يشير إلى أيِّ نزاع يحدث في الفضاء الإلكتروني، ويكون له طابع دولي".

 

• أو "هي مجموعة الإجراءات الإلكترونيَّة المتضمنة استخدامَ بعض النُّظم والوسائل الإلكترونية الصديقة في استطلاع الإشعاع الكهرومغناطيسي الصادر من نُظم العدو ووسائله ومعداته الإلكترونيَّة المختلفة، مع الاستخدام المتعمَّد للطاقة الكهرومغناطيسية في التأثير على هذه النُّظم والوسائل؛ لمنع العدو أو حِرمانه، أو تقليل استغلاله للمجال الكهرومغناطيسي، فضلاً عن حماية الموجات الكهرومغناطيسيَّة الصادرة من النُّظم والوسائل الإلكترونيَّة الصديقة من استطلاع العدوِّ لها، أو التأثير عليها".

 

• أو "هي أي عمل عسكري يتمُّ فيه استخدام الطاقة الكهرومغناطيسية أو الطاقة الموجهة؛ للسيطرة على الطيْف الكهرومغناطيسي للطرف الآخر".

 

• أو "هي استعمال الطيْف الكهرومغناطيسي؛ لمنْع استعمال هذه الوسيلة من قِبَل الخَصْم، في حين يتمُّ استخدامها من جانب القوات الصديقة بأكثر الطرق فَعالِيَة".

 

• أو "هي إجراءات المراقبة والتشويش والحماية الإلكترونيَّة؛ للسيطرة على المجال الكهرومغناطيسي".

 

أهداف الحرب الإلكترونية:

1- الاستفادة من موجات العدوِّ الكهرومغناطيسيَّة واتِّصالاته، عن طريق استخدام المراقبة الإلكترونية.

 

2- التأثير على أجهزة العدو الإلكترونية، عن طريق استخدام التشويش الإلكتروني.

 

3- توفير الأمن الإلكتروني لموجاتنا الكهرومغناطيسية ولمعداتنا من مراقبة وإعاقة العدوِّ لها، باستخدام إجراءات الحماية الإلكترونيَّة.

 

أهمية الحرب الإلكترونيَّة:

تحتلُّ أعمال الحرب الإلكترونية - في الوقت الحاضر - مكانًا بارزًا بين الأنشطة العسكريَّة الأخرى، ويولي كافة الأطراف - من الشرق أو الغرب - الكثير من الاهتمام لتطوير وسائلها وأساليب استخدامها، بعد أن أثبتتْ خِبرات الحروب المحدودة التي تَلَت الحرب العالمية الثانية أهميَّتها؛ سواء في الدفاع، أو الهجوم.

 

وقد أحدَث استخدام معدات الحرب الإلكترونية في الحروب الحديثة تطورًا هائلاً في مجالات هذه الحروب ومراحلها، وأصبَح الحَسْم في المعارك الحديثة لصالح الجيوش والقوات التي تستخدم الحديث منها، وبقدر ما يَمتلكه كلُّ طرفٍ من الأطراف المتصارعة، بعد أن كانتْ تُحسم لمصلحة الطرف الذي يمتلك التفوُّق العددي، أو النوعي، أو يَمتلك الأسلحة البعيدة المدى، والدليل على ذلك أنَّ معدات الحرب الإلكترونيَّة المستخدمة في الطائرات المقاتلة يقترب ثمنُها من نصف قيمة الطائرة.

 

 في مجال أعمال الحرب الإلكترونيَّة الدفاعيةDefensive Measures. EW :

يوفر الاستطلاع الإلكتروني رصيدًا من المعلومات عن الأوضاع والتحرُّكات في مسرح العمليات المنتظر، وكذلك خصائص معدات العدوِّ الإلكترونية؛ لاتِّخاذ الإجراءات الإلكترونية المضادة؛ لمواجهتها.

 

كما يُتيح التعرُّف على نُظُم المواصلات، وشبكات المعلومات التي تربط مراكز قيادة العدوِّ بتشكيلاته ووَحَداته؛ مما يسمح بالتداخُل عليها بالشوشرة والإعاقة لإرباكها، وفي الوقت نفسه اتِّخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق أمْن السيطرة على المواصلات الصديقة، وعدم تمكين العدوِّ من التداخُل عليها.

 

 في مجال أعمال الحرب الإلكترونية الهجوميَّةOffensive Measures . EW :

يركِّز في بداية العمليات على تدمير مراكز الحرب الإلكترونية المعادية، بما يُتيح حرية عمل الأسلحة الصديقة الموجهة، وتحقيق الدقَّة في إصابتها لأهدافها، كما تستخدم نُظُم المعلومات الميدانية المتطورة التي تضمُّ المستشعرات السلبيَّة، والحاسبات الآلية، ونُظم التحكُّم الآلي؛ لتحديد الأهداف المعادية بدقة، واستخدام نُظُم الذخيرة الدقيقة التوجيه لتدميرها.

 

ويُعَدُّ إبطال فاعلية مواصلات مراكز القيادة والسيطرة الآلية المعادية - عن طريق الإجراءات الإلكترونية المضادة الصديقة - في مقدمة أولويَّات الحرب الإلكترونيَّة؛ لذلك يجري التخطيط لذلك مسبقًا قبل بَدء العمليات، فإخماد أو إبطال عمل مراكز القيادة والسيطرة المعادية مبكرًا، يعني: نهاية الحرب.

 

أقسام الحرب الإلكترونية:

1- الهجوم الإلكتروني:

وهو استخدام الطاقة الكهرومغناطيسيَّة، أو الطاقة الموجهة لمهاجمة الأفراد أو المعدات؛ لغرض إضعاف قُدرتها.

 

2- الحماية الإلكترونية:

وهي اتِّخاذ تدابير لحماية الأفراد والمعدات والمرافق من أيِّ تأثير ناشئ من جرَّاء استخدام الحرب الإلكترونية؛ سواء كان من قِبَل قوات صديقة، أو معادية.

 

3- الإسناد الإلكتروني:

وهي عمليات بحث عن مصادر الطاقة الكهرومغناطيسيَّة، وتتبُّع مصادرها؛ سواء كان انبعاثها متعمَّدًا، أم لا.

 

مسارح الحرب الإلكترونية:

تعتمد الحرب الإلكترونية على استخدام وسائل ونُظم إلكترونية تُتيح استغلال الحيِّز الكهرومغناطيسي لصالح طرفٍ، وحِرمان أو خداع الطرف الآخر.

 

وتختلف هذه الوسائل باختلاف مسرح العمليات كالآتي:

1- مسرح العمليات البرية:

استخدام نُظم تقدير المسافة بالليزر وبَواعث الأشعة؛ لتحديد الأهداف بدقَّة، وتوجيه وإدارة نيران الأسلحة بدقة عالية، فضلاً عن استخدام نُظم الذخيرة الموجهة بالليزر أو التليفزيون أو الأشعة، كما تتطلَّب معركة الأسلحة الحديثة كذلك استخدام مستشعرات تضمُّ شبكة حاسبات إلكترونيَّة ترصد المعلومات للأهداف، وتُحلِّلها ثم توجِّه نيران الأسلحة المختلفة نحوها لتدميرها، وهذه المستشعرات ذات تأثير مغناطيسي أو حراري، أو صوتي أو ضوئي؛ للكشف عن تحرُّكات الأسلحة والمعدات في ميدان القتال البَري.

 

2- مسرح العمليات البحرية:

تقوم نُظم الاستطلاع الإلكتروني - المحمولة جوًّا، وفي الفضاء الخارجي، والمتصلة بوحدات الأسطول - بمعاونة السفن الحربيَّة والغوَّاصات؛ لإصابة أهدافها فوق الأُفق over the horizon ، كما أنه بمقدور وحدات مكافحة الغواصات - من طائرات، وسُفن، وغوَّاصات - مسْح قاع البحار باستخدام الأجهزة الإلكترونية - موجات السونار الرداريَّة - للكشف عن الغوَّاصات والألغام البحرية المعادية في الأعماق.

 

3- مسرح العمَليات الجوية:

باستخدام نُظم الإنذار المبكِّر، ونُظم التوجيه الأرضيَّة والمحمولة جوًّا وفي الأقمار الصناعية بالإبلاغ الفوري عن أيِّ اختراقات جويَّة معادية لأجواء الدولة، وتوجيه المقاتلات الصديقة لإصابة أهدافها في الجو، وكذلك رغبة النُّظم الاستطلاعيَّة الإلكترونيَّة المحمولة جوًّا للتحرُّكات المعادية في مسرح العمليات، وإخطار غُرَف العمليات الرئيسيَّة بها في حينه.

 

4- مسرح العمليات الفضائيَّة:

إنَّ للفضاء القريب الذي فرَض نفسه بُعدًا إستراتيجيًّا رابعًا، ليس مجرَّد مجال لعبور السفن الفضائية أو الصواريخ الباليستيَّة، إنما هو أساسًا مجالٌ رحبٌ غير محدود، يَمنح لمن يَملكه قُدرة عالية، تتمثَّل في جمع المعلومات باستخدام أجهزة المراقبة في الأقمار الصناعية والسفن الفضائيَّة، والتي يُمكنها أن ترصد فعليًّا كلَّ ما يحدث في منطقة ما من العالم، وكذلك معالجة المعلومات والسيطرة على وسائل الاتصال، وهو ما يجعل من البيانات شيئًا مفهومًا ومفيدًا تعرضه على شاشة تحدِّد أهدافًا للصواريخ والمقذوفات، مثل: الأهداف الصغيرة كالدبابات، أو التصرُّف وَفْقًا لأهميَّة وحجْم المعلومات في شنِّ الغارات الجويَّة بعيدة المدى وبالغة الدقة؛ لتدمير الأهداف بأقمار صناعية تَصِل دقَّتها إلى حدِّ أن تُدَمِّر مبنًى صغيرًا على بُعد مئات الأميال، كما حدَث أخيرًا في العراق وأفغانستان.

 

الحرب الإلكترونية... إلى أين؟

وفي الختام لا بد أن نذكرَ أنَّ مَن يَملك سلاح (الحرب الإلكترونية) قويٌّ، يستطيع أن يسيطر على المعركة، ويتحكَّم فيها بالكليَّة، وهذا يستعرض لنا أهميَّة تكنولوجيا المعلومات، وكيف أنها دخلَتْ في كلِّ مناحي الحياة حتى في الحروب!

 

والقول "بأنَّ الحرب الإلكترونية قد ركبتنا، فسبَقَتْنا دونما استعدادٍ منَّا للعواقب الأخلاقيَّة والمعنوية والقانونيَّة المترتبة عليها"، قد يكون في هذا القول تلخيصٌ للموقف كله! والذي قال هذا "جون أركيلا" - الأستاذ في الأكاديمية البحرية للدراسات العليا في مونتريى بكاليفورنيا - وهو أحد أكبر الخُبراء في ضروب حروب المعلومات.

____________________________________________

المراجع:

1- مقال بعنوان: "الحرب الإلكترونية"، موقع المقاتل، متاح على رابط:

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Askria6/ElectroWar/sec01.doc_cvt.htm.

2- مقال بعنوان: "مقدمة حول الحرب الإلكترونية"، المنتدى العربي للدفاع والتسليح، متاح على رابط:

http://defense-arab.com/vb/showthread.php?t=1590

3- مقال بعنوان: "نبذة تاريخية عن الحرب الإلكترونية"، منتدى ساحات الطيران العربي، متاح على رابط:

http://4flying.com/showthread.php?t=14535

4- ويكبيديا الموسوعة الحرة، مادة: "حرب إلكترونية"، متاح على رابط:

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D8%A5%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9

5- مقال بعنوان: "الحرب الإلكترونية"، منتديات بوَّابة العرب، متاح على رابط:

http://vb.arabsgate.com/showthread.php?t=503045

______________________________________________________
الكاتب: كريم حميدة

  • 1
  • 1
  • 3,312

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً