شرح حديث أبي هريرة: "لا تعينوا عليه الشيطان"
عن أبي هريرة قال: أُتِي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب خمرًا قال: «اضربوه» قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله! قال: «لا تقولوا هكذا؛ لا تُعِينوا عليه الشيطانَ» (رواه البخاري).
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
نقل المؤلف رحمة الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب خمرًا".
والخمر: كلُّ ما أسكَرَ، ومعنى الإسكار أن يغيب العقل من شدة اللذة؛ لأن غيبوبة العقل أحيانًا تكون بدواء كالبنج، فهذا ليس بسُكْرٍ، وأحيانًا تكون بإغماء، وأحيانًا تكون بسكر، وهو تغطية العقل بلذة وطرب؛ ولهذا تجد السكران - والعياذ بالله - يتخيَّل نفسه وكأنه مَلِكٌ من الملوك، كما قال الشاعر:
ونَشرَبُها فتترُكُنا مُلوكًا
وكما قال حمزة بن عبدالمطلب عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثمل من السكر، قبل أن تحرَّم الخمر، فعلمه في ذلك، فقال له حمزة: "هل أنتم إلا عبيد أبي؟"، يقول للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو رضي الله عنه من أشدِّ الناس تعظيمًا للرسول، لكنه سكران.
والحاصل أن السكر تغطية للعقل على وجه اللذة والطرب.
ولذلك فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشاربُ للخمر قال: «اضربوه».
فقال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، ومنا الضارب بسوطه، ومنا الضارب بنعله، ولم يحدِّد لهم النبي صلى الله عليه وسلم عددًا معينًا، فلما انصرف بعضهم قال له رجل: أخزاك الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُعينوا عليه الشيطان»؛ لأن الخزي معناه العار والذُّلُّ، فأنت إذا قلت لرجل: أخزاك الله، فإنك قد دعوتَ الله عليه بما يذله ويفضحه، فتُعِينُ عليه الشيطان.
وفي هذا الحديث دليلٌ على أن عقوبة الخمر ليس لها حدٌّ معين؛ ولهذا لم يحدَّ لهم النبي صلى الله عليه وسلم حدًّا، ولم يعدها عدًّا، كلٌّ يضرب بما تيسَّر، من يضرب بيده، ومن يضرب بطرف ثوبه، ومن يضرب بعصاه، ومن يضرب بنعله، لم يحدَّ فيها حدًّا، وبقي الأمر كذلك.
وفي عهد أبي بكر صارت تُقدَّر بنحو أربعين، وفي عهد عمر كثُر الناس الذين دخلوا في الإسلام، ومنهم من دخل عن غير رغبة، فكثُر شرب الخمر في عهد عمر رضي الله عنه، فلما رأى الناسَ قد أكثَروا منها استشار الصحابة، فقال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: أخَفُّ الحدود ثمانون، وهو حدُّ القذف، فرفع عمر رضي الله عنه عقوبة شارب الخمر إلى ثمانين جَلْدةً.
ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا فعل ذنبًا وعوقب عليه في الدنيا، فإنه لا ينبغي لنا أن ندعوَ عليه بالخزي والعار؛ بل نسأل الله له الهداية، ونسأل الله له المغفرة، والله الموفق.
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- التصنيف:
- المصدر: