يالحسرة الظالمين، ويالسوء منقلبهم!
إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتَ خَفِيفُ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، خَفِيفُ الْبَطْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، كَافُّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ، لَازِمًا لِجَمَاعَتِهِمْ فَافْعَلْ..
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[1].
من خطر الظلم ومن شؤمه على من اتصف به أن الظالمَ بعيدٌ كلَ البعدِ عن الهداية.
والعلة في كونه بعيدًا عن الهداية أنه يعيش في الدنيا في ظلمات الجهل، والفجور، والكبر، والطغيان، وأُشرِبَ قلبه حبَّ تلك الظلمات، فيظلم قلبه، وينطفئ نور بصيرته، وأنى لمثل هذا أن يرى نور الإيمان وقد عميت عين بصيرته، وانتكست فطرته؟
ومن استمرأ الظلم، وآثر العيش في ظلماته في الدنيا، بعث يوم القيامة يتخبط في الظلمات، والجزاء من جنس العمل؛ قَالَ تَعَالَى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[2].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ}3].
وكيف يهديه الله تعالى؟ {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[4].
وكيف يوفقه الله تعالى للهدى وقد حكم بخسرانه جزاء ظلمه؟ {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}[5].
فيالحسرة الظَّالِمِينَ، ويالسوء منقلبهم إِذَا بَلَغَتِ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ، ونزل بساحتهم بأس الله، فطحنتهم رحى المنون، وعجز الأطباء والمداوون؛ {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}[6].
فيالحسرتهم يوم القيامة، ويالسوء منقلبهم إذا عرضوا على ربهم؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [7].
فلا تظلمن يا عبد الله إذا كنت مقتدرًا، واحرص أَنْ تَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، خميصَ الْبَطْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، كَافَّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ؛ فـ «إِنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَئُودًا لَا يَجُوزُهَا الْمُثْقِلُونَ»[8].
كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنِ الْعِلْمِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ: «إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنِ الْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ أَكْتُبَ بِهِ إِلَيْكَ، وَلَكِنْ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتَ خَفِيفُ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، خَفِيفُ الْبَطْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، كَافُّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ، لَازِمًا لِجَمَاعَتِهِمْ فَافْعَلْ»[9].
[1] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَة/ 86.
[2] سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَة/ 38.
[3] رواه البخاري -كِتَاب المَظَالِمِ وَالغَصْبِ، بَابٌ: الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، حديث رقم: 2447، ومسلم- كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ، حديث رقم: 2579.
[4] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَة/ 57.
[5] سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَة/ 21.
[6] سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَة/ 93.
[7] سُورَةُ سَبَأٍ: الْآيَة/ 31.
[8] رواه الحاكم - كِتَابُ الْعِلْمِ، حديث رقم: 8713، بسند صحيح.
[9] تاريخ داريا (ص: 46).
_________________________________
الكاتب: سعيد مصطفى دياب
- التصنيف:
- المصدر: