الإنسان يعبد الإنسان
هاني مراد
فإن كانت العلمانية ردة فعل أوربا الحديثة على عصور الظلام، فليس لها مبرر في بلاد الإسلام الذي لا يعترف بتسلط رجال الدين، ولا يعرف تأليه البشر.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
العلمانية في أبسط صورها، هي فصل الدنيا عن الدين. فهي لا تعترف بدور الدين في تسيير دفة الحياة، ولا تعرف الإله.
كان انتشارها كأسلوب حياة، أمرا بدهيا، بعد دهمة عصور الظلام التي عاشتها أوربا باسم الدين! وحمل مشاعلها مفكرون على اختلاف الحقب والأزمان والبلدان، مثل مارتن لوثر، القسيس الألماني الذي ثار على سلطة الكنيسة وأسس مذهبه المعروف، والأديب الساخر فرانسوا فولتير؛ صاحب الرسائل الفلسفية، والمنافح عن الإصلاح الاجتماعي، وتوماس هوبز؛ أحد فلاسفة الفكر السياسي الحديث، وجان جاك روسو؛ الفيلسوف والناقد الاجتماعي نصير الحرية، وجون لوك؛ فيلسوف العقل الإنساني، ومونتسكيو؛ واضع نظرية فصل السلطات، ورينيه ديكارت؛ أبو الفلسفة الحديثة، الذي قال: أنا أفكر، إذا أنا موجود. ومع رسم هؤلاء وغيرهم ملامح عصر النهضة والتنوير، فقد مثلت فلسفاتهم أكبر روافد الثورة الفرنسية والفكر الأوربي الذي تطور إلى العلمانية الحاضرة.
ومع سطوة الرأسمالية على حاضرنا، نجد ذلك التشاكل الرحيب مع العلمانية. فكلاهما يتغذى على الآخر ويغذي الآخر!
فإن كانت العلمانية ردة فعل أوربا الحديثة على عصور الظلام، فليس لها مبرر في بلاد الإسلام الذي لا يعترف بتسلط رجال الدين، ولا يعرف تأليه البشر.
لكن ميدان المعركة بين الفكرين يرتسم على تأسس أحدهما على إلغاء الآخر. فهي لا تقرّ دور الدين في الحياة، على حين أن الإسلام يتأسس على الخضوع لله في كل شيء؛ في الدين والدنيا، في الحرب والسلام، في السياسة والاقتصاد، في الزواج والطلاق.
فإن كانت العلمانية ترفض تأليه الإله، إلا أنها استبدلت الإنسان به! فهل يعبد الإنسان الإله، أم يعبد الإنسان الإنسان؟