محبة الآخرين والحرص على نفعهم
أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يَخُصَّ بالإنذار أحدًا، بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف، والفقير والغني، والسادة والعبيد، والرجال والنساء، والصِّغار والكِبار، ثم الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، له الحكمة والحُجَّة..
مما يمتاز به ابن كثير رحمه الله كذلك: الحرصُ على نفع الناس، ومحبةُ الخير لهم، ونصحُهم وإرشادهم وبذلُ الخير لهم، فيقول رحمه الله بعد ذكره قصة صاحب الجنة: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف: 39]: "وهذه القصة تضمَّنت: أنه لا ينبغي لأحد أن يركن إلى الحياة الدنيا، ولا يغترَّ بها، ولا يثق بها، بل يجعل طاعة الله والتوكل عليه في كلِّ شيء نصب عينيه، وليكن بما في يد الله أوثَقَ منه مما في يديه، وفيها أن من قدَّم شيئًا على طاعة الله والإنفاق في سبيله عُذِّب به، وربما سُلِب منه معاملةً له بنقيض قصده، وفيها أن الواجب قَبولُ نصيحة الأخ المشفق، وأن مخالفته وبال ودمار على من رَدَّ النصيحة الصحيحة، وفيها أن الندامة لا تنفع إذا حان القدَر ونفذ الأمر الحتم، والله المستعان، وعليه التكلان"[1].
ويقول رحمه الله عند تفسير الآية: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس: 26]: "قال قتادة[2]: لا تَلْقى المؤمنَ إلا ناصحًا لا تلقاه غاشًّا... {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: 27]"بإيماني بربي وتصديقي المرسلين، ومقصوده أنهم لو اطَّلَعوا على ما حصل من هذا الثواب والجزاء والنعيم المقيم، لَقادَهم ذلك إلى اتِّباع الرسل، فرحمه الله ورضي عنه؛ فلقد كان حريصًا على هداية قومه"[3].
فالمؤمن الصادق عند ابن كثير هو الذي يَحرِصُ على أن يكون داعية إلى الخير، ومتعديًا نفعُه إلى غيره، فيقول عند تفسير الآية: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]: "فأَحَبُّوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذَراريِّهم، وأن يكون هُداهم متعديًا إلى غيرهم بالنفع، وذلك أكثر ثوابًا، وأحسن مآبًا"[4].
ولذلك فمنهج ابن كثير الدعويُّ ينطلق من محبة الآخرين والحرص على دعوتهم ونفعهم، دون التفريق بين شريف ووضيع، وغني وفقير، فهو يشير رحمه الله إلى أن الله سبحانه "أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يَخُصَّ بالإنذار أحدًا، بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف، والفقير والغني، والسادة والعبيد، والرجال والنساء، والصِّغار والكِبار، ثم الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، له الحكمة والحُجَّة"[5].
وهذا ما يجب أن يكون عليه الدُّعاةُ في علاقتهم بالآخرين ودعْوتِهم لهم.
[1]البداية والنهاية 2/ 577.
[2] قتادة بن دعامة بن قتادة بن عُزيز أبو الخطاب السدوسي البصري، مفسر حافظ، ضرير أكمه، قال الإمام أحمد بن حنبل: قتادة أحفظ أهل البصرة، وكان مع علمه في الحديث رأسًا في العربية ومفردات اللغة وأيام العرب والنَّسَب، وكان يرى القَدَرَ، وقد يدلِّس في الحديث، مات بواسط في الطاعون سنة118هـ، الأعلام 5 /189.
[3] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 697.
[4] المرجع نفسه 3 /410.
[5] المرجع نفسه 4 /555 وذلك عند تفسير الآية: ﴿ وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ﴾ [عبس: 8 - 10].
___________________________________________
الكاتب: مبارك بن حمد الحامد الشريف
- التصنيف:
- المصدر: