بلاغة القصة القرآنية ,,,

منذ 2021-03-01

فالقصة القرآنية لا تحكي حكاية، بل تُحكم عقيدة، وتُنشئ واقعا، وتُؤسس مجتمعا، وتَرسم موطنا، وتُرسخ بنيانا، وتَضع منهجا، وتهذب نفوسا، وتَبعث رُوْحا.

ليست القصة القرآنية سردا تاريخيا أو حكايا مجردة، بل تُعرض كمشاهد نابضة مفعمة بالحياة، يراها القارئ بعينيه، ويستشعرها بقلبه ووجدانه، إذ ينطق بها لسانه!

وما إن ترتسم صور المشاهد، وتنطبع شخصياتها، وتصدر موسيقى إيقاعها، وتحيا القصة في وجدانات قارئها، وترتفع إلى آفاق فوق آفاق، حتى تثور العواطف والانفعالات، فيتمثل أحداثها، ويعيش مواقفها، ويتقمّص شخوصها.

فها هو القارئ يتمثّل دور إبراهيم فتى وحيدا، يدعو قومه، فيطرح في النار معه. وها هو يستشعر أزمة مريم، فيعيش موقفها، ويحس بخلجات روحها. وها هو يعدّ نفسه فتى من فتية الكهف، ويحيا حياة يوسف، فيتعلم الإحسان!

وكل كلمة ترسم حركة!

كما تتمثل بلاغة الإبداع الإلهي للقصة القرآنية في أن الهدف الأسمى لها، ليس الشخوص، أو التفاصيل، أو الإمتاع، أو الحكي، بل استخلاص العبرة والدرس، حتى إنها لا تحدد أسماء أو تخط أماكن، بل قد تتركها حتى النهاية - غير معروفة.

كما تُستخدم القصة في رسم ملامح الشخصيات رسما مبدعا؛ فكأننا نشاهد شخصيات إبراهيم، وموسى، ونوح، ويوسف – على اختلافها – أمام أعيننا، حية نابضة بكل حياة، نعيش معها، وتعيش معنا.

وتصوّر القصة من خلال أحداثها وإيقاعها الحوار والمجادلة، في صور حسية واقعية متحركة كأنها مشاهد لحظية نراها أمام أعيننا، مثلما ورد في قصة طالوت، وحوار موسى وفرعون والسحرة، وحوار المستكبرين والمستضعفين، وحوار أصحاب الجنة وأصحاب النار.

وترد القصة تعقيبا على الأحداث الكبرى والمحن العظمى، فترسم الطريق، وتصوغ الأخلاق والعقائد والمفاهيم؛ مثلما وقع في غزوات بدر، وأحد، والأحزاب، والحديبية، ومثلما حدث مع المخلفين الثلاثة، وفي حادثة الإفك، وغيرها.

فالقصة القرآنية لا تحكي حكاية، بل تُحكم عقيدة، وتُنشئ واقعا، وتُؤسس مجتمعا، وتَرسم موطنا، وتُرسخ بنيانا، وتَضع منهجا، وتهذب نفوسا، وتَبعث رُوْحا.

هاني مراد

كاتب إسلامي، ومراجع لغة عربية، ومترجم لغة إنجليزية.

  • 6
  • 0
  • 1,058

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً