الإسلام والغرب صراع الحضارات
محمد بن شاكر الشريف
ظهر على ألسنة قادة الغرب ما كان مكنونًا في صدروهم من حقد تجاه الإسلام
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
عقب أحداث 11 سبتمبر ظهر على ألسنة قادة الغرب ما كان مكنونًا في صدروهم من حقد تجاه الإسلام؛ فاستمعنا إلى بوش وهو يقول: "سنشنها حربًا صليبية"، وبدأ كثير من الساسة في أمريكا وبريطانيا وإيطاليا وغيرهم القدح في الإسلام وشريعته.
ولكن بعض المتغربين من بني جلدتنا، الذين لا يرون فيما يصدر من أمريكا وحلفائها إلا الخير والعدل والأمن، ويتأولون لهم وينفون عنهم أن تكون هذه التصريحات معبرة عن توجههم الحضاري، وهم بذلك - أي: المتغربين - يتجاهلون التاريخ المعاصر لا أقول البعيد، الذي يؤكد على أنه اتجاه حقيقي عند الغرب يعبر عما في صدورهم تجاه المسلمين.
يقول الدكتور محمد محمد حسين في كتابه "الاتجاهات الوطنية": (وهذا هو اللورد "ويفل"، وهو من كبار قوادهم وساستهم، ينقل عن إحدى المجلات الإنجليزية صورة رمزية للقائد الإنجليزي "اللنبي" في عودته من حرب فلسطين، وقد كتب تحتها "العودة من الحروب الصليبية"، وأرسل أسقف نيويورك إلى رئيس أساقفة "كانتربري" برقية بالنيابة عن مائة أسقف، وشكره على المساعي التي يبذلها في الحروب الصليبية التي تبذل ضد بقاء الأتراك في الأستانة.
ويذكر الأنشودة التي كان يرددها الجندي البريطاني وهو ذاهب إلى ليبيا: "يا أماه، أتمي صلاتك ولا تبكي، بل اضحكي وتأملي، ألا تعلمين أن إيطاليا تدعوني، وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحًا مسرورًا، لأبذل دمي لسحق هذه الأمة الملعونة، ولأحارب الديانة الإسلامية) [الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر].
قال "أيوجين روستو" رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية، ومستشار الرئيس "جونسون" لشئون الشرق الأوسط حتى عام 1967م: (يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية، لقد كان الصراع ممتدًا بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصورة مختلفة، ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي).
إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي: (في فلسفته، وعقيدته ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام، وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية؛ لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها) [عودة الحجاب, د.محمد إسماعيل].
(وقف مندوب أمريكا في هيئة الأمم قائلًا: إن الصراع الحقيقي في الشرق ليس بين العرب واليهود، إنما الصراع الحقيقي هو ما بين حضارة الإسلام وحضارة الغرب، فإذا استطعنا أن نزيح حضارة الإسلام عن ميدان الصراع هان علينا تصفية القضية، وسهل علينا الجمع ما بين العرب واليهود) [المصدر السابق]، وهذا يفسر تفريغ القضية الفلسطينية على مدى عدة عقود من بُعْدِها الإسلامي، سواء بفعل بعض المنظمات الفلسطينية، أو بعض الأنظمة العربية المخدوعة بمثل هذه الكلمات.
(قال "باترسون سميث" في كتابه "حياة المسيح الشعبية": باءت الحروب الصليبية بالإخفاق، لكن حادثًا خطيرًا وقع بعد ذلك، حينما بعثت إنجلترا بحملتها الصليبية الثامنة؛ ففازت هذه المرة, إن حملة "اللنبي" على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى هي الحملة الصليبية الثامنة والأخيرة) [المصدر السابق].
ويؤكد صليبية الفرنسيين ما قاله "بيدو" وزير خارجية فرنسا، عندما زاره بعض البرلمانيين الفرنسيين، وطلبوا منه وضع حد للمعركة الدائرة في مراكش، فأجابهم: (إنها معركة بين الهلال والصليب) [المصدر السابق].
(قال "راندولف تشرشل": لقد كان إخراج القدس من سيطرة الإسلام حلم المسيحيين واليهود على السواء، إن سرور المسيحيين لا يقل عن سرور اليهود؛ لأن القدس قد خرجت من أيدي المسلمين، وقد أصدر الكنيست اليهودي ثلاثة قرارات بضمها إلى القدس اليهودية، ولن تعود إلى المسلمين في أية مفاوضات مقبلة ما بين المسلمين واليهود) [السابق].
(نشرت مجلة الأمة، أن رئيس أمريكا "ريجان" وجَّه إليه أحد الصحافيين سؤالًا نصه: متى تنتهي مهزلة ما يحدث في بيروت والدماء تنزف؟ فأجاب رئيس أمريكا في غرور واضح: إننا ما زلنا صليبيين، ولابد من إنهاء المناوشات بين المسلمين واليهود، وحماية أتباع المسيح في لبنان من المسلمين الغرباء) [السابق].
وقال الرئيس الأمريكي السابق "بوش" نفسه: (وعلى الرغم من أن الحرب على أفغانستان توشك على نهايتها، فإن أمامنا طريقًا طويلًا ينبغي أن نسيره في العديد من الدول العربية والإسلامية، ولن نتوقف إلى أن يصبح كل عربي ومسلم مجردًا من السلاح، وحليق الوجه، وغير متدين، ومسالمًا ومحبًّا لأمريكا، ولا يُغطى وجه المرأة) [في خطاب له أمام الكونجرس، 29/1/2003م، نقلًا عن موقع الفوائد].
ونشرت "النيويورك تايمز" في 11/3/2003م، أن "بوش" قال لأحد أصدقائه عندما كان حاكمًا لولاية "تكساس": (إن الله يريده أن يترشح للرئاسة، وأنه أوعز للولايات المتحدة بأن تقود حملة صليبية تحريرية في الشرق الأوسط) [نقلًا عن الفوائد]، تعالى الله عما يقول الكاذبون الظالمون.
وحضر "توني بلير" مع حليفه "بوش" في الحرب الصليبية في قداس مع جنوده في البصرة، فكان مما قال: (أمامًا جند النصارى الزاحفين إلى الحرب، يتقدمكم صليب السيد المسيح، عيسى الملكي، يقود الزحف ضد العدو ...) [نقلًا عن شبكة الصحوة الإسلامية].
وقد شبه الجنرال الأمريكي "ويليام بويكن" الحرب على "الإرهاب" بنضال المسيحية ضد الإسلام [نقلًا عن موقع الجزيرة نت 25/8/1424هـ].
ولعل ما نقلته هنا - وما تركته أكثر - كافٍ في بيان أن فكرة الحروب الصليبية في علاقة الغرب مع المسلمين أو في علاقة المسيحية بالإسلام هي فكرة محورية، موجودة عند البريطانيين كما عند الفرنسيين والإيطاليين والأمريكيين، سواء أكانوا ساسة أو حكامًا أو مفكرين، وهذا هو الذي يحكم تصرفاتهم، فليس ما يصرحون به زلات لسان كما فعل "بوش"، بل هو نهج وطريق يأخذه بعضهم عن بعض؛ مما يؤكد أن الصراع بين الإسلام والغرب إنما هو صراع حضارات.