الآثار التعبدية للإيمان بصفات الله تعالى : 1
ولله عز وجل الأسماء الحسنى، والصفات العليا، التي ينبغي للمسلم أن يتعبد الله بها، وقد ذكر أهل العلم آثارًا تعبدية للإيمان بها، وقد جمعتُ ما تيسر مما ذكروه من آثار تعبدية لبعض الصفات، فمن تلك الصفات:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالإيمان بالله يتضمن الإيمان بالله تعالى، والإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته. فمن أنكر أسماؤه وصفاته فليس مؤمن، ولذا لا يتحقق إيمان العبد إلا بالإيمان بأسماء الله وصفاته، وأن يكون ذلك على منهج أهل السنة والجماعة، وذلك بالإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، وما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكيف، ولا تمثيل.
ولله عز وجل الأسماء الحسنى، والصفات العليا، التي ينبغي للمسلم أن يتعبد الله بها، وقد ذكر أهل العلم آثارًا تعبدية للإيمان بها، وقد جمعتُ ما تيسر مما ذكروه من آثار تعبدية لبعض الصفات، فمن تلك الصفات:
المحبة:
قال الدكتور عمر بن سليمان الأشقر: جاء في الكتاب والسنة أن الله تعالى يحب أفعالًا معينة، كما يحب كلامًا معينًا، ويحب بعض خلقه، الذين اتصفوا بصفات خاصة بينها، وما أخبرنا بذلك إلا لكي نبادر إلى الاتصاف بما يُحبه من الأخلاق، والقيام بالأعمال التي يحبها والإكثار من ذكر الكلام الذي يحبه، وبذلك يحبنا سبحانه وتعالى
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قال تعالى: ﴿ { وأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ﴾ [البقرة:195] الإحسان يكون في عبادة الله، ويكون في معاملة الخلق... وهذا يقتضي أن نحسن، وأن نحرص على الإحسان، لأن الله يحبه، وكل شيء يحبه الله فإننا نحرص عليه.
وقال تعالى: ﴿ {وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } ﴾ [الحجرات:9] ﴿ أقسطوا ﴾؛ أي: اعدلوا، فالعدل واجب في كل ما تجب فيه التسوية، يدخل في ذلك العدل في معاملة الله عز وجل، ويدخل في ذلك العدل في معاملات الخلق، أن تُعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، ويدخل في ذلك العدل في نفسك في تكلفها ما لا تطيق من الأعمال إن لربك عليك حقًا ولنفسك عليك حقًا،...وهذا يقتضي...أن نحرص على العدل.
وقال تعالى: ﴿ {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} ﴾ [التوبة:7] (المتقين) المتقون هم الذين اتخذوا وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه هذا من أحسن وأجمع ما يقال في تعريف التقوى وهذا يقتضي أن نتقي الله عز وجل، لا نتقي المخلوقين.
وقال: ﴿ { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} ﴾ هذا تستوجب أن أُكثر التوبة إلى الله عز وجل، أُكثر أن أرجع إليه بقلبي وقالبي، ومجرد قول الإنسان: أتوب إلى الله هذا قد لا ينفع لكن تستحضر وأنت تقول: أتوب إلى الله أن يديك معاصي ترجع إلى الله منها وتتوب، حتى تنال بذلك محبة الله.
وقال: ﴿ { وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ﴾ إذا غسلت ثوبك من النجاسة، تحس بأن الله يحبك، لأن الله يحب المتطهرين إذا توضأت تحس بأن الله أحبك لأنك تطهرت، إذا اغتسلت تُحس أن الله أحبك، لأن الله يحب المتطهرين، ووالله إننا لغافلون عن هذه المعاني.
وقال تعالى: ﴿ {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } ﴾ [آل عمران:31] وهذا يستوجب أن نحرص غاية الحرص على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، بحيث نترسم طريقه، لا نخرج عنه، ولا نقصر عنه، ولا نزيد، ولا ننقص، وشعورنا هذا يحمينا من البدع، ويحمينا من التقصير، ويحمينا من الزيادة والغلو، ولو أننا نشعر بهذه الأمور، فانظر كيف يكون سلوكنا وآدابنا وأخلاقنا وعباداتنا.
وقال تعالى: ﴿ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ﴾ [المائدة:54] أي: إذا ارتددتم عن دين الله، فإن ذلك لا يضر الله شيئًا...فنحذر من الردة عن الإسلام، التي منها ترك الصلاة مثلًا، فإذا علمنا أن الله يهددنا بأننا إن ارتدننا عن دينا، أهلكنا الله، وأتى بقوم يحبهم ويحبونه، ويقومون بواجبهم نحو ربهم، فإننا نلازم طاعة الله والابتعاد عن كل ما يقرب للردة.
العلو والفوقية:
قال الله عز وجل: ﴿ {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} ﴾ [آل عمران:55] قال الشيخ الجبرين رحمه الله: وصف الله بصفات العلو من باب التعظيم... فعلينا أن نعظمه، ومن تعظيمه تعالى عبادته حق العبادة، وتخصيصه بذلك دون أن يُشرك معه غيره، ودون أن يصرف شيء من حقه لغيره، فإن ذلك تنديد وشرك ونقص في التعظيم، ونأخذ من ذلك أنه إذا كانت هذه عظمته...وجب أن يخاف عذابه...فمن عصا أو عتا عن أمره انتقم منه وعاقبه بما يشاء من أليم العقاب.
والعبد إذا آمن بعظمة الله وقدرته وعلوه وفوقيته أورثه ذلك فائدة عظيمة، وهي تعظيمه والخوف منه، فإنه متى عظم قدر ربه في قلبه خافه أشد الخوف، وراقبه واستحضر أنه يراه في كل وقت، فحمى نفسه عن أن يقدم على معصيته لأنه يراه.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الإنسان إذا علم بأن الله تعالى فوق كل شيء، فإنه يعرف مقدار سلطانه، وسيطرته على خلقه، وحينئذ يخافه ويعظمه، وإذا خاف الإنسان ربه وعظمه، فإنه يتقيه ويقوم بالواجب ويدع المحرم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء» » الفائدة المسلكية من هذا الحديث: تعظيم الله عز وجل، وأنه في العلو، وأنه يعلم ما نحن فيه، فنقوم بطاعته، بحيث لا يفقدنا حيث أمرنا، ولا يجدنا حيث نهانا.
قال الشيخ عبدالرزاق البدر: والإيمان بعلو الله على خلقه يورث العبد تعظيمًا لله وذلًا بين يديه، وانكسارًا له، وتنزيهًا له عن النقائص والعيوب، وإخلاصًا في عبادته، وبعيدًا عن اتخاذ الأنداد والشركاء، قال الله تعالى: ﴿ { ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } ﴾ [الحج:62].
قال الله عز وجل: ﴿ {رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ﴾ [المائدة:119].
قال الشيخ البراك: الإيمان بأنه تعالى يرضى...يوجب للعبد أن يطلب رضا الله وأن ترغب نفسه في ذلك ورضوان الله أكبر ما يمن الله به على أوليائه ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شي أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا» .
وقال الشيخ الجبرين رحمه الله: إذا آمنا بأن الله يرضى عن عباده المؤمنين كقوله: ﴿ { رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} ﴾ [البينة:8] دفعنا ذلك إلى عمل الصالحات ابتغاء مرضاة الله، ودعائه سبحانه بأن يرضى عنا بأن يقول الواحد منا في دعائه: اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بسخطك والنار.
الضحك:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « «يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الأخر، كلاهما يدخل الجنة» » قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: في هذا إثبات الضحك لله عز وجل، وهو ضحك حقيقي،...يليق بجلاله وعظمته، والفائدة المسلكية من هذا الحديث: هو أننا إذا علمنا أن الله عز وجل يضحك، فإننا نرجو منه كل خير، ولهذا قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أو يضحك ربنا؟ قال: (نعم) قال: لن نعدم من رب يضحك خيرًا. وإذا علمنا ذلك، انفتح لنا الأمل في كل خير.
النزول:
قال رسول الله صلى عليه وسلم: ( «ينزلُ ربنا إلى السماء الدنيا كُلّ ليلةٍ، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأُعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» ) [متفق عليه].
قال الشيخ عبدالله الجبرين رحمه الله: أهل السنة والجماعة يؤمنون بهذا الحديث، وأن الله تعالى ينزل نزولًا يليق به،...ولا يتكلفون وراء ذلك، ولا يتقعرون،...بل نؤمن بما أخبر، والله تعالى ليس كمثله شيء في صفاته، وكذلك في أفعاله، والنزول من الأفعال، فنؤمن بذلك، والرسول علية الصلاة والسلام ذكر هذا الحديث ليرغب الأمة في الصلاة آخر الليل، وكان علية الصلاة والسلام يداوم على الصلاة في الثلث الأخير من الليل، لأنه كان ينام مبكرًا بعد العشاء مباشرة، ثم يقوم الثلث الأخير كله، أو النصف الأخير كله للتهجد بالليل، وكذلك جملة مستكثرة من صحابته.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ينبغي للإنسان أن يغتنم هذا الجزء من الليل، فيسأل الله عز وجل، ويدعوه، ويستغفره...لأنه ليس لك من العمر إلا ما أمضيته في طاعة الله.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: لهذا كان خواص المؤمنين يتعرضون في هذا الوقت الجليل لألطاف ربهم ومواهبه، فيقومون بعبوديته خاضعين خاشعين داعين متضرعين، يرجون منه حصول مطالبهم التي وعدهم إياها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعلمون أن وعده حق، ويخشون أن ترد أدعيتهم بذنوبهم ومعاصيهم، فيجمعون بين الخوف والرجاء، ويعترفون بكمال نعمة الله عليهم فتمتلئ قلوبهم من التعظيم والإيمان لربهم، ومن التصديق والإيقان.
- التصنيف: