الآثار التعبدية للإيمان بصفات الله تعالى : 2
وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين رحمه الله: إذا آمنا بأنه سبحانه يغضب إذا انتهكت محارمه، فإن ذلك يجعلنا حذرين من أسباب غضبه التي أخبرنا عنها، وحذرنا منها، وهي في الجملة معصية أمره، والإصرار على ذلك.
المعية:
قال الله عز وجل: ﴿ {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ} ﴾ [التوبة:40].
قال الشيخ عبدالله الجبرين رحمه الله: إذا استحضر العبد أن الله معه حيثما كان، فإنه يراقب الله بحيث أنه لا يتجرأ على معصيته، ولا يتجرأ على ترك طاعته، وتحاسبه نفسه: كيف أعصيه وكيف أخالفه وهو يراني ويرى مكاني، ولا يخفي عليه شيء من شأني؟ العبد إذا آمن بمعية الله وآمن بقرب ربه، وآمن باطلاعه على عباده استفاد من هذا الإيمان استفادة كبيرة، وهي انزجاره عن المحرمات، وابتعاده عن المكروهات، ومحافظته على الطاعات.
وقال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: ما هي الثمرات التي نستفيدها بأن الله معنا؟
أولًا: الإيمان بإحاطة الله عز وجل بكل شيء، وأنه مع علوه فهو مع خلقه، لا يغيب عنه شيء من أحوالهم أبدًا.
ثانيًا: أننا إذا علمنا ذلك وآمنا به، فإن ذلك يوجب لنا كمال مراقبته بالقيام بطاعته وترك معصيته، بحيث لا يفقدنا حيث أمرنا، ولا يجدنا حيث نهانا، وهذه ثمرة عظيمة لمن آمن بهذه المعية.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: أفضل الإيمان مقام الإحسان والمراقبة، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وتعلم أن الله معك لا تتكلم ولا نفعل ولا تتصرف إلا والله يراك ويشاهدك ويعلم سرك وجهرك، وأن تلزم الأدب مع الله خصوصًا إذا دخلت في الصلاة التي هي أعظم صلة ومُناجاة بين العبد وبين ربه فتخضع وتخشع وتستحضر، وتعلم أنك واقف بين يدي الله، فتقل من الحركات ولا تُسيء الأدب منه، فهذه المعية متى حصل للعبد استحضارها في كل أحواله لا سيما في عباداته، فإنها أعظم عون على المراقبة التي هي أعلى مراتب الإيمان.
الفرح:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « « للهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبده من أحدكم براحلته» ... » الحديث. متفق عليه.
قال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: قال المؤلف: الحديث، أي: أكمل الحديث.
والحديث أن هذا الرجل كان معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فضلت عنه، فذهب يطلبها، فلم يجدها، فأيس من الحياة، ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت، فإذا بخطام ناقته متعلقًا بالشجرة...ولا أحد يستطيع أن يقدر هذا الفرح، إلا من وقع فيه فأمسك بخطام الناقة، وقال: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، لم يملك كيف يتصرف في الكلام.
فالله عز وجل أفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه من هذا الرجل براحلته.
وفي هذا الحديث: إثبات الفرح لله عز وجل، فنقول في هذا الفرح: إنه فرح حقيقي، وأشد فرح، ولكنه ليس كفرح المخلوقين.
ويستفاد من هذا الحديث مع إثبات الفرح لله عز وجل: كمال رحمته جل وعلا ورأفته بعباده، حيث يحب رجوع العاصي إليه هذه العظيمة.
ومن الناحية المسلكية: يفيدنا أن نحرص على التوبة غاية الحرص، كلما فعلنا ذنبًا، تبنا إلى الله.
وقال الشيخ عبدالعزيز السلمان - رحمه الله -: هذا حديث جليل فيه بشارة عظيمة ترتاح لها قلوب التائبين، المحسنين ظنهم بربهم، الصادقين في توبتهم، الخالعين ثياب الإصرار على المعاصي البعيدين عن سوء الظن بمن لا يتعاظمه ذنب، ولا يبخل بمغفرته ورحمته على عباده، الطالبين عفوه الملتجئين إليه في مغفرة ذنوبهم.
الكلام:
قال الله عز وجل: ﴿ { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} ﴾ [النساء:87] ﴿ {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قيلً} ا ﴾[النساء:122].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ذكر المؤلف رحمه الله الآيات التي فيها أن القرآن منزل من الله تعالى: ﴿ { وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ﴾ [الأنعام:155] نستفيد أننا إذا علمنا أن هذا القرآن الكريم تكلم به رب العالمين، أوجب لنا ذلك تعظيم هذا القرآن، واحترامه، وامتثال ما جاء فيه من الأوامر، وترك ما فيه من المنهيات والمحذورات، وتصديق ما جاء فيه من الأخبار عن الله تعالى، وعن مخلوقاته السابقة واللاحقة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « «ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان » » الفوائد المسلكية يخاف الإنسان من ذلك الكلام الذي يجرى بينه وبين ربه عز وجل أن يفتضح بين يدي الله إذا كلمه تعالى بذنوبه، فيقلع عن الذنوب، ويخاف من الله عز وجل.
المكر:
قال الله عز وجل: ﴿ { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} ﴾[الأنفال:30].
قال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: المكر يستفيد به الإنسان للأمر المسلكي مراقبة الله سبحانه وتعالى، وعدم التحيل على محارمه، وما أكثر المتحيلين على المحارم، إذا علموا أن الله تعالى خير منهم مكرًا، وأسرع منهم مكرًا، فإن ذلك يستلزم أن ينتهوا عن المكر...فمتى علمنا أن الله أسرع مكرًا، وأن الله خير الماكرين، أوجب لنا ذلك أن نبتعد غاية البعد عن التحيل على محارم الله.
الإتيان والمجيء:
قال الله عز وجل: ﴿ {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } ﴾ [البقرة:210].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ { كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } ﴾ [الفجر:21-22].
قال الشيخ عبدالرحمن البراك: الإيمان باليوم الآخر، وما يكون فيه من مجيء الله، والأملاك يوجب الإعداد لذلك اليوم، فإن من الناس من يلقى ربه وهو عنه راض، فيلقاه مسرورًا، ويتلقاه بأنواع الكرامات، ومن الناس من يلقى ربه، وهو عليه غضبان، نعوذ بالله من ذلك، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، ونسأله تعالى أن يجعلنا ممن يسعد بلقائه، ويكون فائزًا مسرورًا بذلك، إنه تعالى سميع الدعاء.
وقال العلامة العثيمين - رحمه الله -: الآداب المسلكية المستفادة من الإيمان بصفة المجيء والإتيان لله تعالى: الثمرة هي الخوف من هذا المقام، وهذا المشهد العظيم، الذي يأتي فيه الرب عز جل للفصل بين عباده وتنزل الملائكة، ولا يبقى أمامك إلا الرب عز وجل، والمخلوقات كلها، فإن عملت خيرًا، جوزيت به، وإن عملت سوى ذلك، فإنك ستجزى به، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الإنسان يخلو به الله عز وجل، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار، ولو بشق تمرة) فالإيمان بمثل هذه الأشياء العظيمة لا شك أنه يولد للإنسان رهبة وخوفًا من الله سبحانه وتعالى، واستقامة على دينه.
وقال الشيخ عبدالعزيز السلمان - رحمه الله -: وفيه الحث على الاستعداد لذلك اليوم.
الغضب:
قال الله سبحانه وتعالى: {مَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا }[النساء:93].
قال الشيخ عبدالرحمن البراك: الإيمان بأنه تعالى يغضب يوجب للعبد أن يخاف من غضب الله، ويستعيذ منه، وفي الحديث الصحيح: « «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» ».
وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين رحمه الله: إذا آمنا بأنه سبحانه يغضب إذا انتهكت محارمه، فإن ذلك يجعلنا حذرين من أسباب غضبه التي أخبرنا عنها، وحذرنا منها، وهي في الجملة معصية أمره، والإصرار على ذلك.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: