لا تقل: بِمَ أستعين على الصلاة، بل: بِمَ أستعين على الحياة
ولم يطلب منا ربنا المستحيل بل السهل اليسير، طلب منا ما يندرج ضمن نطاق الجسد، أن نقوم ونتوضأ ونصلي
كتب : عمر عبد الله
بقي من الوقت عشر دقائق تقريباً حتى أذان العصر، ولا أدري هل أتمكن من إكمال المقالة قبل الأذان أم لا، وقد يحدث أن أسمع نداء الله وأنا في نهاية عملٍ ما، فأستعجل بغية إنهائه قبل القيام للصلاة، والنتيجة دائماً واحدة، الندم والحسرة، لأني لن أتمكن -في الغالب- من إكمال العمل قبل الصلاة، وهل تنتهي أعمال ومشاغل الحياة؟ فأتحصل على نصف صلاة الجماعة أو ربعها، فلا أنا أكملت عملي، ولا أنا بكّرت إلى صلاتي، وحينها يكون حالي كما قال الشاعر:
نُرقّع دنيانا بتمزيق ديننا ** فلا ديننا يبقى ولا ما نُرقّعُ
أقولها لك بعد تجارب عديدة، وسنواتٍ مديدة، لا تُمزق صلاتك بترقيع أعمال الدنيا، اجعل الصلاة في المقدمة وقبل كل شيء، اترك عنك كل ما في يديك حين يعلن المؤذن بدء مراسيم اللقاء الذي يتكرر خمس مرات في اليوم، لقاء رب العالمين، لقاء الروح ببارئها، والقلب بخالقه.
إن حياتنا الدنيا لم تعد حياة جَدي وجدك، حياتنا الدنيا صارت مليئة بالمُشغلات والمُلهيات، تأمل مثلاً زيارة صديق أو قضاء مصلحة، ثم انظر كم تستهلك المواصلات من وقت، وحتى ما تنجزه وأنت في بيتك عبر الإنترنت، ستجد من يسرق وقتك أيضاً، ستقرأ ما قاله فلان وتشاهد ما نشره علان، هنالك الكثير من المحتوى اللذيذ والشهي، والنفس ضعيفة تنجذب بأدنى حيلة.
حياتنا صارت مزدحمة، فلا تجعل صلاتك الضحية، لا تسمح لأي شيءٍ أن يشغلك عنها، لماذا؟ لأنك ستضيع، هذا هو السبب بكل بساطة، أنا لا أتحدث عن الضياع في الآخرة، فهي في علم الله، لكني أحدثك عن الدنيا، أحدثك عن أثر الصلاة العجيب الذي يقلب لك حياتك ويخرجك من ظلمات البُعد إلى نور القُرب منه سبحانه.
الصلاة نور
كلما جذبتنا الدنيا بقوة زخرفتها أو أثقلتنا بزحمة همومها كانت الصلاة أكثر أهمية كي تخرجنا من الوهم إلى الحقيقة ومن الظلمات إلى النور.
هل تعبت من تعاقب الليل، هل اشتقت لبزوغ النور في القلب، إذاً عليك بالصلاة، هي القادرة على إخراجك وإيصالك، هي صلة الأرض بالسماء وبوابة القلب لمعارج الروح، هي هدية الله لنا نحن البشر الضعفاء.
نخطئ حين ندع الصلاة لفراغ الوقت أو لصفاء البال، فإن انشغلنا بأمرٍ من أمور الدنيا، جعلنا الصلاة بعد الشغل، فتكون بذلك على هامش حياتنا، فهل هذه صلاةٌ حقاً، وهل هذه هي العبودية فعلاً، بل العبودية أن نسمع ونطيع، وحين ينادي المنادي في أي وقتٍ نلبي كيفما كنا، وبأي حالٍ نكون، أن نوقف عجلة الحياة ونهرع إلى بيوت الله، فهي المستقر الأول لأرواحنا المتعبة، وهي ملاذنا الأوسع لنفوسنا المُرهقة.
أريد الالتزام بالصلاة، لكن …
ما أكثر من هم في دائرة التمني! يعلمون أنهم مقصرون وأن الواجب عليهم الالتزام بالصلاة، لكن الأمر صعبٌ عليهم، أو ربما هو إبليس من يوهمهم بذلك، يريدون حلاً نموذجياً يساعدهم على الالتزام بالصلاة وإقامتها كما يحبه الله.
في الحقيقة، هم بحاجة إلى تعديل حياتهم بأكملها، بحاجة لأن يتذوقوا طعم الإيمان ويمضون في الحياة بقلب يحلق في سماء السعادة، ونحن نجهل أن الصلاة هي الحل والعلاج لكل ذلك، هي الحبل الممدود من السماء كي ينقذ البائسين في الأرض، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور، الإسلام هو حبل النجاة، والصلاة هي عموده، هي السلم الكهربائي الذي يسحب المرء إلى الأعلى، إلى النور، وكلما صعد انقشع عنه الظلام وسطع النور في جنبات روحه، فيدرك أشياء لم تكن واضحة، ويُبصِر معالم لم تكن جليّة، فكيف له أن يدرك ذلك وهو في الأسفل يصارع صغائر الأمور ويحارب في معركة الهموم.
إن الصلاة هي من سيخرجك من كل ذلك، وصدقني أن الخروج من ظلمات الحياة ليس بالأمر الهين، لذلك شُرِعت الصلاة، هذه الشعيرة العظيمة، ومصدر قوتها ليس ضمن قوانين الحياة، جوهر أثرها ليس ضمن نطاق قدرة الإنسان على الفهم، وهو ليس مطالبٌ بكشف أسرارها أو معرفة طريقة تأثيرها، إنما عليه أن يستجيب، أن يلبي نداء الله ( {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} ) ﴿٤٣ البقرة﴾.
لا تقل؛ بم أستعين على الصلاة، بل قُل بم أستعين على الحياة، وحينها أجيبك وأقول، بالصلاة ( {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} ) ﴿٤٥ البقرة﴾
هل تمتلك قرار تحريك رجليك؟ هل تمتلك قرار قيامك من قعودك؟ نعم إنك من تقرر، وهل هنالك ما هو أبسط من أن تقوم من مجلسك ثم تُتبِع الخطوة الخطوة، أن تتحرك نحو المسجد حين تسمع النداء، وإن لم تكن تسمعه فهل أنت عاجزٌ عن تثبيت تطبيقٍ للأذان في هاتفك؟ هل هنالك صعوبة في أن تغسل بعض أجزاء جسمك، ثم تنتصب وتقرأ بعض الآيات، ثم تنحني وتسجد وتردد بعض الكلمات، هل هذا أمرٌ صعبٌ يحتاج لوصفات إبداعية أو طُرُقٌ علاجية؟
هنالك ثلاثة مستويات يتكون منها الإنسان، جسده وعقله وروحه، والروح هي المحرك القوي والسر الخفي، وليس علينا أن ندير هذا المحرك أو نفهم أسرار صنعه ( {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ) ولم يطلب منا ربنا المستحيل بل السهل اليسير، طلب منا ما يندرج ضمن نطاق الجسد، أن نقوم ونتوضأ ونصلي، وما يندرج ضمن نطاق العقل؛ أن نتوقف عن التفكير ونحن قيامٌ نصلي، وما بعد ذلك من أمور النفس وخفايا الروح، فالصلاة تتكفل به.
أخيراً …
قم للصلاة متى ما سمعت النداء، وإن بَعُد عنك النداء وحال دون سماعك له؛ فحّمل -الآن- تطبيقاً للأذان، لا تفكر بل تحرك، لا تؤخّر بل بادر، أوقف كل شيء يمكنك إيقافه، وانسلخ من أي عمل يمكنك تركه، وإن لم تتمكن فتحسر، تحسر إن فاتتك صلاة في مكانها وموعدها، واجعل الحسرة في قلبك دليل إرادتك وحبك، فالله مطلعٌ على القلوب، فأطلعه على قلبٍ محبٍ للصلاة، مشتاقٍ للالتزام بها، اجعل قلبك ينادي ربه بأن يعينه عليها، وأن يهيئ له الأسباب لإقامتها، لأنك حين تقيمها حق إقامتها، لن تعبأ بعدها بالحياة ولا بهمومها، وستبدأ رحلتك السرمدية للخروج من الظلمات إلى النور، ستبدأ بالصعود في رحلة المعرفة والقرب، القرب من الله سبحانه وبحمده.
- التصنيف:
Aseel Aljamous
منذAseel Aljamous
منذAseel Aljamous
منذ